العدد 4830 - الجمعة 27 نوفمبر 2015م الموافق 14 صفر 1437هـ

لقاء الساعتين في طهران... بوتين/ خامنئي

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إيران قبل أيام. كان كل شيء لافتاً في هذه الزيارة. طائرة الرئيس هبطت في مطار مهرآباد وليس في مطار الإمام الخميني. وربما هي العادة في الزيارات الرسمية. فمهرآباد يقع في قلب العاصمة طهران، أما مطار الإمام الخميني فيقع خارج أسوارها بأربعين دقيقة تقريباً. فاقتضت الضرورة الأمنية أن يكون مهبط طائرة بوتين في المطار الأول وليس الثاني.

عندما نزل بوتين من سُلَّم الطائرة، كان في استقباله وزير الاتصالات والتقنية والمعلومات الإيراني محمود واعظي وليس رئيس الجمهورية ولا نائبه. فوفقاً للبروتوكول الإيراني، فإن الرئيس لا يستقبل نظراءه في المطار، وإنما في القصر الجمهوري بشارع فلسطين وبمراسيم عسكرية، حيث يُعزفُ نشيدا البلدين. وهو نظام تعمل به العديد من الدول بينها روسيا نفسها وتركيا وسورية وغيرها.

لم يذهب بوتين إلى قاعة التشريفات في المطار، بل استقلّ سيارة مرسيدس سوداء مصفحة وذات اتساع طولي جُلِبَت من موسكو خصيصاً، ولم يعتمد على سيارة الرئاسة الإيرانية. وهي ذات السيارة التي استعملها بوتين خلال زيارته إلى تركيا في شهر ديسمبر/ كانون الاول الماضي. بينما شقَّ وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف طريقه إلى القاعة بانتظار موكب آخر منفصل عن بوتين.

وعلى غير المعتاد، لم يذهب بوتين إلى مقر الرئيس الإيراني حسن روحاني بالقصر الجمهوري، بل توجَّه مباشرة إلى مقر المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي. وهو أمر لم يُلحَظْ من قبل أن قام به رئيس دولة في زيارته لإيران. والذي ظهر من التسريبات أن الجانب الروسي هو مَنْ طلب من الإيرانيين هذا الترتيب. فبوتين لديه اجتماع بعد يوم واحد مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني. لذلك كان عليه أن يلتقي المرشد ويحضر اجتماعات منتدى الغاز بمعية روحاني ثم يغادر مسرعاً.

عندما دخل بوتين إلى مقر المرشد كان برفقته نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانكيري وليس الرئيس حسن روحاني. والسبب أن الأخير كان مشغولاً في استقبال عدد من رؤساء ومسئولي الدول المشاركين في منتدى منظمة الدول المصدرة للغاز وعددها 12 بلداً، كنيجيريا وفنزيلا والجزائر وبوليفيا ومصر وغينيا الاستوائية وليبيا والإمارات العربية المتحدة.

صورة الاجتماع كان فيها مظهران. الأول هو مُدَّته الطويلة، حيث استمر لساعتين ونصف الساعة، وهو أطول مُدَّة لاجتماع يعقده المرشد مع ضيف خارجي على الإطلاق. وزاد وقت هذا اللقاء عن لقائه من قبل مع رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي والذي استمر لأربعين دقيقة، وحتى اجتماعه في وقت أسبق بالرئيس السوري بشار الأسد عندما زار إيران قبل سنوات.

الأمر الثاني هو الصندوق الأخضر الذي جاء به بوتين من موسكو، وفيه واحدة من أقدم نسخ القرآن الكريم المخطوطة كإهداء منه إلى إيران. ومن المعلوم أن روسيا التي يتجاوز عدد المسلمين فيها الـ 20 مليوناً والمساجد عن الـ 7 آلاف، تضم إرثاً إسلامياً مهماً في متاحفها منذ قرون. ومن المعلوم أن الشأن الإسلامي المؤسساتي قد تم إنشاؤه عملياً في سبتمبر/ أيلول 1788م على يد الملكة كاترين الكبرى.

أما الحديث عن حقيقة اللقاء فإني أستعير ما قاله مستشار المرشد للشئون الدولية علي أكبر ولايتي، بأن الاجتماع الذي عُقِد بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمرشد الأعلى آية الله علي الخامنئي في طهران هو «أهم لقاء في تاريخ السياسة الخارجية الايرانية». مضيفاً «خلال 16 عاماً من تقلّدي منصب وزير الخارجية، وكذلك 18 عاماً كمستشار للمرشد، فإنني لم أرَ لقاء بهذه الأهمية».

بالتأكيد، لا أحد يعلم ما يُخفيه ولايتي عن ذلك اللقاء، ولا عن حقيقة ما دار فيه غير ما قيل من بحث «للعلاقات الإستراتيجية الثنائية بين البلدين، وآخر مستجدات الأحداث في المنطقة والعالم»، كما هي العادة في الأخبار الرسمية، إلاَّ أن اللحظة وأطرافها وظروفها تفرض على القارئ أن يتنبأ أن اللقاء ذا الساعتين والنصف قد تطرق لأمور مفصلية، وبالتحديد الفرز القائم في المنطقة ومراكز القوى فيه، وأزمة سورية، وقضايا الإرهاب المتعددة.

