العدد 4740 - السبت 29 أغسطس 2015م الموافق 15 ذي القعدة 1436هـ

فيديو الطفل الفلسطيني

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

احتل شريط الفيديو الخاص بالطفل الفلسطيني مكاناً بارزاً في نشرات الأخبار خلال الأيام الماضية، ليثير الكثير من التساؤلات بشأن الجيش الإسرائيلي.

قبل ربع قرن، وحين انطلقت انتفاضة الحجارة، عاملتها «إسرائيل» بعنف شديد، وانحدر أداء الدولة الصهيونية إلى الحضيض. فالجيش الذي بنى لنفسه سمعةً من خلال حروب الإغارة على الجيران، وفرض سطوته على الدول العربية، وجد نفسه متورطاً في مواجهة شبان عزّل، لا يملكون غير الحجارة للتعبير عن رفضهم لسياسات الاحتلال.

كانت انتفاضة الحجارة ردّ فعل على عقودٍ من الممارسات العنصرية الإسرائيلية، التي اعتبرت الفلسطيني في أرضه مواطناً من الدرجة الخامسة، وجاءت بمهاجرين من روسيا وبولندا والولايات المتحدة وإثيوبيا والهند، لتقيم دولة من العدم على أنقاض الوجود العربي في الأرض المحتلة.

كانت تلك الانتفاضة بداية انهيار «القوة» الإسرائيلية، فبعد خمسة أعوام من غزو لبنان، وطرد منظمة التحرير من بيروت، وإنهاء وجودها المسلح في لبنان، انشغل الجيش الإسرائيلي بمواجهة انتفاضة الداخل. لقد نزل جيش مزوّد بأحدث الأسلحة من الجو ليواجه الشبان العزل في أزقة وحواري المدن والقرى الفلسطينية المحتلة. هذا الهبوط كان هبوطاً في قوة وسمعة وهيبة الجيش الأكثر قوة في الشرق الأوسط.

السقوط الأكبر كان سقوطاً أخلاقياً، حين اعتمد الإسرائيليون سياسة تكسير الأطراف، على نطاق واسع، لإنهاء روح المقاومة وكسرت عزيمة الشعب الفلسطيني. وقد انتشرت بعض أشرطة الفيديو التي سجلت تفاصيل هذه الجريمة. هذه السياسة العنيفة أتت بنتائج عكسية تماماً، فهي لم تقضِ على روح المقاومة، وإنّما أسقطت هيبة الجيش الصهيوني وأنزلتها إلى الحضيض. فمنذ تلك الأيام بدأت تتآكل سمعته على مستوى عالمي.

في الانتفاضة الثانية، كلنا نتذكر كيف احتل شريط مقتل الطفل الفلسطيني محمد الدرّة، في أحضان والده، حين داهمهما الرصاص فجأةً أثناء خروجهما من المنزل، فما كان منهما إلا الاحتماء ببرميلٍ في الطريق، فقتل الطفل وأصيب الأب بالرصاص. وتحوّل الشريط إلى أيقونة صمود، ورمزاً لبربرية العسكرية الإسرائيلية، وزاد من تآكل تلك السمعة والهيبة، التي واجهت جولات أخرى من الصراع، سواءً في لبنان عامي 2000 و 2006، أو في فلسطين عامي 2009 و2014. وكلما انخرط الجيش الصهيوني في حروب ومذابح جديدة ضد المدنيين، ازداد سمعته تلطخاً بالدماء.

هذه الصورة المشوَّهة لـ «إسرائيل»، كان من المستحيل أن تتخيلها في السبعينيات أو الثمانينيات. فقد كانت الطفلة المدلّلة للغرب، لا يُرد لها طلبٌ، ولا ينالها عتب. أما اليوم فيكفي انتشار صورة طفل فلسطيني صغير، يده مكسورة، وهو يستغيث قريباته، لتقديم صورة نموذجية لما وصلت إليه سياسة القوة الإسرائيلية البربرية، وما نزلت إليه من حضيض.

الصورة كانت بالغة الدلالة: عسكري إسرائيلي ملثم، مسلحاً بمسدس حديث رشّاش، يمسك بخناق الطفل ويضغط على رقبته لشلّ حركته، بينما الطفل يستغيث بقريباته، وبعد لحظات تهبّ النسوة لنجدته وتخليصه من بين براثن هذا الوحش.

الواقعة حدثت يوم الجمعة (28 أغسطس/ آب) في قرية «النبي صالح» بالضفة الغربية شمال رام الله، خلال احتجاج على التوسع في المستوطنات، اعتاد الأهالي على تنظيمه كل جمعة. وقام أحد الأهالي بتسجيل الواقعة بهاتفه النقال، لتنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات.

في الماضي، كانت صور تكسير الأطراف نادرةً ويتم تصويرها خلسةً من مواقع بعيدة، لتأخذ طريقها إلى الانتشار. أما اليوم فقد سهّلت الهواتف النقّالة المتاحة للجميع... عملية الرصد والتسجيل والتوثيق.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4740 - السبت 29 أغسطس 2015م الموافق 15 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 12:28 ص

      كم وكم

      كم اطفال قتلوا في الشارع وكم سجنوا وعذبوا وحرموا من المدارس.

    • زائر 4 | 10:32 م

      رغم قساوة المشهد لا يقارن

      ليس تقليلا بقساوة المشهد ولكن يقارن بفضخ الرؤوس و اكل اقلوب الجثث و حرق الاحياء حتى الموت و قتل الاطفال و الامهات في الاسواق اثناء التبضع للقيد و لا يقارن بما يحدث من مآسي في سجون اوطاننا العربية . سيدي لم تكسر اطراف الفلسطينيين الا عندما كسرت رؤوسنا في اوطاننا

    • زائر 6 زائر 4 | 12:26 ص

      اصبت

      نعم خير قلت

اقرأ ايضاً