العدد 4778 - الثلثاء 06 أكتوبر 2015م الموافق 22 ذي الحجة 1436هـ

لا شيء يستحيل في علاج ضحايا التعذيب

هاني الريس comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي بحريني

على امتداد عقود عدة من الزمن، أصر الأطباء النفسانيون والمتخصصون في العلاج الطبيعي، على أنه بعد مرور مراحل طويلة من الزمن، لم يكن بإمكان ضحايا التعذيب، أن تتحسن أوضاعهم الحياتية العامة تحسناً إيجابياً، لأن الآثار النفسية والجسدية المدمرة تظل ملتصقة بشكل واضح في جوف مخيلاتهم حول ذكريات المشاهد المهولة، التي عايشوا كل لحظاتها المأساوية في غياهب السجون والمعتقلات الرهيبة. حيث إن عمليات إعادة التأهيل التقليدية، لم يكن بمقدورها إسعاف المصابين بالصدمات النفسية العالية وآثار التعذيب الوحشي، فقط بنسبة ضئيلة، تكاد أن لا تتعدى كونها مجرد جرعة دواء مهدئة، نحو الجوانب المتأثرة في أوصال المريض النفسية أو الجسدية. وما من أحد يتوقع أن يشفى المصاب بحالات التعذيب وبخاصة بعد مضي سنوات عديدة، على تراكمات تلك الحالة الصحية.

لكن التطورات العلمية الهائلة والأساليب العلاجية الحديثة، التي بدأت تستخدمها مراكز تأهيل ضحايا التعذيب في الوقت الراهن، في البلدان المتطورة والمتقدمة كالدنمارك والسويد وألمانيا، المبنية على أفكار وعلوم فسيولوجية وبيولوجية متعددة، حول كيفية التعامل مع الأشخاص المصابين بالصدمات النفسية والتشوهات والإعاقات الجسدية وأمراض الانفصام الشخصي والاكتئاب والوسواس والتوحد والانعزال، أظهرت عدم استحالة الشفاء الكلي أو الجزئي الشديد من تلك الأمراض، وبخاصة من جانب الحالة النفسية الصعبة والمعقدة، حيث يبذل الأطباء النفسانيون والمتخصصون في العلاج الطبيعي، جهوداً جبارة من أجل إعادة تأهيل هؤلاء المرضى وتوجيههم نحو تأدية مهمات الحياة الأكثر أساسية، والتي يمكن لها أن تساعدهم بأشكال ووسائل تقنية عديدة، على استعادة الاجزاء المهمة المتضررة من حياتهم تدريجيا. ولكن كل ذلك ـ بحسب الأطباء - يتوقف على ما إذا كان المريض راغباً في التجاوب مع الصعوبات الخاصة، التي قد تواجه طريق بناء حياته من جديد.

ويعتبر مركز إعادة تأهيل ضحايا التعذيب في الدنمارك (آر. سي. تي) واحداً من أهم وأكبر المراكز المتخصصة في إعادة التأهيل في أوروبا وربما أيضاً في العالم برمته، حيث تستخدم في هذا المركز أحدث أدوات العلاج النفسي والجسدي، التي باستطاعتها أن تمهد الخطوات العلاجية الأولية لضحايا التعذيب، حتى بلوغ مستوى التعافي السليم من الصدمات النفسية الأكثر صعوبة، والآثار المدمرة من حالات التعذيب الوحشي، وبصورة تبدو وكأنها «حالة إعجازية» حيث يرى فيها العديد من المرضى النفسيين، أنفسهم يخرجون بصورة تلقائية من دوامة الكوابيس والأحلام المزعجة المفرطة، التي ظلت تلاحق أفكارهم ومشاعرهم، ساعة تلو الأخرى، بعد أن تحرروا من قيود السجون والجلادين.

ويوفر المركز الدنماركي، لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب، الذي تم تأسيسه في مطلع سنوات الثمانينات من القرن الماضي، في نفس الفترة التي شرعت فيها الدنمارك أبوابها على مصراعيها لاستقبال المهاجرين واللاجئين الوافدين من مختلف مناطق التوتر في العالم، بهدف مساعدة الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية وجسدية بسبب التعذيب، فرص العلاج الضروري المجاني في الداخل والخارج معاً، على أيادي أطباء نفسيين وأخصائيين مهرة في العلاج الطبيعي، ومعدات تقنية متطورة ومتقدمة، وتدريبات بدنية مكثفة ومعتمدة على طاقة التحمل، ودروس وتوجيهات إرشادية ناجعة تقدم الأمل لضحايا التعذيب في تغيير أوضاع حياتهم القاسية والقلقة، نحو الأحسن والأفضل. ولذلك فإن دورات العلاج المتطورة والحديثة، التي تستغرق مدة ما بين أربعة، وسبعة شهور، في رحاب هذا المركز، قد حققت الكثير من العمليات التأهيلية الناجحة، واستطاعت أن تغير بأشكال جزئية أو كلية من حياة العديد من الاشخاص، الذين كانوا يعانون من أمراض نفسية وجسدية مزمنة، بعد أن ظلت تحثهم باستمرار، على طريق تجاوز أزماتهم النفسية القاسية، ومعاناتهم الجسدية الصعبة، والاندماج المباشر في المجتمع، والسعي لتعلم مهارات جديدة ومفيدة، تفتح لهم آفاق النشاط والعمل للمستقبل، وتحاول أن تدفع بهم لتعويض كل ما فاتهم من ملذات الحياة الدنيا، في سنوات الجمر والعذاب.

إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"

العدد 4778 - الثلثاء 06 أكتوبر 2015م الموافق 22 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:33 ص

      وطن واحد

      أبدا كل شيئ يهون من اجل الوطن , كل شيئ رخيص من اجل ألامن و الامان , في أحداث التسعينات , وعندما قاد الملك المفدى القافله للاصلاحات السياسيه و الوطنيه , كان الشعب كل الشعب معه من المحرق الى ستره الى كل المناطق من اجل الوطن وضع الجميع يدا على الجرح ويدا على الوطن . ونتمنى أن يستمر هذا الاصلاح الوطني بتكاتف الجميع والله مع المؤمن مادام المؤمن مع اخيه .

اقرأ ايضاً