العدد 4753 - الجمعة 11 سبتمبر 2015م الموافق 27 ذي القعدة 1436هـ

تجربة سنغافورة في التقدم والديمقراطية

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

مصادفة سعيدة تلك التي أخذتني إلى سنغافورة مدعوّاً من قبل الجامعة الوطنية الماليزية (معهد الشرق الأوسط) وجامعة راجاراتانان (كلية الدراسات الدولية) إذ ألقيت في الأولى بمعية الصديق جاسم حسين ندوة عن نضال من أجل الإصلاح في الخليج العربي، والثانية عن قوى الإصلاح، والمعيقة للإصلاح في الخليج العربي.

والجامعتان من أبرز الجامعات في العالم، وهما ضمن ترتيب أفضل 50 جامعة في العالم.

والمصادفة هي أن سنغافورة تحتفل بالذكرى الخمسين لاستقلالها عن الاتحاد الماليزي في (31 أغسطس/ آب 1965) إذ استقلت ماليزيا عن المملكة المتحدة في1957.

وماهو جدير بالذكر أن استقلال سنغافورة عن الاتحاد الماليزي قد تم بالتراضي وبالاتفاق بين رئيس الوزراء الماليزي تنجو عبدالرحمن ورئيس حكومة سنغافورة لي كوان يو قائد مسيرة سنغافورة نحو التقدم المذهل الذي لم تشهده إلا بلدان قليلة مثل كوريا الجنوبية.

كما أن المصادفة هي في كون الاحتفالات بالعيد الوطني مترافقة مع الانتخابات العامة التي تمت أمس الجمعة (11 سبتمبر/ أيلول) وبذا أتيحت لي معايشة احتفالات السنغافوريين بذكرى الاستقلال مع ما يرافق ذلك من فعاليات ثقافية وفنية ورياضية، وفي الوقت ذاته مناقشات حول مسيرة سنغافورة ومستقبلها وفي الوقت ذاته، فإن الحملات الانتخابية تتيح التعرف على نظام سنغافورة الديمقراطية الذي تحقق بعد حكم سلطوي، لكن في ظل حكم لي كوان يو الذي توفي في شهر مارس/ آذار 2015 كان حكما نزيها وغير فاسد وذا رؤية ثاقبة نقلت سنغافورة من مجرد ميناء لتزويد السفن العابرة مضيق ملقا، الى واحدة من أكثر البلدان حداثة وتطوراً. ومن أعلاها مستوى للمعيشة وذي دخل قومي هائل لبلد يفتقد الموارد ومساحته بحدود 718,3 كلم مربع وسكانه 5.4 ملايين لكنه يضم عقولاً جبارة، وكفاءات وتخصصات عالية المستوى، حولت هذه البلد إلى علامة فارقة في آسيا.

لقد كتب لي كوان يو تجربته في كتاب معروف ومترجم للعربية وهو بذلك كتب مسيرة سنغافورة من التخلف والهامشية إلى الحداثة والريادة. وفي الوقت ذاته ابرز عوامل نجاح سنغافورة استناداً لعدة عوامل أهمها الاندماج ما بين مكونات الشعب الثلاثة الصينيين 80 في المئة والملايو 15في المئة والهنود 5 في المئة والتعايش الايحابي ما بين 4 ملايين سنغافوري و 1,4 مليون عامل مهاجر.

