العدد 4831 - السبت 28 نوفمبر 2015م الموافق 15 صفر 1437هـ

أمهات يعشن جحيم الوحدة مع أنانية الحضارة الهشة

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

عرفتها كالوردة المُتفتحة بالحيوية والنشاط كانت فَرِحة تريد أن تُسعد الجميع، تذهب لعملها وتضع أطفالها مع والدتها، وكانت هي المعاونٍ لها في شئون حياتها، وتأخذهم في عودتها للمنزل لتحضير الوجبات وأعمال البيت، تُجهد ليل نهار لتحقيق أحلامها في العش السعيد مع الزوج والأطفال، وكما كانت وتتخيله من الأفلام والقصص العاطفية التي كانت تراها أثناء بلوغها، تقابلنا حديثاً صدفةً، ولم أعرفها، وهي التي كانت تعتبرني كاتمة أسرارها يوماً، وبمثابة أختي الصُغرى، وأتتني مُعانقة قائلة لم تتغيري كثيراً ما هو سرك ألا زلت تمارسين الرياضة!

فرحت بها وأنا أنظر إلى ذلك الوجه الجميل، والذي ملأته التجاعيد وحَذفت منه كل تعابير السعادة والفرح، بالرغم من ضحكتها وخفة ظلها، ولازالت آثارها باقية رغم تراكم السنوات، ولم أكن لأتخيل بأن الإنسان قد يتغير بهذا القدر، من فترات شبابه الأولى، بالرغم أنها لم تتعدَّ السادسة والأربعين، فلقد ازداد وزنها وكان شعرها متناثراً ويدل على إهمالٍ مُتعمَّد أنهكه الزمن، لماذا ومتى حدث لتلك الفتاة الحلوة، أين ذهبت الأناقة والرشاقة في دواخلي؟

وبادرتها «شخبار الدنيا معاكِ»، وكأنها تنتظر ذلك السؤال بفارغ الصبر، وبادرت في إلحاحٍ واضح أريد رؤيتك رجاءً في أي وقتٍ يناسبك، وحدث ما أرادت!

وأردفت «اسمعيني الدنيا ما قصرت معاي»، كانت البداية كما تعرفين زواجي بعد قصة حُب منذ الطفولة، عشت معه أحلى الأيام في العشر السنوات الأولى، بالرغم أنني أشقى وأتعب ما بين وظيفتي والأطفال والمنزل إلا أنني كنت سعيدة وأتحمل المشقة لحبي الكبير له ولأطفالي، ولم يكن يُشاركني المهمات إلا لماماً وكنت المسئولة في كل شئوننا الحياتية، بحجة أنه يعود السادسه مساءً متعباً ولاوقت إلا للراحة وللخروج مع أصدقائه أو اللعب بالإلكترونيات، ورضيت بحالي وقدري مع أعبائي وبسبب مشاعر الأمومة المتناهية والتي أعطيتها كل وقتي، أهملت فيها نفسي وشكلي وأصدقائي، وفجأة ترك لي الأطفال والجَمل بما حمل وغادر المنزل، حافظ هو على شبابه وهرمت أنا من كثرة المسئوليات!

رحل وترك المنزل مع زوجة خليجية أصغر سناً، وترك لي أطفالاً صغاراً يحتاجون للكثير من الحب والرعاية ودون أن يراجع نفسه، ولربما كان ذلك أحد أسباب فراقنا وبُعدنا عن بعضنا البعض لعدم وجود الشيء المشترك بيننا، كان أنانياً يحب نفسه فقط، ولم يشكل الأطفال أي جزءٍ من اهتماماته، فماتت العلاقة، وأما السبب الآخر هو السكوت عليه لعدم إشراكه في الرعاية الأسرية وإهماله، وبذا أعطيته الفرصة للاهتمام بنفسه وتجسيد أنانيته ونرجسيته والتمتع وبزواجه بأخرى.

