العدد 4771 - الثلثاء 29 سبتمبر 2015م الموافق 15 ذي الحجة 1436هـ

انزلاق أسعار النفط في منطقة التوازن

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

منذ 2014 ارتفع سعر صرف الدولار مقابل العملات الأخرى بنحو (15.7 في المئة)، خفضت الصين وهي محرك أساسي للاقتصاد العالمي عملتها «اليوان»؛ بهدف تحفيز نموها الاقتصادي لمنافسة الدولار. اهتزت أسواق المال وهبطت أسعار النفط إلى ما دون «60 دولارا» للبرميل. تكثفت تحليلات خبراء الاقتصاد والمال والسياسة وأجمع أغلبهم بأن الصين تعانى من تباطؤ اقتصادي له تأثير مباشر وكبير على مستوى طلب النفط؛ كونها المستورد الأكبر له في العالم وخصوصاً بعد تراجع إنتاج مصانعها وصادراتها، وبالتالي فهي سبب رئيسي في تدنى أسعار النفط. هل تكفي هذه الحقيقة لتفسير أسباب انزلاق أسعار النفط وقلق الدول المنتجة؟

بالطبع لا، فهناك أسباب متعددة يتداولها المحللون ويناقشونها، كتأثير البرنامج النووي ودخول النفط الإيراني مجدداً للأسواق وزيادة المعروض منه، كما لا يغفلون زيادة إنتاج النفط الصخري وارتفاع إنتاج الدول خارج منظمة «أوبك» وسعيها للمحافظة على نصيبها من السوق لمواجهة المنافسة المتزايدة، واستقرار الإمدادات النفطية نسبياً من العراق وليبيا، والأهم استمرار منظمة «أوبك» بتخطي سقف إنتاجها «33 مليون برميل» يومياً بعد رفع العقوبات عن ايران، وغيرها من أسباب اقتصادية وسياسية جعلت الأسواق متخمة ومتشبعة من النفط مقارنة بضعف الطلب عليه حالياً.

ارتفاع سعر الدولار

في سياق متصل، حذر ولايزال الخبراء من أضرار ارتفاع سعر صرف الدولار وتأثيراته على الاقتصاديات المحلية، لماذا؟ لأن ارتفاعه يتسبب في أمرين هامين: أولهما خفض أسعار النفط الذي تعتمد عليه ميزانيات دول الخليج بما لا يقل عن (84 في المئة) ونسبة (69 في المئة) لصادراتها و(33 في المئة) لناتجها المحلي، وبرغم مما سجله القطاع غير النفطي من ارتفاع قليل بحسب الخبراء، إلا إن نموّه وتوسعه مرتبط للأسف بصورة مباشرة وغير مباشرة بالنفط. أما ثانيهما، فهو تطوير مصادر بديلة للطاقة الأمر الذي يؤثر سلباً على التنمية المحلية تحديداً على صناعة البتروكيماويات ومنتجاتها، وخفض أسعار الأسهم والأنشطة السياحية وضعف النمو الاقتصادي فيها، خصوصا وقد اشتدت المخاوف من تباطؤ تنفيذ المشاريع الضخمة والضغط باتجاه خفض الإنفاق الحكومي على برامج الرعاية الصحية والخدمات والتعليم، ما يعني الإضرار بالمستوى المعيشي العام للمواطن وبوضع اقتصادي أقل رفاهية في المجتمعات الخليجية.

مخاطر انخفاض أسعار النفط على موازنات دول الخليج معروفة عند الخبراء والمستشارين، لاسيما وقد سبق ووضعوا الخطط على الورق لتنويع مصادر الدخل وتغطية عجوزات الميزانيات والإنفاق على المشاريع التنموية والرأسمالية التي يمكنها دعم مصادر الدخل. مع ملاحظة ضعف الجدية في النظر إلى تقديرات «صندوق النقد الدولي» بشأن خسائر دول المجلس بنحو (215 مليار دولار في 6 شهور) إذا ما استمر انخفاض سعر النفط لمستويات متدنية ما يعني خسائر نسبتها (14 في المئة) من إجمالي ناتجها المحلي. وبرغم نصائح الصندوق وتحذيراته، فقد تبين أن ما خطط له الخبراء شيء وما ينفذ واقعياً شيء مغاير؛ بسبب الهدر والفساد وتجاهل نصائح الصندوق لإصلاح السياسة المالية، واتخاذ إجراءات تصحيحية وتدريجية كبيرة، واستخدام تدابير متنوعة لتوسيع نطاق الإيرادات غير النفطية باستحداث ضريبة القيمة المضافة وضريبة الأراضي وتقليص النفقات التي تؤثر في إحداث العجوزات، فضلاً عن ترشيد أسعار الطاقة ورفع الدعم عن الوقود والسيطرة على أجور القطاع العام، وتقليل اعتماد القطاع الخاص على الإنفاق الحكومي.