هناك قول مأثور لكوان يو في محاربة واستغلال الفساد وهو «اذا اردت ان تشطف السلم ابدأ من فوق إلى تحت»، أي اذا اردت أن تحارب الفساد وتشيع النزاهة فأبدأ من كبار المسئولين نزولا الى صغارهم، وقد استثمر ليو كوان يو مداخيل الميناء لبناء وتحديث اقتصاد ماليزيا الذي اعتمد البداية على اقتصاد المعرفة واعتنى بشكل خاص بالتعليم الحديث، إذ كان المعلمون الأفضل تأهيلاً والأعلى أجوراً. ولهذا توافر لسنغافورة حكومة نظيفة، وإن كانت سلطوية في ظل كوان يو وشعباً مندمجاً بمكوناته الثلاثة التي أغنت الحياة ولم تتسبب في نزاعات، لكن لي كوان يو لم يقد سنغافورة نحو التقدم والحداثة فقط، بل التحول التدريجي من حكم سلطوي إلى حكم ديمقراطي وعلى رغم هيمنة حزبه حزب العمل الشعبي (PAP) على الحياة السياسية حتى اليوم فإن أحزاب المعارضة تتجمع اليوم بحرية العمل وتتمثل في البرلمان، وهناك فصل تم بين تسنم الوظائف العامة والانتماء الحزبي، حيث تستند الوظيفة العامة إلى الكفاءة والنزاهة والأداء.

النظام الاقتصادي السنغافوري هو نظام رأسمالي بالتأكيد، لكن الدولة هي العمود الفقري فيه، وفي الوقت ذاته فإنه نظام الرعاية الشاملة للدول لجميع مواطينها بعدل ونزاهة فمن المعروف أن 90 في المئة من المواطنين يملكون مساكنهم معظمها شقق حديثة وقليل من الفلل، فيما الـ 10 في المئة يحصلون على دعم لإسكانهم ويدفعون 30 في المئة من إيجارات مساكنهم.

والغالبية العظمى من مشاريع الاسكان هي حكومية وهي بنوعية راقية، ومن أجل ضمان الاندماج الاجتماعي للمكونات الثلاثة والصينيين والمالاوي والهنود، فإنه يجب أن يتكون سكان أي طابق سكني في عمارة من المكونات الثلاثة قدر الإمكان، كذلك الأمر بالنسبة إلى صفوف المدرسة من الحضانة حتى الجامعة، وعلى رغم أن المنهج الدراسي علماني فإنه يحق لأتباع مختلف الديانات أن تؤسس مدارس لكن ما قبل الابتدائي، ثم يلتحقون بالمدارس الحكومية، كما أن لأتباع مختلف الديانات أماكن عبادتهم من مساجد وكنائس ومعابد، إذ يتعايش اتباع البوذية والهندوسية والمسيحية والإسلامية وغيرها جنباً إلى جنب، وعلى رغم أنه يحق لأتباع مختلف الديانات إبرام عقود زواج دينية فإنه يجب توثيقها كعقود زواج مدنية.

الزائر لسنغافورة يذهل لقدرة السنغافوريين في إنجاز البنية من شوارع وأنفاق وجسور والميناء، والمطار، والاسكان والمكاتب التجارية، بتناغم وجمال مع المحافظة على المساحات الخضراء، بل إن الاشجار المزروعة فوق اسطح العمارات، بحيث استوعبت سنغافورة ذات المساحة 800 كلم مربع منها 15 في المئة منتزعة من البحر ما يقارب 5.4 ملايين انسان يعيشون برفاهية وسعة.

لقد عايشت الحملات الانتخابية البرلمانية والتي تجرى كل 5 سنوات بين الأحزاب الرئيسية وهي حزب العمل الشعبي الحاكم الذي يحكم منذ استقلالها في 1965، وأحزاب المعارضة، وهي أحزاب التضامن الوطني وحزب قوة الشعب وحزب الاصلاح وتحالف سنغافورة الديمقراطي وحزب سنغافورة أولاً وحزب العمال وحزب سنغافورة الديمقراطي عن طريق التلفزيون والصحافة، حيث وجدت أن التلفزيون الرسمي والصحف تعرض لبرنامج الاجتماعات الانتخابية لجميع الاحزاب والمتحدثين فيها ومقتطفات من هذه الاجتماعات ولقاءات مختلف القيادات الحزبية ومناظرات للمرشحين، بكل حيادية وموضوعية.

