العدد 4823 - الجمعة 20 نوفمبر 2015م الموافق 07 صفر 1437هـ

الإعلام والسلم الأهلي

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

تلقيت دعوة شخصية من المدير التنفيذي لمعهد البحرين للتنمية السياسية ياسر العلوي، وهو مشكور على ذلك، إذ إنني من القلائل جدا الذين لديهم آراء انتقادية لما يجري من الحضور. وعندما تساءل الأستاذ جمال فخرو اثناء ادارته للجلسة الحوارية الثالثة والأخيرة والتي شارك فيها كل من الشيخ سيف المسكري (عمان) وجيزيل خوري (لبنان) وعلي الشعيبي (الإمارات) عمن هو حاضر من قيادات الجمعيات السياسية فلم يكن سوى واحد، وقيادات الجمعيات الأهلية فلم يكن سوى قلائل والقيادات الإعلامية فلم يكن أحد، فإن ذلك يؤكد أولا عدم دعوة أي من قيادات الجمعيات السياسية المعارضة وكذلك الأمر بالنسبة للجمعيات الأهلية الانتقادية والمستقلة، فعسى ان يتم تلافي ذلك في الدورة الرابعة للمنتدى الخليجي الثالث للأعلام السياسي، كما أنه لوحظ غياب قطر الكامل، وعدم التوازن في تمثيل بلدان مجلس التعاون والاتجاهات الفكرية والسياسية حيث غلب الموالون على الحضور.

الموضوع هو الإعلام والسلم الأهلي هو موضوع الساعة بامتياز، في ظل الحروب الأهلية المعلنة التي تشهدها ساحات عربية مثل ليبيا وسورية والعراق واليمن وعمليات حربية كما في مصر ولبنان، وعمليات إرهابية كما في عدد من الدول العربية ومنها بلدان خليجية كالسعودية والكويت، فيما يغلي الوضع تحت السطح في باقي الدول العربية، ليتطور في أية لحظة الى عمليات إرهابية.