الروس استبقوا الزيارة بإجراءين اثنين لا يمكن وصفهما إلاَّ بالنوعيَّيْن مع الجانب الإيراني، جعلت خامنئي يصف الرئيس الروسي فلايديمر بوتين بالشخصية المرموقة في العالم المعاصر. الأمر الأول: بدء موسكو إجراءات تسليم وزارة الدفاع والقيادة المشتركة للأركان الإيرانية منظومة صواريخ إس 300، بالتزامن مع بدء عسكريين إيرانيين «بتلقي دورة تدريبية على استخدام هذه المنظومة الصاروخية في روسيا»، رغم أن الموعد المضروب كان نهاية شهر ديسمبر المقبل.

الأمر الثاني هو قيام بوتين بإصدار مرسوم رئاسي قضى بموجبه رفع الحظر على بيع «إيران وتسليمها تجهيزات تكنولوجية تتعلق» ببرنامجها «النووي» وبالتحديد معدات تجهيز منشأتَيْ فوردو وأراك، بالإضافة إلى «استيراد اليورانيوم المخصب من إيران، بكمية تفوق 300 كلغ، مقابل تسليم إيرات اليورانيوم الطبيعي». وهما إجراءان يُعزِّزان من قوة إيران على المستوى الاستراتيجي.

في محصلة الزيارة بدا أن هناك وحدة اتجاه سياسي أو تكاد بين موسكو وطهران، تشكلت على وقع أزمات المنطقة المستعرة. والروس على ما أعتقد يسرعون الخطى لتصويب منهج سياسي اتبعوه مع الإيرانيين إلى ما قبل أزمة أوكرانيا، تمثل في مقايضاتهم مع الغرب: نقف معكم في ملف إيران النووي والعسكري وتقفون معنا في أمن المنطقتين الجنوبية والغربية لروسيا. لكن الذي ظهر أن الولايات المتحدة الأميركية بالتحديد استمرت في مساعيها لتقويض دور روسيا في البلطيق ومحيط البحر الأسود، ما دفع الروس لأن يعيدوا حساباتهم في العلاقة مع الإيرانيين.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4830 - الجمعة 27 نوفمبر 2015م الموافق 14 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 4:35 ص

      روسيا اليوم

      ارتفعت روسيا وكبرت شانها والكل ذهب الى زوسيا لنووي وغير النووي بعما كانت امريكه هي الاولى في العالم حتى بعض الدول الخليجيه اخذت تحذو حذو ايران وكله بسبب ايران

    • زائر 10 | 2:55 ص

      هذ الاجتماع أثار غضب الامريكان واذنابهم

      فأرادو الوقيعه بالروس فأوقعو أنفسهم بتحريضهم الاتراك بالتحجج بالروس للنيل منهم

    • زائر 8 | 1:27 ص

      صباح الخير

      ماشاء الله تبارك وتعالى عليك فعلا تحليل فني في الواقع ومتميز وأضيف أن الإيرانيين لربما قبل الرؤس رؤى مصداقية الآخر الأمريكان غدارون ويتخلوا عن شركائهم في اللحظات الأخيرة الحريه وليس جادون ناهيك هم من يخطط ويدعم ويصرح وفي نفس الوقت يعمل على أكثر من محور لإبعاد الشبهات عنه

    • زائر 9 زائر 8 | 2:01 ص

      روسيا و ايران تجديد العهود

      اعتقد بأن هذه الزيارة اعادت للروس ذكرى رسالة الامام الخميني (قدس سره) لغورباتشوف و ما تضمنته من تغيرات اثرت كثيراً على مستقبل روسيا.

    • زائر 7 | 1:13 ص

      رائع استاذ

      تفصيل وتحليل رائع وقراءة موضوعية
      نتمنى لكم التوفيق والسداد

    • زائر 6 | 12:44 ص

      المقالات الرقمية هذا دأب الاخ محمد

      وبالارقام التي لا يلتفت اليها الكثيرين ، هذا ما يمييز الوسط عن غيرها ، شكرا جزيلا لكتاب الوسط دمتم لاثراء الوطن والوطنيين .

    • زائر 5 | 12:39 ص

      مقال اكثر من رائع

      أحسنت أبو عبد الله على هذا المقال والتحليل وهذا يدل على ثراء معلوماتي واحاطة ممتازة بملفات المنطقة

    • زائر 4 | 12:30 ص

      ما وصلت إليه العلاقات الايرانية الروسية هو بعد هذا السيناريو:

      (((والروس على ما أعتقد يسرعون الخطى لتصويب منهج سياسي اتبعوه مع الإيرانيين إلى ما قبل أزمة أوكرانيا، تمثل في مقايضاتهم مع الغرب: نقف معكم في ملف إيران النووي والعسكري وتقفون معنا في أمن المنطقتين الجنوبية والغربية لروسيا. لكن الذي ظهر أن الولايات المتحدة الأميركية بالتحديد استمرت في مساعيها لتقويض دور روسيا في البلطيق ومحيط البحر الأسود، ما دفع الروس لأن يعيدوا حساباتهم في العلاقة مع الإيرانيين)))

    • زائر 3 | 12:27 ص

      كل الشكر للكاتب المحترم

      أغبطك على اجتهادك وموسوعيتك وقدرتك على قراءة الأحداث وتوصيفها،، أتمنى لك كل التوفيق والنجاح.

    • زائر 2 | 12:11 ص

      تحليل رائع ماشاءالله

      تحليل رائع ماشاءالله

    • زائر 1 | 10:33 م

      مقال روعة

      ماشاء الله عليك استاذ محمد مقال ثري بالمعلومات والتحليل الرصين

اقرأ ايضاً