دورة اقتصادية ونقطة توازن

إذا هناك مشكلة اقتصادية معقدة يقر بوجودها خبراء الاقتصاد وإن بتفاوت، بعضهم يقلل من تأثيراتها كـ»رامي زيتون» رئيس قسم الاقتصاد بجامعة قطر الذي يقول «ان هناك بالفعل أزمة اقتصادية، لكنها لا ترقى لمستوى الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008، وأن انخفاض أسعار النفط يعود للوفرة المفاجئة؛ بسبب إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة التي زادت، وصارت كمية المعروض هائلة، إضافة لتراجع الاقتصاد الأوروبي وتباطؤ الاقتصاد الصيني، وعودة النفط الإيراني للأسواق».

في المضمون، يتفق معه الاقتصادي البحريني «عبدالله الصادق» فيجد أن «زيادة المعروض من النفط مقارنة بحجم الطلب أدت إلى تراجع الأسعار، والتراجع سينعكس سلباً على الإيرادات النفطية للدول المنتجة، إلا إن للسوق دورة اقتصادية، والأخيرة ستستقر عند توازنات معينة، فالانخفاض سيؤدي إلى زيادة الطلب، والأخير سيؤدي إلى إرتفاع الأسعار... وهكذا تجرى العملية حتى تستقر السوق عند توازنات معينة». نقطة التوازن هذه يؤكدها باحث آخر قائلاً «هناك منطقة توازن يكون فيها سعر الدولار وسعر النفط مناسبين للاقتصادات الخليجية ولمستوى السيولة فيها ولشركاتهفا وأسواق الأسهم فيها». ومنه، هل تكفي آراؤهم لبث الطمأنينة عند المواطن الخليجي من تداعيات الأزمة عليه؟

احتياط الأجيال لسد العجوزات

بالتأكيد لا، ففي دراسة حول «تحديات انهيار أسعار النفط» للاقتصادي القطري «خالد بن راشد الخاطر»، خلص إلى أن هناك عوامل خاصة بسوق النفط أدت إلى انخفاضه الحاد وهي عادة تتفاعل مع النشاط الاقتصادي العالمي ولها علاقة بالعرض والطلب والتوقعات المستقبلية والنفسية والجيوسياسية، وناقش تلك الأسباب عبر 3 عناصر هي الدخل وطرق الإنفاق التقليدية، وتفاوت الدورات الاقتصادية، وسعر صرف الدولار الأميركي وفقدان الصدقية في السياسة النقدية الأميركية بل وفي السياسة النقدية المستوردة التي تسببت في عدم استقرار مداخيل النفط. كما توصل إلى أن دول المجلس لم تستفد من تجارب انهيارات الأسعار السابقة وشروط نجاح التنويع التي تتطلب اصلاح الاقتصاد الكلي وتنويع القاعدة الإنتاجية ونموذج النمو، وهو على ما يبدو غير متفائل باستمرار فائض النفط وبقاء سعره عند (60 دولارا) ولفترة طويلة، فضلا عن عدم الاستجابة بخفض الإنتاج أو تغيير الأوضاع الجيوسياسية، ومعاودة تفجر الاضطرابات السياسية في دول منتجة في الشرق الأوسط وانقطاع إمدادات العراق وليبيا، والتوتر في أوكرانيا، فكل هذا وذاك له تأثير سلبي على دول المجلس وإن بدرجات متفاوتة، تبعاً لاعتماد ناتجها الإجمالي وإيرادات حكوماتها المالية على النفط وسعر النفط التعادلي والاحتياطيات المتوافرة لكل دولة، كما سينعكس عجزاً في الميزانيات عند بقاء الأسعار تحت السعر التعادلي، ويضغط على الحسابات الجارية، والتحولات في وجهة تدفقات رؤوس الأموال، وهو ما يحدث وبشكل متفاوت بحسب تحليله.

«الخاطر» انتهى إلى أن قدرة دول الخليج في تجاوز العجوزات متفاوتة استناداً إلى احتياطياتها، حيث تمثل البحرين وعمان أقل الدول في امتلاك صناديق احتياط (10.5-19 مليار دولار) على التوالي، فيما الإمارات تعد الأقوى على سد عجوزاتها من احتياطياتها (1.078.5 مليار دولار) تليها السعودية (762.5 مليار دولار) فالكويت (548 مليار دولار) فقطر (256 مليار دولار)، لكن المعضلة بحسب خلاصته تكمن في استمرار انخفاض أسعار النفط على المدى البعيد، وهذا يشكل تحدياً في استمرارية الإنفاق الحكومي وقد يضغط باتجاه خفض برامج الإنفاق الاجتماعي. ودعا إلى التخلي عن استمرار سياسة الربط الجامد لعملات دول المجلس بالدولار الأميركي؛ لأنها لم تعد منسجمة مع الدورة الاقتصادية المحلية، في ظل تغيّر الأسس الاقتصادية والتحولات الهيكلية في الاقتصاد العالمي.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4771 - الثلثاء 29 سبتمبر 2015م الموافق 15 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:01 ص

      احم احم

      عندي عرض جديد بيع البرميل بمئة او خلوه بمئتين دولار للبرميل ؟ اي دولة اتفكر في هذا العرض تتقدم بطلب رسمي عندي وتدفع مليون ليي وتستلم برنامج عمل كامل اتبيع فيهه سعر النفظ بمئة دولار
      مليون بالدينار مو بالدولار ؟
      اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ايها المحللون لا تنسون المليون كاش

اقرأ ايضاً