العدد 4742 - الإثنين 31 أغسطس 2015م الموافق 17 ذي القعدة 1436هـ

الوقوف في وجه التطور

جميل المحاري jameel.almahari [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حتى أوائل تسعينيات القرن الماضي لم يكن مسموحاً في البحرين ببيع وتركيب أجهزة البث التلفزيوني الفضائي، رغم أن سطوح المنازل وفي جميع القرى والمدن كانت تزخر بالكثير منها. كان المنع حينها تجارياً، بمعنى أنه كان يمنع على التجار في البحرين استيراد هذه الأجهزة وبيعها على المواطنين، في حين يتم التغاضي أحياناً عن جلب «الريسيفرات» بشكل شخصي من الدول الخليجية المجاورة وخصوصاً من إمارة دبي، في حين تصنع باقي الأجهزة محلياً وخصوصاً الطبق اللاقط، والذي كان بحجم كبير جداً لا يمكن إخفاؤه على سطح أي منزل.

ولذلك حين قرر تلفزيون البحرين أن يتحوّل من البث الأرضي إلى البث الفضائي في العام 1996، كانت الأرض مهيأة تماماً لهذا التحوّل، إذ إنه رغم المنع إلا أن جميع منازل البحرين تقريباً كانت تمتلك أجهزة التقاط البث الفضائي.

ورغم أن المنع كان تجارياً ولكن أسبابه كانت سياسية بحتة، فلم يكن من المنطقي أن تمنع تقنيات تتوافر في أغلب الدول المجاورة، لولا سيطرة قانون أمن الدولة والذي كان يتحكّم يومها في جميع مناحي الحياة للمواطن البحريني.

هذا المنع لم يصمد كثيراً أمام سرعة وتيرة التطور التقني والعلمي الذي انطلق بشكل لم يكن لأحد القدرة على السيطرة عليه أو الحد من تأثيره.

بشكل متوازٍ مع التقدم العلمي، كان هناك تطور آخر أخذ في التشكل والانتشار ولو بصورة أبطأ بكثير. كانت مفاهيم الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، تأخذ مكان الأفكار الثورية والانقلابات العسكرية، حتى ظنّ البعض حينها أن عصر الثورات الاجتماعية قد ذهب إلى غير رجعة، وحلّ محله العمل السلمي من أجل وصول المجتمعات الإنسانية إلى مرحلة من التفاهم بين مكوناتها تسود فيها العدالة والحرية والمواطنة.

كان من الممكن أن يتخذ العالم مساراً جديداً في صيرورة تطور المجتمعات الإنسانية، لولا حدثين مهمين أيقظا الحالمين الرومانسيين، أولهما الأزمة المالية العالمية والتي فضحت الفساد الطاغي في النظام الرأسمالي العالمي والذي وصل لحد التوحش المنفلت من عقاله. لقد بينت الأزمة المالية كيف أن صغار العاملين في البورصات يحقّقون الملايين من الدولارات في أيام معدودات، وكيف كانت الشركات الكبرى تتلاعب بالبورصات وكأنها كازينوهات للقمار، في حين يعاني أكثر سكان الأرض من الجوع والعطش والأمراض والجهل.

ثاني هذه الأحداث هو الربيع العربي الذي هزّ العالم، بعد أن وصل الفساد في عالمنا العربي إلى حد لا يمكن السكوت عليه.

وكما هو الحال في قضية الوقوف في وجه التطور العلمي والتقني، ومحاولة منعه أو تأخيره، فإن الوقوف في وجه التطور الاجتماعي الإنساني، ومحاولة التصدّي لأي إصلاح ديمقراطي لا يمكن أن يكتب له النجاح.

ليس هناك من هو قادرٌ على وقف عجلة التاريخ من اندفاعها نحو الأمام، ولا يمكن للعالم أن يسير نحو تقدم علمي وتقني دون أن يتوازى ذلك مع تقدم في المفاهيم الإنسانية نحو العدالة بجميع صورها.

إقرأ أيضا لـ "جميل المحاري"

العدد 4742 - الإثنين 31 أغسطس 2015م الموافق 17 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:42 ص

      إن

      إن من يقف وراء التطور هي قوى إمبرياليه مسيطره أنانيه تريد مصلحتها فقط وهي معروفه.

اقرأ ايضاً