العدد 4802 - الجمعة 30 أكتوبر 2015م الموافق 16 محرم 1437هـ

مخاطر تواجه الكفاح الفلسطيني

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

تؤكد جل المؤشرات أن الكفاح الفلسطيني دخل دورة جديدة من التصعيد، وصفت من قبل كثير من المتابعين والمهتمين بالقضية الفلسطينية، بالانتفاضة الثالثة، أو انتفاضة سكاكين المطبخ.

كانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى انتفاضة أطفال الحجارة هي الأطول زمناً، والأكثر تأثيراً في الساحة الدولية. وأمام قوة زخمها عجزت قوات الاحتلال، مع ما لديها من جبروت وقوة، من لجم تلك الانتفاضة. وحينها أجبر رئيس الأركان الصهيوني، إسحق رابين على الاعتراف بهذا العجز، قائلاً بأنه خاض قرابة خمس حروب في مواجهة الجيوش العربية، والفلسطينيين، وأن إسرائيل كسبت تلك الحروب، لكن جيشها القوي المدجج في أحدث أنواع الأسلحة وأكثرها فاعلية، عجز عن إلحاق الهزيمة بأطفال فلسطين. وقد استمرت تلك الانتفاضة قرابة خمس سنوات.

الانتفاضة الثانية جاءت في مطالع هذا القرن، وعرفت بانتفاضة الأقصى، لأن شرارتها الأولى جاءت في صيغة احتجاج على تدنيس آرييل شارون المسجد الأقصى، ثم تطورت إلى عمليات استشهادية، قضت مضاجع العدو.

وفي الانتفاضتين السابقتين لم يتمكن العدو بقوة السلاح من إنهاء أوارهما، بل تم ذلك بالدخول في نفق جديد من المفاوضات التي يمكن توصيف نتائجها بالعبثية. لأن كل محاولات التوصل إلى تسوية سياسية سلمية للقضية الفلسطينية وصلت إلى طريق مسدود، بسبب تعنت العدو وإصراره على التمسك بالاحتلال، ورفضه قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ومعالجة موضوع مدينة القدس الشريف، والاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم.

وعلى طريق التمسك بهذه الثوابت، تم فرض الإقامة الجبرية على الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، وجرى اعتقال القيادات الفلسطينية البارزة أمثال أحمد سعدات ومروان البرغوثي، كما جرت تصفية آخرين جسدياً عن طريق الاغتيال والقصف بالطائرات، كمؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، وعبدالعزيز الرنتيسي، وأبوعلي مصطفى. ومضى العدو دون هوادة في مضاعفة بناء المستوطنات، والجدران العازلة، والتنكيل بالشعب الفلسطيني المظلوم.

ومجدداً يعمل العدو بقوة الحديد والنار على لجم حالة النهوض الفلسطيني الجديدة. وبالتزامن مع ذلك يعمل حلفاء إسرائيل في الغرب على احتواء هذه الانتفاضة، بعدة وسطاء وصلوا أخيراً إلى المنطقة، كما هو الحال، مع طوني بلير الذي يعمل على تحقيق هدنة طويلة بين حركة حماس، والكيان الفلسطيني الغاصب، وأيضاً وزير الخارجية الأميركي جون كيرى الذي وصل إلى الضفة الغربية، داعياً إلى التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

إن قراءة تجارب الماضي تؤكد أن حل القضية الفلسطينية إذا لم يكن مسنوداً بتصعيد للكفاح في الداخل، وبجهد عربي قوي لدعم حق الفلسطينيين في الاستقلال وتقرير المصير، فإن موالاة أية مفاوضات مستقبلية، برعاية أممية، لن تكون أفضل من سابقاتها.

وأمام العجز العربي والدولي عن مساندة كفاح الفلسطينيين فليس من المستبعد أن تقوم حكومة نتنياهو باعتقال قيادات فلسطينية بارزة، من ضمنها شخصيات متنفذة بالسلطة. كما أنه ليس من المستبعد أن يعاد تكرار سيناريو التخلص من عرفات، وأن يجري العمل على استبدال رئيس السلطة أبومازن بشخص آخر، يكون أكثر اعتدالاً من وجهة النظر الإسرائيلية. والأسماء البديلة ليست سرّاً على أي متابع لما يجري في الضفة والقطاع. وسيتيح لها ذلك الانطلاق مجدداً في المفاوضات مع الفلسطينيين من نقطة الصفر.

