العدد 4755 - الأحد 13 سبتمبر 2015م الموافق 29 ذي القعدة 1436هـ

حينما يموت العقل قبل الجسد ومرض الزهايمر

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

ماذا تفعل إذا صحوت من نومك يوماً ووجدت نفسك لايمكنك تمييز ما تراه من حولك؟ من أنت؟ ومن أين أتيت؟ ولا تتعرف حتى على المكان أو الزمان أو على حاجاتك الأساسية اليومية، أو ما هو التلفون أو التلفزيون أو استعمالاتهما؟ كيف تسوق السيارة أو تلبس ثيابك؟ أو كيف تتساءل عن الأشياء وماذا تحب او تكره من الطعام؟ وبالكاد تتعرف على أهلك وأبنائك، ونسيان أبسط الأشياء، وأية مصيبة هذه التي ابتليتها!

لقد شُطبت الذاكرة تماماً من الرأس مثلما تُمحى الكتابة من على السبورة أو المعلومات من النقال والكمبيوتر، وتبقى وحيداً عاجزاً جامداً من المشاعر ودون أية معلومات أو ارشادات لأي شيء، وقد يحدث ذلك تدريجياً وعلى عدة أيام أو أشهر أو قد يعصف فجأة ودون التحضير أو الاستعداد له، فالمصابون به

تراهم في المستشفيات والتي تصبح محل اقامتهم الدائم، هائمين بأجسادٍ تتحرك مسطولةً مع عقولٍ مُحنطة، يتمعنون في الوجوه مع صمتٍ ووجومٍ قاتل، قد يضحكون أو يبكون دون ان يدركوا مايقومون به، ولا ندري إذا ما كانوا يتساءلون كيف وصلنا هنا وأين نحن؟ في بدايات مرضها كم تمنت بطلة الفيلم (Still Alice) أن تمرض بالسرطان عوضاً عن هذا الزهايمر، والذي لا علاج له على الرغم من خباثة السرطان، إلا أنه في أيامنا أصبحت نسبة الشفاء منه مرتفعة جداً، وإنها وخلال مراحل علاجها بإمكانها الإحساس بالحياة وبما يدور حولها، فهو لا يغتصب الذاكرة في غياهب الحياة.

إن قصة هذا الفيلم عبارة عن مأساة امرأة مهنية سعت وكافحت في حياتها لتهيئ حياةً تفرح بها وتتواءم مع ما بذلته من مجهودٍ، وهي استاذة مرموقة في الجامعة ومع علاقة زوجية ناجحة وأبنائها الثلاثة، لتُصدم، وهي في قُمة مجدها الأكاديمي وحصدها أحلامها، بمرض الزهايمر، والذي أصابها نتيجة لتوارثه، ليقلب حياتها وينهيها في غمضة عين، وتتضاءل تلك القامة الشامخة مع تلاميذها وتضطر للتوقف اكاديمياً. وتعود للبيت في انتظار انتهاء إقامتها وشطبها من الحياة ذهنياً (the art of declining) كما تقول حيث ستضطر للعيش بعدها معتمدة على الآخرين كُلياً في احتياجاتها الانسانية. إن هذا المرض قد يحدث للبعض من كبار السن تدريجياً، وما بعد الثمانين عاماً، ويُعتقد أن سببه قلة الأنشطة أو الخمول الفكري، ونادراً ما يحدث مبكراً عند مطلع الخمسينات مثلما حدث لها.

إن الفيلم يشكل رمزاً حقيقياً للمعاناة الإنسانية والتي تضعه في الظروف القسرية مُجبراً للعيش المكبل حينما يموت العقل مبكراً تاركاً الجسد ينعى وحدته ومعاناته الأبدية، ودون أي خيارٍ على الاحتياط أو التحضير للوقاية منه. لقد تأثرت كثيراً لهذه التجربة الحياتية في الفيلم، والتي أنهت معها تلك المسكينة حياتها التي رسمتها لها ودون مقدمات، وجعلتني أرى كم جميلة هي الحياة، وكم على الأصحاء أن يشكروا ربهم وهم في دروبها وفي وعيهم، وكم عليهم الصبر على كل أمراضها وتعاستها وفقرها في سبيل تلك النشوة التي نشعرها ونحن لدينا القدرة لنتذكر أيامنا الماضية مع براءة طفولتنا وتجاربنا الحلوة في الحب والدراسة واللهو الشبابي، أو معاركنا المُرة، والكيفية التي بنينا على ذاكرتنا كل حاضرنا وبعض مستقبلنا.

وتصورت تعاستي وندمي لو أن ذاكرتي قد قامت بمسح بعض تلك التجارب فما بالك كلها، وكم سأندم على عدم تذكري ما أريد في أي وقتٍ أريد، ورأيت أنها نعمة مابعدها نعمة... وشكرت الله كثيراً.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 4755 - الأحد 13 سبتمبر 2015م الموافق 29 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:39 ص

      جيد وجميل

      مقال جميل ومغذي للروح والحياة لازالة الاكتئاب من اللي مو عارفين قيمة الحياة

    • زائر 1 | 10:48 م

      العمل في نوبات ليلية

      نحن العاملين في نوبات ليلية ونتيجة لختلال الساعة البيولوجية .. نعاني من نسيان الكثير من الأمور التي حدثت حديثا ناهيك عما كان في الماضي .. الحفظ والذاكرة نعمة لا تعوض ..فالحمدلله على كل حال.

    • زائر 2 زائر 1 | 2:23 ص

      من الحياة

      لانه احنا عايشين في البحرين هم ونكد غصب بننسى ويجينا الزهايمر

اقرأ ايضاً