ومن المتوقع أن يفوز حزب العمل الشعبي الحاكم بالانتخابات لكن قد يفقد 20 مقعداً من أغلبيته، حيث تصبح المعارضة أكثر تمثيلا في البرلمان، لكن رئيس الوزراء وزعيم الحزب لي هين لونغ واثق بقدرة حزبه على الفوز واستنادا إلى الانجازات الهائلة التي تحققت لجميع السنغافوريين على امتداد الخمسين سنة الماضية وكما صرح في اجتماع انتخاب لانصار حزبه فإن الاحزاب السنغافورية تتبارى في تقديم برامج وخطط للسير بسنغافورة إلى الأمام وتجاوز العقبات، وأنه لا يعتبر نفسه وحزبه قائداً، بل أمين على مصالح الشعب والوطن السنغافوري.

ويسود الحملة الانتخابية الساخنة الاحترام المتبادل للقيادات السياسية والتباري لتقديم افضل البرامج لمواصلة مسيرة سنغافورة، وكما صرح رئيس الوزراء لي بأن الاحتفال بالذكرى الخمسين للاستقلال هو مناسبة للتطلع إلى الأمام وليس العيش على أمجاد الماضي.

ومن المعروف أن النواب لا يتمتعون بالحصانة فيما يتعلق بالجرائم والاتهامات الجنائية، لكنهم يتمتعون بكامل الحصانة فيما يخص الشئون السياسية وانتقادهم لأداء الحكومة أو مخالفاتها، كما يحق لهم استجواب الوزراء ورئيس الوزراء وطرح الثقة بأي منهم وبالحكومة مجتمعة.

لكن الملاحظة السلبية في الحياة السياسية للسنغافوريين هي ضعف حضور النساء في الأحزاب والبرلمان على رغم بروزهن في عالم الأعمال.

ليس لدى سنغافورة لصغرها نواب بلديون، لكن لديها مجلس بلدي والذي يقوم النواب أيضاً بمهام اعضاء المجالس البلدية، ويقاس اداؤهم بما يقدمونه في العمل السياسي ومتابعة الخدمات اليومية.

ومن أهم نقاط برنامج المعارضة: 1- تخفيض موازنة الدفاع خلال السنوات الأربع المقبلة وهو ما يعارضه الحزب الحاكم في ضوء المخاطر الإقليمية.

2- تقديم الخدمات الطبية والتعليمية بدعم أكثر ورفع بدل البطالة، وهي مطالب يصفها الحزب الحاكم أنها بمثابة شيك بدون رصيد، وتحقيقها سيكون من خلال رفع الضرائب أو السحب من الاحتياطي وهو ليس في مصلحة المواطن السنغافوري أومصلحة سنغافورة.

3- الحد من الهجرة الخارجية إذ يشكل أصحاب الكفاءات منها منافسة غير متكافئة مع الكفاءات السنغافورية علماً بأن الاشغال الصعبة والشاقة مثل أعمال البناء والشوارع والتنظيفات يقوم بها عمال أجانب.

إثر حل مجلس النواب في أغسطس/ آب 1975بشرتنا الحكومة أنه مع إزاحة العقبة الرئيسة المتمثلة بمجلس النواب أمام التنمية، فان البحرين ستصبح سنغافورة الخليج، وها قد مضى أربعون عاماً على ذلك ونحن نحلم بالتحول إلى سنغافورة الخليج لكنها أحلام اليقظة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4753 - الجمعة 11 سبتمبر 2015م الموافق 27 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:25 ص

      مع الاعتذار

      شكرًا على هذا المقال لكن مع اعتذاري لك فرئاسة الحكومة السنغافورية شكليا تنتخب من الشعب لكن عندما تتكلم مع السنغافوريين تكتشف انها ديموقراطية زائفة. رئاسة الوزراء تنتقل من الجد الى الأب الى الابن باسم الحزب فاي ديمقراطية هذه .

اقرأ ايضاً