الإعلام العربي سواء القائم في البلدان العربية أو في المهجر، حيث افتتحت الحدود أمام الإعلام وأصبح الفضاء مفتوحا، وعنصراً حاسماً فيما وصلنا اليه من حروب واحتراب، ولكن تصحيح الإعلام لكي يتوقف عن كونه عامل تأزيم وفرقة إلى عامل تقريب وتفاهم لا يمكن أن يتم بمعزل عن إصلاح النظام السياسي العربي، والأنظمة العربية، وثقافة المجتمع العربي، بما في ذلك الخطاب الديني ومناهج التعليم، ومنابر الثقافة ورسائلها، وجميع ما يتصل بالمعرفة والمعلومة وتداولها. شمل المنتدى جلسة افتتاحية بكلمة المنتدى ألقاها الإعلامي تركي الدخيل الأمين العام للمنتدى، والذي أعاد فيها تأكيد القيم العظيمة للإسلام الحنيف من تراحم وتآلف وجنوح للسلم والاعتراف بالآخر بغض النظر عن دينه ومذهبه وجنسه وقوميته. وكلمة المعهد وألقاها فؤاد شهاب عضو مجلس الأمناء. ثم تلتها جلسات تكريم الفائزين بجائزة المنتدى، وهم الصحافي الكويتي خالد البنداري، والإعلامية السعودية نادين البديري (السعودية) والتي كسرت المألوف بجرأتها وعمق محتوى برنامجها الحواري في محطة روتانا، ونحن نعرفها في منتدى التنمية الخليجي، تلا ذلك ثلاث جلسات حوارية. الجلسة الأولى حول الإعلام التقليدي وإدارة الإعلامي والدبلوماسي خليل الذوادي وشارك فيه كل من المدير العام لقناه سكاي نيوز نارت بوران والإعلامي المعتق في البي.بي.سي ثم العربية حسن معوض ورئيس تحرير صحيفة الجزيرة لفترة الصحفي خالد الحفناوي. حسن معوض طرح بجرأة وأمام محاولات تفصيل دور للاعلام ملحق بالسياسة، عن معارضته لذلك قائلاً «لست مع دور للاعلام ولكن يجب أن يتمتع الإعلام بالهيئة والصدقية والمعلوماتية»، وفند عدم مسئولية الإعلام عن الربيع العربي. أما نارت بوران فطرح فكرة جرئية وهي تبييض الاخبار مثلما هو حال تبييض الأموال، أي تبدأ بخبر ثم تتلاعب به ليعطي النتيجة المقصودة عن سابق تصميم. أما خالد الحفناوي فذكر بالفجوة القائمة بين الإعلام العربي وبين الجمهور العربي، ولجوء القارئ العربي للمصادر الصحفية الغربية وجرى بعد ذلك نقاش مستفيض حول الإعلام ولكن من دون صلة مع موضوع السلم الأهلي. كما لم يتردد البعض عن أطروحات مستهلكة مثل سموم الغرب الإعلامي والغزو الإعلامي والثقافي، الجلسة الثانية خصصت للاعلام الجديد بين الأقصاء والاستيعاب وأداره رئيس مركز الإعلام العربي الروسي ماجد التركي، وشارك فيه مدير دار العرب بلندن هيثم الزبيدي والإعلامية منار الحشاش (الجائزة العالمية للمحتوى الالكتروني) ومقدم برنامج «إيش إيللى» باليوتيوب بدر صالح. ومن خلال عرض كلام من منار الحشاش (الكويت) وبدر صالح (السعودية) يتضح أنهما يخوضان تجربة الإعلام التفاعلي الجديد، والذي يستند الى سرعة التفاعل والرد، والرسالة المختصرة جدا، وانه يلقى رواجا كبيرا لدى الجيل العربي الجديد، وله تأثير كبير في تكوين قناعاتهم ومواقفهم وسلوكهم. وأثناء النقاش حول إمكانية التشريع لضبط أو قوننة ما يجري في الفضاء الالكتروني، اتضح ان دول مجلس التعاون متخلفة جدا في تشريعاتها وهي أقرب إلى المصادرة وليس التقنين، بينما المطلوب ضوابط مجتمعية ذاتية. الجلسة الثالثة حول الإعلام والسلم الأهلي، وكانت فعلا في قلب الموضوع وأكثرها حيوية فقد ادارها النائب الأول لرئيس مجلس الشورى جمال فحرو وشارك فيها السياسي المخضرم الشيخ سيف بن هاشل المسكري (عمان) والإعلامية الحوارية جيزيل خوري (لبنان) ود. علي الشعيبي الاكاديمي الإماراتي اتسمت هذه الجلسة بالحيوية والصراحة والمقاربة الجدية للاعلام والسلم الأهلي. وقد أسهم طرح فخرو لأسئلة محورية في بداية الحوار في حيوية الحوار طرح سيف المسكري 8 عوامل محددة لطبيعة ودور الإعلام في علاقته بالسلم الأهلي، حيث كشف عن اختلالات عميقة في البنية المجتمعية وبنية الدولة واستراتيجيها وسياساتها، ووظيفة الإعلام في بلدان مجلس التعاون الخليجي مما قادنا إلى الوضع المأساوي الذي نحن فيه. وعرض لتجربة عمان ذات التركيبة المذهبية والقبلية والمناطقية المتعددة، وكيفية المحافظة وتعزيز الهوية الوطنية العمانية الجامعة، وتمتع عمان بسلم أهلي حقيقي بعد تجربة الصراعات والخلافات العميقة. كما رد على سؤال حول كيفية تغلب عمان على أزمة الربيع العربي التي شهدتها، بالقول «انها تكمن في الحكمة في معالجة الأزمة وليس انكارها وفتح المجال للاعلام الالكتروني لعرضها». الإعلامية جيزيل خوري المعروفة ببرامجها الحوارية المثيرة في الـ بي.بي.سي وقبلها العربية، عرضت لتجربة لبنان في تشخيص الهوية الوطنية لصالح الهويات الدينية والمذهبية والتي أدت الى تقسيم فعلي للبنان، لكن ذلك لم يؤد لا للسلم ولا الهدنة، بل انفجرت الصراعات داخل الكانتونات وفيما بين أتباع المذهب الواحد أو التيار السياسي الواحد. فكان لابد من العودة إلى الواقعية، والتعايش فيما بين المختلفين ولو أن ذلك لا يضع حدا لإمكانية تجدد الصراع أو خلق وتعزيز هوية وطنية جامعة ووطن موحد، كما تشهد به أزمة لبنان الحالية، وعرضت جزيل رؤيتها للخروج من المأزق الذي تعيشه البلدان والشعوب العربية في اعتماد الشراكة الأهلية على قاعدة الديمقراطية والمواطنة المتساوية والتي هي ضمانه السلم الأهلي.