وليس بعيداً أيضاً، معاودة الحرب على قطاع غزة، باعتبار أنه لم تحقق عن الحرب السابقة أية مكاسب سياسية للصهاينة.

التاريخ لا يعيد نفسه، بما يعني أن صور الرفض لسياسات الاحتلال لا يمكن أن تتكرر بالسياق ذاته. وكلما تصاعد عنف المحتل تصاعدت أشكال الرفض الفلسطيني لسياساته.

الخشية هذه المرة هو من استغلال تنظيم القاعدة وداعش، هذه الظروف الجديدة، والانتقال إلى قطاع غزة عن طريق شبه جزيرة سيناء، واستثمار الكثافة السكانية في القطاع للاندساس وسط المجتمع الغزاوي، والانتقال لاحقاً إلى الضفة. ولتغرق كل فلسطين في بحر من الفوضى والانهيار الأمني. وليس من المستبعد أن يستثمر الكيان الصهيوني ذلك لتحقيق اختراقات، يكون من نتائجها تصفية بعض القيادات، لصالح الكيان الصهيوني.

إن حلولاً عاجلة مطلوبة لمواجهة تعطل الحلول السياسية، واحتمالات الانهيار الأمني لعل أهمها، التأكيد على وحدة القطاع والضفة للتصدي لمختلف الاحتمالات، ومنها احتمال الانهيار الأمني في الضفة وحرب جديدة على القطاع.

إن تنشيط لجنة القدس والتركيز على عروبتها ينبغي أن تكون حية باستمرار في المجتمع العربي والإسلامي. كما ينبغي استخدام كل وسائل الضغط على حكومة نتنياهو للقبول بقرارات الشرعية الدولية. وهناك مناخات دولية ملائمة لتحقيق هذا الهدف، أهمها التأييد المتنامي للقضية الفلسطينية، في أوروبا الغربية، وأميركا الشمالية.

يعول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على عامل الوقت في التنصل من الاستحقاقات الفلسطينية. فالإدارة الأميركية التي اندفعت بقوة في المفاوضات مع إيران حول الملف الإيراني، ووجهت طعنة إلى الكيان الصهيوني، لن تقدم على اتخاذ خطوة أخرى تغضب اللوبي الصهيوني في الداخل الأميركي، وستكتفي بالنقد للسياسات الإسرائيلية، ولن تقدم على فرض عقوبات عليها.

وترى حكومة نتنياهو أن الولايات المتحدة ستنشغل بعد شهور قليلة من هذا التاريخ بحملة الانتخابات الرئاسية القادمة. وخلالها يتعطل التحرك السياسي الخارجي على كل الأصعدة. وإن إسرائيل ستتمكن من استثمار حملة الانتخابات التي تستهلك عاماً كاملاً، للعربدة أكثر ولفرض سياسة الأمر الواقع بالأراضي الفلسطينية المحتلة.

هذه الرؤية تفرض تحركاً سريعاً وكبيراً من قبل القادة العرب، للتحرك الآن قبل فوات الفرصة. وهو تحرك أن قدر له أن ينجح فإنه يجب أن يتوج بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ومنع الانهيار الأمني، وبالتالي الحيلولة دون تسرب الإحباط واليأس للأراضي الفلسطينية.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 4802 - الجمعة 30 أكتوبر 2015م الموافق 16 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:03 م

      الصحافة و فلسطين

      القضية لن تحل بالقلم و الاستنكارات فقط و لا احد من رؤساء الكيان سيقبل بما تفرضه القرارات الدولية و ابرز مثال هو الاستيطان و امريكا تحميها و الاتسنكارات مجرد استهلاك اعلامي و ما على العرب لارجاع فلسطين هو السلاح ، فكما يقول الدكتور فتحي الشقاقي رحمه الله ( الكفاح المسلح هو الحل ) و كفى

اقرأ ايضاً