العدد 4747 - السبت 05 سبتمبر 2015م الموافق 21 ذي القعدة 1436هـ

«إيلان»... وكارثة اللاجئين السوريين

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

سيطر خبر اللاجئين السوريين إلى القارة الأوروبية على مختلف وسائل الإعلام، وذلك بصورة مكثفة ودون توقف خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة. وأيضاً بعد أن ضاق ذرع تحمل هذه الحشود الكبيرة في الدول المجاورة لسورية لتفتح الحدود قصداً من أجل الخروج. بينما استغل تجار البشر عمليات التهريب والتسلل. لتبدأ رحلة الموت عبر القوارب، فمنهم من ينجو ومنهم من يلقى حتفه في البحر مثل الطفل «إيلان».هذا الطفل السوري الذي أبكت صورته العالم وعكست حجم الكارثة الإنسانية التي تعيشها سورية من جراء حربها الداخلية منذ أربعة أعوام.

والد الطفل قال إنه «لا يحمل أحداً مسئولية ما حدث وإنه سيظل يدفع ثمن ذلك طيلة حياته لكنه طالب الحكومات العربية وليس الدول الأوروبية أن ترى ما حدث وأن تساعد الناس».

كلام والد الطفل «إيلان» الذي أثارت صورته لدى نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم على الصفحات الأولى للعديد من الصحف الأوروبية، قد شكل صدمة حقيقية وموجة تأثر في العالم، إذ كان «إيلان» ضمن مجموعة من المهاجرين السوريين الذي غرقوا في البحر عندما انقلب بهم زورق يقلهم من شواطىء بودروم التركية الى جزيرة كوس اليونانية وكان بين الغرقى شقيق ايلان غالب، ووالدته ريحانة، وقد تم دفنهم جميعا أمس الأول ( الجمعة) في مقبرة كوباني بتركيا بحسب التقارير الصحافية.

«إيلان» الذي انزلق من بين يدي والده بعد أن انقلب القارب وتفرق أفراد الأسرة بسبب الظلام الحالك كانا ينويان الهجرة إلى كندا بسبب اشتداد الحرب في منطقة كوباني وهرباً من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية «داعش».

صورة هذا الطفل التي أبكت العالم كانت بمثابة صحوة ضمير والالتفات إلى حجم الكارثة الإنسانية في سورية، بل وإشارة تحذيرية للجميع ليس فقط لدول الاتحاد الأوروبي ولكن حتى لحكومات الدول العربية وبخاصة الخليج أن يكون لها يد في خلاص السوريين وأطفالهم الذين يعيشون دون أمان. وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو بالقول «إذا لم يكن الأطفال السوريون يعيشون بأمان في منازلهم، فإن أطفالنا في أنقرة وباريس ولندن ونيويورك أيضاً لن يكونوا بأمان».

جاء ذلك خلال كلمة ألقاها أوغلو في أنقرة أمام اجتماع قمة الأعمال الخاصة بـ «مجموعة العشرين» أمس الأول معبراً وبقوة عن رغبته الشديدة في توجيه نداء إلى قادة العالم قائلاً: «أدعو القادة السياسيين جميعاً والمثقفين والمسئولين المعنيين الذين يقضون إجازاتهم حاليّاً في مكان الاصطياف، للتفكير في وضع اللاجئين».

هذه الدعوة التي أطلقتها تركيا تستدعي ضرورة وجود التنسيق بين الدول الأوروبية وحتى العربية، ولكن حتى ذلك لا يبدو واضحاً، وخاصة في ظل المفارقة بين القوانين المتعلقة بحقوق الانسان واللاجئين في دول الاتحاد الأوروبي في مقارنة ما هو غير متوافر في الدول العربية. صحيح أنه بعد تخطي رحلة الموت في بحر المتوسط تبدأ رحلة السير باتجاه دول البلقان والنمسا من أجل الوصول إلى ألمانيا والسويد أكثر الدول الحاضنة للاجئين السوريين، إلا أن هذه الرحلة توقفت بعد اعتراض المجر ودول أخرى من السماح للاجئين باستمرار رحلة اللجوء، وخاصة في ظل ارتفاع الأصوات المعارضة لوجود المهاجرين الأجانب وغيرهم في مختلف الدول الاوروبية، ولاسيما من أحزاب اليمين المتطرف.

