العدد 4767 - الجمعة 25 سبتمبر 2015م الموافق 11 ذي الحجة 1436هـ

صرخة ضد الفساد من بيروت

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

مرة أخرى، تحتضن بيروت المؤتمر السنوي للمنظمة العربية لمكافحة الفساد، وموضوعه هذا العام «تعارض المصالح في الدولة والمجتمع»، حيث شارك فيه نخبة عربية من رواد المجتمع في مكافحة الفساد وإشاعة الشفافية وتعزيز النزاهة وسيادة الحوكمة في أجهزة الدولة ومنظمات المجتمع.

وقد تزامن انعقاد المؤتمر خلال 17 – 18 سبتمبر/ أيلول 2015 مع حراك جماهيري لبناني تحت شعار: «طلعت ريحتكم»، واتحذ من ساحة الشهداء وسط بيروت ساحة اعتصام له وفعاليات متتالية.

هذا الحراك الذي بدأ احتجاجاً على تكدس النفايات في بيروت، تحوَّل الى حركة جماهيرية تطالب بتكنيس الطبقة السياسية اللبنانية الطائفية، وإصلاح النظام الاقتصادي والسياسي بإقامة الدولة الوطنية المدنية لكل أبنائها، وعلى قدر المساواة، وبالفعل فقد أتى بعض النشطاء من ساحة الشهداء الى قاعة المؤتمر، وقدموا رؤيتهم لما يجرى ليس في لبنان بل في عدد من الساحات العربية، مثل العراق والمغرب. كما شكل ذلك حافزا لخروج النقاش عن المألوف، وتناول الأمور من جذورها، ألا وهو فشل الدولة الوطنية العربية وفشل النظام العالمي، والذي ترتب عليه إغراق المنطقة العربية في الفوضى والحروب الأهلية، وأبرز تجلياتها المؤلمة موجات المهاجرين العرب وخصوصًا السوريين والعراقيين، هربًا من الجحيم وغرق المئات منهم في مياه البحر الأبيض المتوسط، واختناق بعضهم موتًا في الشاحنات المهجورة على طرقات أوروبا ومشاهد الاذلال التي يتعرضون لها من نساء وأطفال ورجال لا فرق، وتخلي الدول العربية عنهم، بل الأنكى تسعير دول عربية للحروب الأهلية على أكثر من ساحة عربية، بدوافع مصلحية ضيقة، أو بدوافع الانتقام والتشفي.

على امتداد يومين قدمت العديد من أوراق العمل، ويتبع تقديمها في كل جلسة حوار، كانت تتشباك فيه عادة القضايا، وكثير من الانفعال، كما يلي جلسة الافتتاح.

وقد ألقى فيها أمين عام المنظمة عامر خياط كلمة الافتتاح معرفا بالمؤتمر الجلسة الأولى المكرسة لتعارض المصالح في الوظيفة العامة، فقد رأسها بهيج طبارة، رئيس مجلس الأمناء، وقد عرض فيها لمحاور المؤتمر، وأهم القضايا التي يجب أن يناقشها. وقدم فيها زياد أحمد بهاء الدين، نائب رئيس وزراء مصر السابق، ورقة عن تعارض المصالح في المسئولية العامة، كما قدم فيها جورج جريح، نقيب المحامين اللبنانيين ببيروت ورقة عن تعارض المصالح في ممارسة المسئولية في السلطات القضائية، من وحي تجربته كمحام. كما قدم إبراهيم كنعان المحامي والنائب السابق ورئيس لجنة المال البرلمانية سابقاً ورقة عن «حدود الفصل بين المصلحة العامة والمصالح الشخصية في ممارسة النائب لمهامه». أما الورقة الثالثة فقدمها فضل شلق، وزير الاعمار ورئيس مجلس الإنماء والإعمار سابقاً، بعنوان: تعارض المصالح العامة وتعدد ولاءات المسئول القومية والطائفية والمذهبية.

الجلسة الثانية ومحورها تعارض المصالح في الإجراءات التنفيذية للدولة، وقد رأسها طاهر كنعان، نائب رئيس وزراء الأردن سابقا، وقد قدم محمد حركات، الأستاذ بجامعة محمد الخامس بالمغرب ورقة عن «تأثير المصالح المتعارضة في تكوين السياسات المالية والنقدية تجربة المغرب. وقدم عبدالحليم فضل الله الباحث اللبناني ورقة بعنوان «مصالح المستهلكين والعاملين وأصحاب الرساميل والمشغلين» في ضوء تجربة لبنان مع قطاعات النظافة والكهرباء والمواصلات.

وقدم محمد فواز، مدير عام التنظيم المدني اللبناني سابقًا ورقة بعنوان «الانماء بين المصلحة العامة والولاء الفئوي – التجربة اللبنانية، في ضوء تجربة المشاريع الكبرى مثل مشروع الليطاني.

وقدم عبدالنبي العكري ورقة عن التصرف في أملاك الدولة الثابتة واستملاك الأراضي الأميرية، التجربة الخليجية، حيث تناولت الظاهرة المتأصلة في الاستيلاء على المال العام من قبل المتنفذين والذي تفاقم مع ردم البحر، وإقامة مشاريع عقارية عملاقة خاصة على حساب المصلحة العامة. وأخيرا قدم وليد خوري، الخبير الاقتصادي النفطي المعروف ورقة عن مخاطر تعارض المصالح على السيادة الوطنية في استغلال مصادر الطاقة، تجربة العراق.

