العدد 4823 - الجمعة 20 نوفمبر 2015م الموافق 07 صفر 1437هـ

نثر محمود درويش وشَعْرَنة العذاب

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

مرَّت الذكرى السابعة على رحيل الشاعر الفلسطيني محمود درويش (ولد في 13 مارس/ آذار 1941)، الذي رحل عن العالم يوم السبت (9 أغسطس/ آب 2008)، في الولايات المتحدة الأميركية بعد إجرائه عملية قلب مفتوح في مركز تكساس الطبي في هيوستن، بتكساس، من دون أثر أو ضجيج، ما خلا التفاتات تكاد لا تُذكر في عدد من الصحف والمواقع والمدوَّنات، لا تفي حق الرجل الذي شغل المشروع الشعري العربي في صورته ومضامينه المُتحوِّلة، انفتاحاً على الكون والإنسان؛ مع سمة لازمت مشروعه، لا تحتاج إلى عظيم جهد لاكتشافها بِلازمة الرمزية العاقلة والنابهة.

لم يُقرأ درويش كما يجب على مستوى نثره الجميل والأخَّاذ. كان قامة نثرية بموازاة قامته الشعرية. ظلَّ انشغال متابعيه من النقَّاد محصوراً - في أكثر دافعيته - في مشروعه الشعري، وبوفاء لا يمكن نكرانه.

وبالوقوف على أثرين له: «ذاكرة للنسيان» الذي صدرت طبعته الأولى في العام 1987، و «حيرة العائد»، وغيرهما، يمكن اكتشاف متاهة المكان في بشاعتها، وصولاً واندماجاً وانشداداً إلى متاهة اللغة في جمالياتها ورهافتها وحدَّتها أيضاً.

حتى وإن بدت معظم إصداراته النثرية اشتغالاً على الذاكرة، واليوميات، وتقترب من المذكرات أحياناً، واحتلال المكان البطولة فيها، والعصب المحرك لنثريته؛ إلا أنها ظلت موغلة في الشعر وعلى التحام تام به.

وفي كثير من لقاءاته المتلفزة والصحافية، كان السؤال الحاضر - تقريباً - ذلك المتعلق بعدم خوضه تجربة «قصيدة النثر» أو «النص المفتوح» (المفتوح على أغلب الأشكال والأنماط الإبداعية) وذلك أقرب إلى الدقة في التسمية، نأياً بالأول عن الالتباس الذي يحيط به، كان مُراوغاً وصريحاً في الوقت نفسه: مُراوغاً بعدم تقاطع تجربته «الوزنية» (التفعيلة) معها، بحكم أن لغته مليئة بالكثافة، متخلية عن الغموض الذي يسم الأولى، دون أن يقع في إشكال وفخ المباشرة، وإن وقع فيها فلديه من «الرافعات» ما يعيده إلى مساره الحيوي والعميق. وصريحاً بإشارته إلى أن لديه أكثر من تجربة لم يَرَ وقت صدورها ملائماً من جهة، وفي صراحته إحالة إلى تجربته النثرية التي لم تخْلُ من مقصد السؤال.

كأن درويش في عدد من إصداراته النثرية تلك ضمَّن تجربته الكثير من نماذج وشواهد «القصيدة النثرية» أو «النص المفتوح»، ويكاد لا ينجو وبشكل جميل سطر من ذلك القبض الخلَّاق على الشعر؛ بعيداً عن تصنيفاته ومسمَّياته.

وأكثر ما ضاعف اللغة الاستثنائية لدى درويش في نصوصه النثرية، تلك القدرة المذهلة على شعْرنة العذاب، واستدعاء الذاكرة المصقولة بالتجربة والمعاينة والتخيُّل أيضاً، وإدخال السياسي في مِلاك الشعري لا العكس، وتفوُّق لا تغفله عين مُلاحِظة ومُتابِعة لتجربته يرتبط بعدم تورُّط لغته في شخصنة التفاصيل، سواء تلك المرتبطة بالمكان وأطرافه، أو تلك المرتبطة بحيّزه الشخصي، أخذاً بها إلى المدى الكوني والإنساني الأوسع والأشمل، بما يتضمَّنه من استقامة وانحراف، ورفاهية وحرمان، وديمومة للعذاب والمحو، أو استواء على استقرار وتمتُّع بحصة لائقة من الحياة. كل ذلك بعين ومخيلة وتجربة كأنها - وهي كذلك - على تماس مع التجارب ونقائضها، مسلَّحاً بلغة ربما لن تجد ما يتاخمها ولزمن طويل من تجربة الشعر، ونص التذكُّر بناءً عليه.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4823 - الجمعة 20 نوفمبر 2015م الموافق 07 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً