العدد 4774 - الجمعة 02 أكتوبر 2015م الموافق 18 ذي الحجة 1436هـ

لماذا لم تُفْلِس سورية؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أحد عشر يوماً أصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسومين رئاسيين. الأول يقضي بمنح «أصحاب المعاشات التقاعدية من العسكريين والمدنيين المشمولين بأيٍّ من قوانين وأنظمة التقاعد والتأمين والمعاشات والتأمينات الاجتماعية النافذة» زيادة في الراتب قدرها 11.3 دولاراً.

أما المرسوم الثاني فقد قضى بزيادة في الرواتب الشهرية «لكل من العاملين المدنيين والعسكريين في الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة، وشركات ومنشآت القطاع العام، والبلديات، ووحدات الإدارة المحلية والعمل الشعبي والشركات والمنشآت المصادَرة، والمدارس الخاصة المستولَى عليها، وما في حكمها وسائر جهات القطاع العام وكذلك جهات القطاع المشترك» وفقاً للنص كذلك.

وبحسب مواد المرسوم فقد شملت الزيادة الأخيرة أيضاً «المشاهرين والمياومين والدائمين منهم والمؤقتين سواء كانوا وكلاء أم عرضيين أم موسميين أم متعاقدين بعقود استخدام، أم معينين بجداول تنقيط أو بموجب صكوك إدارية وكذلك العاملين على أساس الدوام الجزئي أو على أساس الإنتاج أو الأجر الثابت»، كما جاء، وهو ما يعني أن الزيادة قد تغطي أكثر من 5.5 ملايين سوري.

هذان المرسومان ليسا الأوَّليْن خلال الأزمة التي ضربت وتضرب سورية منذ (مارس/آذار 2011)، بل هناك العديد من المراسيم التي صدرت في هذا الشأن، والتي رفعت من رواتب السوريين موظفين ومتقاعدين. وبحسب البيانات المالية، فإن كلفة تلك الزيادات قد بلغت 368 مليوناً ونصف مليون دولار.

الحقيقة، أن هذا الأمر يحتاج إلى قراءة. لماذا؟ لأن الظروف التي تعيشها سورية كدولة وكشعب وكاقتصاد واجتماع هي في غاية السوء منذ أربع سنوات وخمسة أشهر. وبالتالي يتساءل كثيرون: لماذا لم تُفلِس الدولة السورية، بل وكيف تدفع رواتب موظفيها بمن فيهم المهجَّرون في الداخل، وتزيدها بين الفينة والأخرى؟! هذا سؤال مهم ينبغي الإجابة بشكل علمي وليس بشكل عاطفي.

أشير هنا إلى عدد من النقاط التي أراها سبباً في بقاء الاقتصاد السوري (على رغم إدمائه وعَطَب الكثير من نشاطاته) قادراً على تصريف شئون البلد ولو بالحد الأدنى:

أولاً: يجب تشريح الاقتصاد السوري ذاته. فسورية ومنذ 45 عاماً جنحت باتجاه التأميم ودعم قطاعَيْ الصناعة والزراعة وبناء برجوازيات صغيرة، قادرة على إنتاج حرفيين وأصحاب مهن ومؤسسات، مع ترسيخ الاستثمار، وبالتالي فتحت لها رئة اقتصادية محاذية لاشتراكية الدولة. فهي وفي الوقت الذي تغوَّلت فيه داخل بعض الصناعات، إلاَّ أنها حاولت أن تستقطب رؤوس الأموال وإعطاء غير السوريين فرصة للاستثمار ما مكّنها من تشييد بنية تحتية متماسكة والحصول على وفرة من العملة الصعبة.

أمام تلك المساعي في تقوية البرجوازية الصغيرة، فقد أصبح هناك ميزان مأمون ما بين كفَّتَيْ الاستيراد والتصدير، وأصبحت المنتجات السورية تُصدَّر إلى أكثر من بلد في العالم بمعدل زاد على العشرة مليارات دولار قبل خمسة أعوام تقريباً، وفي الوقت نفسه سُمِحَ بالاستثمار داخل سورية في قطاعات صناعية وزراعية وخدمات عامة، وذلك لتقوية القطاع الخاص. هذا الأمر قوَّى من الاقتصاد السوري وجعله في المدى الصناعي المتوسط، وبالتالي قادراً على مواجهة الأزمات.

ثانياً: تعتبر الزراعة في سورية الثانية بعد النفط (26 في المئة من مجموع الدخل القومي)، وخصوصاً أن 59 ألفاً و735 كم من الأراضي السورية هي محاصيل زراعية تشمل القمح والشعير والقطن والزيتون والفواكه والخضراوات والأزهار. وعلى رغم انشطار الجغرافيا السورية ما بين مناطق تسيطر عليها المعارضة وأخرى تسيطر عليها الحكومة، فإن عديداً منها مازال يعمل.