علي الشعيبي عرض لمفارقات الواقع العربي وخصوصا الخليجي مشبها الإعلام بالغانية التي يطلبها الجميع وينكرها الجميع. وعرض لانفصال ما يريده المشاهد وما يقدم له، وخطاب غسيل الدفاع، وما تقدمة الفضائيات من مسلسلات تاريخية ومعاصرة تحض على العنف وخصوصا في أوساط الشباب، وفضائيات بث الفرقة والكراهية والتي هي من يروج للحركات والاتجاهات التكفيرية. بما في ذلك الفضائيات التي تمظهر بمظهر الاعتدال حيث ان صياغتها الخبرية مهم في بث الكراهية والتحريض الطائفي وأكد أن الإعلام العربي هو انعكاس لتوزيع السلطة السياسية والمالية خلافا للاعلام في الدول الديمقراطية الذي هو انعكاس للتنوع المجتمعي. وأثناء النقاش طرحت قضايا مهمة. فقد طرح البعض ضرورة المزيد من القوانين للجم الإعلام وضبطه، فيما ردت جيزيل خوري «ان القوانين لا تفيد كثيرا وخصوصا مع التطور المتسارع للاعلام وتخلف التشريع العربي»، ولكن المطلوب هو رقابة مجتمعية من مجتمع راشد، وضرورة استقلالية أجهزة الإعلام وعدم تبعيتها أو استخدامها من قبل الدولة. كررالبعض اطروحات أضحت معروفة مثل هجاء الربيع العربي، ومسئوليته عن كل كوارثنا، وتجريم الشباب المبادرين بالربيع العربي وسوق أخطر الاتهامات بحقهم كونهم عملاء أو مضللين أو يتبعون أجندات خارجية.

وقد طرحت رؤيتي ان الربيع العربي شكل فرصة لخروج العرب من المأزق الذي هم فيه، لكن أطرافا داخلية وإقليمية ودولية حرفته عن مسيرته السلمية الإصلاحية إلى العنف والذي تطور لحروب أهلية، لكنه وحينما كانت النخب السياسية واعية، فقد تم العبور الآمن الى مرحلة التحول الديمقراطي كما في تونس أو إدخال إصلاحات كما في المغرب، أو الاستجابة للمطالب كما في عمان لكنه وللأسف فإن باقي الأنظمة العربية لم تستجب لمطالب شعوبها ووصمتهم بالخيانة والانقلابية وغيرها ونحن نعرف النتيجة وهو استمرار الأزمة، وبالنسبة لإصلاح الإعلام العربي فإنه لا يمكن إلا من ضمن الإصلاح الجذري والشامل للنظام السياسي. الإعلامية جيزيل خوري أيدت ما طرحته وأسهبت في ضرورة الإصلاحات المطلوبة، قضايا كثيرة طرحت ولكن للأسف دون تركيز، وفي كثير من الأحيان بعيدا عن الموضوع الأصلي وهو الإعلام والسلم الأهلي. وعلى أية حال فالمنتدى على علاته مفيد، وآمل ان تتم الاستفادة من نتائج الاستبيان الذي وزع على الحاضرين، كما آمل أن يكون المنظمون أكثر رحابة في دعوة ممثلين عن مختلف الاطياف والاتجاهات والاختصاصات.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4823 - الجمعة 20 نوفمبر 2015م الموافق 07 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً