العدد 4820 - الثلثاء 17 نوفمبر 2015م الموافق 04 صفر 1437هـ

تفجيرات «داعش» وقواعد اللعبة السياسية

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

خيمت التفجيرات «الداعشية» في «برج البراجنة» بضاحية بيروت الجنوبية وفي «باريس» قلب العاصمة الفرنسية على المشهد العالمي، فتصدرت مداولات قمة الدول الصناعية العشرين بتركيا واجتماعات «فيينا 3» لحل الأزمة السورية، لم لا وهي تعكس تمدد بؤر العنف الطاغي في عالمنا، وزراعة الرعب الاستثنائي والأزمة الوجودية التي نعيش اليوم تحت وطأتها بكل ما تحمله من إرهاب مركب وعدمية وفوضى وقتل وحشي.

ثمة أهمية كبيرة يكتسبها الحدثان، هي ليست المرة الأولى، إذ كان قبلها «شارلي ايبدو» بباريس وتفخيخ السيارات في لبنان وتفجير الطائرة الروسية فوق سيناء وفي تركيا وغيرها، الأمر الذي يكشف عن قدرة تمدد تنظيم «داعش» في عملياته والضرب بعيداً عن مواقعه الرئيسية وخارج حدوده في سورية والعراق، فهل تغير التفجيرات قواعد اللعبة في المسرح السياسي الدولي والإقليمي؟ وهل ستؤثر في تحالفات فرنسا ومواقفها؟

من السابق لأوانه التنبؤ قطعياً بتداعيات الحدث، لكن ثمة ما تشير إليه التقارير بأن أحداث 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الأخيرة ستدفع بفرنسا لإعادة تدوير الزوايا داخلياً، وربما التحول نوعياً في استراتيجياتها وتوجهات سياساتها الداخلية والخارجية خصوصاً الشرق أوسطية منها، كيف؟

تقصير أمني وازدواجية

على الصعيد الداخلي، تعالى الهمس حول المسئوليات السياسية والتقصير في الدفاع عن الأمن القومي الفرنسي وإن هناك خللاً في كفاءة البنية الأمنية بل واختراقها الذي ساهم في شن الهجوم دفعة واحدة على ستة مواقع لها بعد رمزي حضاري في الثقافة الفرنسية، خلفت إثرها «132 قتيلاً» وما لا يقل عن «352» جريحاً، كما سُجل على الأجهزة الأمنية أيضاً، استخفافها بتهديدات سبق وأعلنت عنها «داعش»، وكثر الحديث عن أخطاء في تقدير قوة المنتمين إلى التنظيمات الإرهابية المرتكزة إلى مرجعية دولة هرمية لها مقدرات مادية وخبرة عسكرية ومالية، حيث ثبت أن من بين قياداتها ضباط عملوا في الجيش العراقي الذي تم حله بعد احتلال العراق العام 2003، وكذلك سوء تقدير لتأثير الخطابات الجهادية والتكفيرية التي يتكفل بها جيش دعاة في الحواضن الإسلامية الأوروبية المنتشرة في أحزمة الفقر والتي يعاني شبابها البطالة عن العمل والتهميش والاغتراب وعدم القدرة على الاندماج في المجتمع المحلي.

خارجياً وجهت انتقادات لسياسة فرنسا الخارجية من حيث الفاعلية والتحوط الأمني والدبلوماسي، فثمة تحليلات تشير إلى احتمالية التحول جذرياً في توجهات فرنسا السياسية الاستراتيجية ولاسيما الشرق أوسطية منها، وهذه قد تدفع بدول لها علاقة بهذا الشكل أو ذاك بالتنظيمات الجهادية، كي تبذل جهوداً دبلوماسية دولية لإبعاد شبهات الاتهامات عنها بمساندة الإرهاب، خصوصاً مع تصريح الرئيس الروسي «بوتين» عما تبيَّن من أن تمويل الإرهاب يأتي من «40 دولة» بمن فيهم ممن حضروا اجتماعات أنطاليا من الدول العشرين، ماذا يعني هذا؟ يعني ببساطة شديدة أن مشاركة هذه الدول الفعلية في الحرب على الإرهاب وعلى «داعش» تحديداً ستكون على المحك.

بعد التفجيرات ليس كقبلها

في السياق ذاته يتوقع محللون أن تمارس فرنسا في اجتماعات «فيينا» القادمة ضغوطاً لتسريع وإعادة تنسيق أجندة الأولويات المتعلقة بمحاربة «داعش» التي أعلنت مسئوليتها عن التفجيرات، لم لا وقد صارت العدو الأول استراتيجياً لها، وربما ستؤسس هذه بداية النهاية للتعامل مع ما يطلق عليه «الإسلام المعتدل»، وبالتالي تراجع الاتجاهات الداعية للتفاهم معه، مقابل تنامي الأصوات النقيض الداعية للتحالف مع الأنظمة القائمة كونها توفر الأمن والاستقرار، لا بل وقد استفاد اليمين العنصري المتطرف في فرنسا وأوروبا من عملية التفجيرات بالضغط على أحزاب الوسط واليسار لتبني آراء اليمين تجاه المهاجرين والتشدد ضد كل ما هو شرق أوسطي وعربي وإسلامي، والمطالبة بزيادة الإجراءات الأمنية، وها هي «مارين لوبن» رئيسة «حزب الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف، تقول: «فرنسا والفرنسيون لم يعودوا في أمان... فرنسا أصبحت معرضة للخطر، ويجب استعادة السيطرة على حدودها الوطنية على نحو نهائي... كما عليها تحديد حلفائها، وأعدائها، إن أعداءها يتمثلون في الدول التي لها صلات بالإسلاميين».

في شأن التحالفات، معروف أن فرنسا عارضت بشدة وعرقلت عقد أي اتفاق نووي مع إيران، برغم جنيها بعض المكتسبات الاقتصادية وعقد الصفقات بعد الاتفاق، وعليه ليس بمستغرب أو مستبعد أن تعيد حساباتها في مستوى العلاقة والانفتاح نسبياً على الدور الإيراني الإقليمي والقبول به كشريك في محاربة الإرهاب، بيد أن أي تغيير في هذا الموقف من الصعب توقعه على المدى القريب، فثمة تعقيدات متعددة وخيارات غير متوقعة خصوصاً لجهة العلاقة مع إسرائيل، ومع ذلك فقد برزت أصوات من الحزب الاشتراكي الحاكم إثر التفجيرات تدعو إلى التحالف مع روسيا لمحاربة الإرهاب كدعوة الرئيس السابق «نيكولاس ساركوزي» إلى «ليونة أكبر في السياسة الفرنسية الخارجية في سورية والحاجة إلى الروس للقضاء على داعش، فلا يمكن أن يُكوّن هناك تحالفان اثنان ضد الإرهاب في سورية»، فيما جاءت دعوات أخرى تطالب باستعادة فرنسا لدورها المتوازن في السياسة الدولية.

ومع ذلك فإن خطاب الإليزيه حتى اللحظة لا يشي بأي تغير في المقاربة الفرنسية لقضية الإرهاب على مستوى المنطقة، على رغم شن حملات المداهمة والتفتيش الواسعة وإعلان حالة الطوارئ والسعي إلى تعديل الدستور بما يسمح بتمديد فترتها، وتعديل تشريعات قد تجيز سحب الجنسية وغيرها. إن المعضلة الحقيقية تكمن فيما بدأ يرشح من انتقادات لاذعة بشأن الجهاد التكفيري، ودفع فرنسا أثمان سياستها الاستراتيجية في التحالف مع بعض قوى الإرهاب ومن يرعاه، وهو ما عبر عنه مدير الاستخبارات الفرنسية السابق، إذ لم يكن خافيا التنسيق مع دول إقليمية في الجوانب الأمنية والاستخباراتية لتسهيل عبور عشرات الآلاف من المقاتلين إلى سورية والعراق، لكن الأسوأ هي نتائجه التي ارتدت على الأراضي الفرنسية وأحيائها وخلفت أضراراً لم تكن في الحسبان.

خلاصة الأمر التفجيرات روّعت شعوب العالم، وهي صدمة خصوصاً وقد كشفت عن تحول غير متكافئ في الحرب التي يخوضها الجهاد التكفيري وعلى رأسه «داعش» ضد دولة كبرى كفرنسا التي تتوافر على جهاز استخباراتي وعسكري وتقني، لاشك أنه يشكل تحدياً كبيراً لفرنسا ومكانتها كدولة كبرى خاصة وللعالم أجمع، فالرسالة واضحة أن «الإرهاب» انتشر في كل الأمكنة، والقوانين المتشددة لمكافحته قد فشلت.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4820 - الثلثاء 17 نوفمبر 2015م الموافق 04 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • آمنت بالموت | 5:28 ص

      الفقرة الأخيرة المفروض تكون في البداية ..!

      داعش الآن قد هرب من حظيرة الترويض و قد أنفلت من يد مروضه ...!!!

    • زائر 2 | 4:56 ص

      من يمول داعش

      ولاحظ اي دولة لم تتعرض لتنظيم داعش راح تعرف من يمولها والاجابة عندكم

    • زائر 1 | 12:01 ص

      صباح الخير

      اللعبه الامريكيه والمناوره مع داعش لم تنتهي بعد كما جاء على لسان باراك أوباما بالأمس مازال هناك غزل ومصلحة عندما دخلت الرؤس اللعبه غيرت وفضحت زيف من قال إنه يحارب داعش وأخواتها كما جاء على لسان الرئيس الروسي بوتن هناك أربعون دوله من حلف الأطلسي مع داعش من ناحية التمويل أو التسليح والحل السريع هو الضغط على تركيا وتسكير حدودها تنتهي داعش

اقرأ ايضاً