ألمانيا والسويد أعلنتا أنهما لديهما طاقة لاستيعاب هذا العدد من اللاجئين وأنهما لا تستطيعان تحمل هذا التدفق الكبير بينما دول أخرى في منظومة الاتحاد الأوروبي تبقى عاجزة عن استقبال اللاجئين وهي واقعاً كثير من رعاياها يفر بحثاً عن العمل والمأوى في دول مثل بريطانيا وألمانيا كما هو حال البولنديين ورعايا دول منطقة البلقان التي تعيش أغلبها تحت وطأة أوضاع اقتصادية متدنية أو متذبذبة فتكون دول أوروبا الغنية محطة الهجرة الأولى لهم.

إن حجم المأساة السورية هي نتيجة السياسات الخاطئة التي لعبت باستقرار سورية وأوصلت حاله إلى كارثة إنسانية لا يمكن أن يقع عبؤها على دول دون أخرى. فالمجتمع الدولي مسئول وتجاهل هذه المأساة يعبر عن استمرار صورة نمطية عن الإنسان العربي الذي هو الآن في الأخبار اليومية إما إرهابي أو لاجئ. وإن كانت دول الاتحاد الأوروبي تطالب بترحيل المهاجرين فهي تتحمل وزر دعم السياسات الخاطئة للمنطقة العربية وبنفس القدر الذي تتحمله الولايات المتحدة الأميركية مع بعض بلدان المنطقة التي ساهمت بشكل كبير في قلب المعادلات ومهدت إلى تفاقم الوضع الإنساني في سورية ولا تريد أن تكون شريكا.

المشهد العربي اليوم يؤكد أنه ليس للإنسان قيمة في مجتمعاتنا وهو اليوم أصبح حتى منبوذاً في المجتمعات الأخرى التي ترفض استقباله رغم أن قوانينها لحقوق الإنسان في مقارنة بالدول العربية التي لا تعرف معنى ذلك ولا تطبقه بشكل حقيقي بعيداً عن الاستهلاك الإعلامي.

مسكين أنت أيها الإنسان العربي فأنت ستبقى ضحية صراعات وحروب كثيرة لأجل إبقاء عقلية لا تؤمن بحقوق الإنسان ولا بنظام سياسي عادل. الإنسان العربي اليوم يقاوم مشهد البقاء من أجل الحياة والبحث عن أي مأوى يبقيه عائشاً ويبقي ما تبقى له ولأبنائه. هذا لو بقي شيء من الكرامة والعزة والقيمة الإنسانية له ولأي إنسان يبحث عن الأمان في وطن لا يسأل عن دين أو مذهب أو عرق أو لون... فألف رحمة على «إيلان» وغيره من ضحايا قوارب الموت في البحر المتوسط.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 4747 - السبت 05 سبتمبر 2015م الموافق 21 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 5:20 ص

      سوريا

      اذا عرف السبب بطل العجب هذه اللعبة داعش ما هى مؤامرة الا على شعب السورى لكى يهاجر و يترك بلده واحلال محلهم شعب جديد من ايران موالين لنظام بشار المجرم هكذا تصبح سوريا دولة فاطمية بدل من دولة الاموية

    • زائر 6 زائر 3 | 12:51 ص

      تعليقك لا طعم له

      نحتاج إلى دولة الإنسان اولا

    • زائر 2 | 3:04 ص

      حقوق الانسان

      أين هي حقوق الإنسان. الغرب أم العرب؟

    • زائر 1 | 3:03 ص

      الله يرحم ايلان

      تأثرت كثيرا لصورة هذا الطفل الذي مات غرقا.الله ينتقم من كان السبب في هلاك شعوبنا العربية.شكرا ريم وكل من كتب عن سورية

اقرأ ايضاً