وفي اليوم الثاني استأنف المؤتمر أعماله بعقد جلستي عمل وكلمة ختامية لرئيس المنظمة، الجلسة الثالثة للمؤتمر حول تضارب المصالح في المؤسسات التجارية وقطاع الأعمال والمهن الحرة ورأسها أحمد عبيدات رئيس وزراء الأردن سابقا. قدم طلال أبوغزالة رئيس مجموعة طلال أبوغزالة الدولية ورقة بعنوان: «تعارض المصالح ومهام مراقبي ومدققي الحسابات. كما قدم داوود خيرالله، أستاذ القانون بجامعة جورج تاون في واشنطن ورقة بعنوان «تعارض المصالح ومسئولية أعضاء مجالس الإدارة في الشركات الخاصة والعامة. أما ممدوح حمزة، مهندس واستشاري، فقدم ورقة «تعارض المصالح والتزام النزاهة في ممارسة المهن الهندسية.

الجلسة الرابعة والأخيرة رأسها أحمد النجار رئيس مجلس الإدارة لمؤسسة الاهرام ومحورها الاعلام والمجتمع وتعارض المصالح. وقدمت أمال قراص استاذة الحضارة العربية الإسلامية بجامعة نوبة ((...))) بتونس ورقة عن الاعلام الموجه، توجيه لمعرفة الحقيقة أو اخضاع لمصلحة خاصة، تناولت فيها تجربة الاعلام الرسمي في تونس في مرحلة ما بعد الثورة. الإعلامية اللبنانية ريما كركي تناولت في ورقتها «المسئولية المهنية بين استقصاء الحقيقة وتسلط المصالح أما نبيل دجاني، أستاذ الاعلام الجامعة الأميركية بيروت فكانت ورقته عن «الإعلان والاعلام بين المصلحة التجارية والمصلحة العامة». وأخيرا قدم شربل نحاس، وزير الاتصالات سابقا بلبنان، ورقة بعنوان «حول تأسس ثقافة شعبية مناهضة لتجاهل تناقض المصالح». وأخيرا اختتم بهيج طبارة رئيس المنظمة المؤتمر بكلمة جامعة وقراءة التوصيات.

المؤتمر كان حافلا بالأوراق الجيدة والمناقشات الحامية، في أجواء حراك عربي ضد الفساد والمفسدين، وهي من أهم أسباب الانهيار العربي الذي نشهده. وبالتأكيد فقد جرى التوصل الى توصيات مهمة تعتبر خطوة الى الامام في النضال الطويل والشاق ضد أنظمة الفساد والفاسدين والمفسدين. وهناك بعض الملاحظات الكلية التي لا تنتقص من عمل المنظمة العربية لمكافحة الفساد والجهد في التحضير للمؤتمر وجهد المشاركين فيه، يلاحظ ان جميع الأوراق لم تعد مسبقا وبالتالي توزع على المشاركين قبل حضورهم لتتسني لهم قراءتها واستيعابها، وهكذا فإن الاستيعاب ظرفي وانطباعي، وهو ما انعكس على مناقشات المؤتمر. وتأسيسا على حب العرب للبلاغة على حساب الموضوع، فقد استعرض كثيرون بلاغتهم الأدبية وشرقوا وغربوا بعيدا عن موضوع المحور المناقش أو ما جاء في الأوراق أو جوهر الأمور.

كما أن العاطفة غلبت على الكثيرين، مما لا يخدم ضرورة البحث العميق لظاهرة تداخل المصالح كتجسيد رئيسي لعقلية الفساد وثقافة المنافع والمحاباة، الضاربة عميقا في الثقافة العربية، والتي أضحت جزءا من الحياة اليومية ومقبولة بكل ترحاب.

العديدون استغرقوا في الجوانب المعزولة عن بعضها بعضا، أو حالات معينة، دون ربطها مع بعضها بعضاً وتفكيك مؤسسة الفساد والفاسدين من على قمة الهرم حتى قاعدته. كما أن الظروف المادية للمنظمة حالت دون دعوة العديدين فغابت أقطار عربية إذ ان مصدر التمويل الوحيد كما كشف عن ذلك أمين عام المنظمة، عامر خياط هو صندوق التمويل الكويتي، ما يهدد بافلاس المنظمة، وهو شكل من اشكال الخلل العربي، في وجود فوائض بالمليارات، وحرمان منظمات المجتمع العربي الوطنية والقومية المستقلة من التمويل.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4767 - الجمعة 25 سبتمبر 2015م الموافق 11 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:58 ص

      عاش القلم العربي

      الفساد موجود فى كل مكان وزمان واين القومية من المجتمع والى اين تذهب المليارات والى متي الحرمان ؟؟؟ يوجد فقط سحق الشعوب من الوجود

    • زائر 1 | 10:48 م

      فقط في بيروت طلعت ربحتهم

      خليها مستورة

اقرأ ايضاً