بالإضافة إلى ذلك توجد هناك ثروة حيوانية قوامها 123 مليون رأس من مختلف الأصناف الحيوانية المأكولة، من أبقار وماعز وجِمَال ودواجن، وما توفره تلك الثروة من مئات آلاف الأطنان من اللحوم والحليب ومشتقاته. وهو ما يجعل ذلك أيضاً عاملاً مساعداً على بناء اقتصاد حقيقي، ليس للدولة فقط، بل لدى مَنْ يملكونها من مؤسسات خاصة وحتى العائلات السورية.

ثالثاً: تمتلك سورية ثروة نفطية مهمَّة كان يصل إنتاجها اليومي نصف مليون برميل من النفط. وعلى رغم أن هذا القطاع قد تضرَّر بفعل الأزمة فإنَّ ما يجب أن يُعرَف هو أن كثيراً من المناطق التي تتواجد فيها آبار النفط في دير الزور والحسكة ما زالت تسيطر عليها (بعضها أو جُلُّها) الحكومة السورية. كما أن مصافي النفط في بانياس وحمص هي تحت سيطرتها وتحديداً في الساحل.

أيضاً فإن مخزون الغاز الطبيعي الموجود في الحسكة ودير الزور وحمص ما زال مُسيطَراً عليه (جزئيّاً أو كليّاً) من قِبَل الدولة، ما خلا مخزون إدلب الذي بات تحت سيطرة جبهة النصرة. لذلك، فإن كل تلك الثروة مازالت تغطي حاجة الاستهلاك الداخلي، ومحطات توليد الكهرباء على الأقل.

رابعاً: شكلت الخطوط الائتمانية الإيرانية لسورية والتي يُقدَّر مجموعها بثمانية مليارات دولار (وكذلك الروسية) عامل دعم قويّاً للاقتصاد السوري. وعلى رغم أن جزءًا من تلك المساعدات تذهب إلى الدواء والإعمار وتوليد الطاقة، فإنها تغطي مجالات أخرى من احتياجات الاقتصاد السوري.

خامساً: ما يجب أن يُعرف هو أن عدد السكان في سورية قد تناقص بنسبة 18.7 في المئة بفعل الهجرة واللجوء إلى دول الخارج. بمعنى أنه إذا كان تعداد السوريين قبل الأزمة هو 21 مليوناً و367 ألفاً فقد وصل اليوم إلى 17 مليوناً و367 ألفاً فقط، وأصبحت بعض المناطق شبه خالية من السكان، كما في بعض أرياف حلب وإدلب وأجزاء من حمص، وهو ما ألقى بظلاله على طبيعة حجم الإنفاق العام على تلك المناطق وناسها.

هذه بعض الأسباب التي يمكن أن تكون سبباً في بقاء الاقتصاد السوري على قيد الحياة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4774 - الجمعة 02 أكتوبر 2015م الموافق 18 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 11:35 ص

      شكلك تعبت روحك

      قول تنوع مصادر الدخل وفك عمرك

    • زائر 13 | 8:48 ص

      علي نور

      تناسيت اهم عامل وهو تاييد الشعب السوري لقيادته فلو لم يكن الشعب السوري مومن وملتف حول قيادته المؤمنة بحقها في الدفاع عن بلدها (شئتم ام ابيتم ) ما كان الدولة وقيادتها وريسها الاسد ليصممد امام هادا الطوفان

    • زائر 12 | 7:41 ص

      كلام جميل الاخ محمد ولكن ماذا عن المساعدات الايرانية الضخمة في شكل اسلحة ومشتقات نفطية

      فقد ذكر نديم شحادة مدير مركز عصام فارس للدراسات الشرق أوسطية في جامعة "تافتس Tufts" في بحثه ان إيران انفقت ما بين 14 و 15 مليار دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية ومشتقات النفط بين عامي 2012 و 2013. كما ذكرت كذلك نشرة بلومبرغ ان ايران تنفق 6 مليار دولار سنويا لدعم حكومة بشار الاسد، مع ان بعض المصادر الايرانية غير الموثقة تدعي ان الدعم يزيد عن المبلغ اعلاه وربما يصل الي 8 مليار دولار..اما المساعدات الروسية لم تحدد المصادر قيمتها بعد

    • زائر 11 | 6:06 ص

      احم احم

      هذا سؤال احد يساله ليش ما افلست سوري واتريد من هذا السؤال اتقول ليش البحرين عنده عجز
      موضوع ما يحتاج كلام هم البحرينين كشعب وحكومة بخلاء ويتصنعون الحكمة البحرين اقدم الدول العربية اكتشف فيه النفظ للحين اتصدر اقل من 55 الف برميل
      والباقي من حقل مشترك ؟
      للحين البحريني عنده 1000 دينار مبلغ كبير ؟ وازيد من هذا البحرين تحتكر الاقتصاد في اشخاص وكان البحرين اتقول انتظروا الحكمة
      البحرين يكفي انه في وسط دول غنية بالنفظ فقط لكن الجهل اشكال وانواع لدرجة اتخليك اتفتش في الارض ممكن تحصل على شي ثمين

    • زائر 9 | 3:59 ص

      الافلاس شر مستطير

      الف شكر للكاتب العزيز والقدير الاستاذ محمد على المقال والافلاس هو الفقر بعينه حيث يقول الامام علي لوكان الفقر رجلا لكان رحل سوؤ وهو شر نعًدبالله منه

    • زائر 14 زائر 9 | 9:18 ص

      عاشت سوريا الأسد

      رحمك الله يا حافظ الإسد كنت نعم الرجل وأورثت نعم الرجال الدكتور بشار الأسد

    • زائر 8 | 3:48 ص

      ويلاه

      لماذا لم تفلس لانه في عقول تفكر في بناء الوطن مو عقول تفكر في ترس المخابي والسلام

    • زائر 7 | 3:22 ص

      شكراً للتوضيح ،، كنا نتساءل!

      يقولون ان نظام الأسد استبدادي و متسلط، هذا فيه شيء من الصحة، ولكنه على الأقل ليس من النوع الذي يستحوذ على ثروات البلاد وإلا لكانت سوريا افلست منذ زمن، كما ان المقال المحترم أعلاه يؤكد ان الحكومة تركّز على ابراز ودعم الكفاءات و الصناعات دون النظر لهوية العامل او المالك لذلك اصبح السوريون على اختلاف مشاربهم مهرة في مجال عملهم حتى في الطب الذي يدرّس باللغة العربية. ربما يكون بشار دكتاتور ولكنه ليس لصاً كبعض الزعماء الذين سقطت عروشهم في دول الربيع العربي.

    • زائر 6 | 3:19 ص

      قلت له التأثير الاقتصادي اكبر

      قلت لصديق ان تاثير الوضع الاقتصادي سيكون اكبر من تاثير العمليات الحربية ان كانت ستسقط سوريا.
      الوضع تغيير كثيرا مؤخرا بسبب الاتفاق النووي و بسبب تدخل روسيا بشكل اكبر و ثقل حزب الله بالموضوع.
      سقوط سوريا تراجع كثيرا وبات الداعم الغربي لسقوطه مقتنع الان بتسوية مع بقاء النظام ولذلك بدأ تغيير لهجة الخطاب لديه.
      للانصاف، ما حدث بسوريا يتحمل جزء كبير منه النظام نفسه لتاخر الإصلاح وطريقة تعامله الامني مع الازمة وهذا لا ينفي المؤامرة.
      أخلاقيا، لا أدري كيف سنبرر ما حدث للابرياء كنا مع النظام ام ضده!؟

    • زائر 10 زائر 6 | 6:04 ص

      لا للخونة

      المفروض علي سوريا ان لا تقبل برجوع كل من حمل سلاح ضد سوريا او اي شخص دربته امريكا او تركيا او اي من كان حتي يكون طريدا لا بلد له. انا متاكد ان الدول التي دربتهم سوف تتخلص منهم وتتركهم يخرجون منها لأنهم ارهابيون خونة سيلتفون علي من حضنهم

    • زائر 5 | 2:45 ص

      سالم

      يمكنك - ربما - أن تضيف عاملاً آخر مهم حسب اعتقادي هو كفاءة وقوة أداء الحكم والحكومة في سوريا نسبياً وكذلك نأيهم عن الفساد والتمييز المذهبي.
      هل تعلم أن المساكن والشقق السكنية في سوريا جاهزة مسبقاً تنتظر طلبات المواطنين وهذا هو الحال منذ أول زيارة لي لسوريا في العام 1985 وهو مستمر للآن؟ بعكس ما يحدث عندنا حيث ينتظر المواطن ربع قرن.
      وهل تعلم بأن جميع وزراء الدفاع ووزراء الخارجية ووزراء الداخلية (ما خلا واحد) ورؤساء الوزارات خلال حكم حافظ وبشار الأسد لم يكونوا لا علويين ولا شيعة !

    • زائر 3 | 1:32 ص

      في البحرين

      تباد الاراضي الزراعيه وتعمر بالبيوت والاماكن الغير صالحه للزراعه فاضيه

    • زائر 2 | 11:28 م

      صباح الخير

      شكرا على مقالك المنصف والدقيق سوريا منتصرة بأذن الله تعالى على حثالة الإرهاب والتكفيرين من الدواعش واخوتها وعلى كل من ساهم وخطط ومول وسلح وشرع أبواب حدوده ودرب المرتزقة اللهم ردهم خائبين منكسرين مهزومين اللهم رد قيدهم في نحورهم والشكر الى كل شريف وقف مع سوريا في حربها الكونية وبالخص الجيش العربى السورى والمقاومة الإسلامية اللبنانية وروسيا والجمهورية الإسلامية

    • زائر 1 | 10:26 م

      مقال رائع

      مقال رصين علمي مدعم بالأدلة الواضحة ، بسيط و سهل الفهم ، قلما أجد له نظير

    • زائر 4 زائر 1 | 2:01 ص

      عبد علي البصري

      أنا معك خوش مقال

اقرأ ايضاً