يبدو أن الرجال في مجتمعاتنا تعتمد تربيتهم على الاتكالية، فالأم تضحي وتدلل الأبناء ويغدون بعدها أزواجاً مدللين وفاشلين ولا يعرفون تحمل المسئولية. تململت في جلستها وتكلمت بحسرة واضحة، نسيت هجرانه وخيانته لحياتنا وتربيتهم بمفردي على أمل أن يعوضني أطفالي بحبهم عن شقائي وتعبي؛ ولكن لقد تغيروا كثيراً بعد أن كبروا وانشغلوا بدراستهم واهتماماتهم، وخاصةً مع الأصحاب والإلكترونيات، باتوا أغراباً عني، وازداد عنادهم وقلة أدبهم لكل ما أقول، مع رفضهم لمجتمعنا وحبهم للعيش في الخارج (كان تعليمهم في المدارس الأجنبية) مع الأسف. وجاءتني الصدمة الأولى، تزوجت الكبرى أجنبياً ودون رضاي أثناء دراستها في الخارج، وأنجبت ولا نعرف عنوانها لرؤيتها أو الأحفاد، والأخرى ذهبت للعمل في إحدى دول الخليج ولا تنوي العودة، وابني يريد الهجرة إلى كندا لأنه دون عمل منذ تخرجه.

لم تنزل دموعها وهي تُحدثني عن ترك حبيب حياتها لها؛ ولكنها بكت حينما ذكرت بُعد أطفالها وأضافت، فبعد أن أعطيتهم عُصارة قلبي وتقاعدت للعناية بهم لم يبقَ لي شيءٌ لأتسلى به، وكل خوفي أن أعيش وأموت وحيدة بين جدران المنزل، ولم أصدق حكايات كأفلام الخيال، وأصبت بالذهول أو لم أعرف كيف أواسيها، وإذ أتساءل: أي حياةٍ نعيش ولماذا تتعذب الأمهات بغريزة الأمومة هذه إلى هذا الحد، وما هو الذنب الذي اقترفته لتستحق عليه كل هذا النكران لأمومتها من الجميع، بدءاً بهجران زوجها ورحيل أطفالها

أم أنها سُنَةُ الحياة، وليست هي المقصودة فيما يحدث بل إن الواقع هو الذي يفرض كل ما حدث في حياتها، وإن الأبناء في خضم حياتهم وطموحاتهم تنسيهم أنانيتهم واجباتهم ومسئولياتهم، ويبدو أن الله سخرها لتكون بتضحياتها ذلك الوعاء الذي يحتوي الجميع لتحقيق أهدافهم، وأن تنكر ذاتها ثمناً لإسعادهم، إن الحياة ليست سهلة، ومن وراء التجارب الإنسانية نسعى لتحقيق ما نريد ونأمل ولكن يجب أن تكون بذكاء مدروس مع عزيمة وإصرار.

وعلى المرأة أن تعي بأن لا تُعطي على حساب كيانها وذاتها، وأن تتشبث بحقوقها كإنسانة، وأن تكبت وتخفف من عاطفة أمومتها بأن تُقوي نفسها ببعض الأنانية، وتشغل نفسها بما يفيدها ومع صداقاتٍ تفضفض من خلالها وتسعد كيانها بما تحبه، وأن لا ترضى بالعيش بالذُل والإحباط مهما حدث، فلا يوجد من يستحق الموت أو التضحية لأجله، ومع كل هذا وذاك فلا تنزعجوا يا نساء العالم أجمع فالجنة تحت أقدام الأمهات.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 4831 - السبت 28 نوفمبر 2015م الموافق 15 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 12:01 م

      الحياة تعلمنا يومياً

      انا من عانيت كثيرا من اهمال زوجي للبيت والااطفال واخيرا تزوج وانجب من اخرى وهجر كل حياتنا وكبر الاولاد وتركوني وحيده كانك تقرأين حياتي ياليتني عرفت ذلك قبلاً ولكنني سابداء من جديد لقد قويت عزيمتي وفتحت افاق حياتي فشكراً لك يادكتوره ياعزيزه وغاليه عتدي

    • زائر 5 | 8:08 ص

      مقال رائع

      مقال رائع كالعادة وكما عودتينا ان نقاوم وان نبقى والرجال مدللون بحكم التربيه وتفضيل امهاتنا الاولاد على البنات هى مشكله ازليه ولكن مع الوعي وشطارة النساء ستتغير الاشياء وتستقر شكراً للتوعيه العالية

    • زائر 3 | 2:30 ص

      أن لم يكن الزوج غير مؤهل ان يكون أب

      من المفترض على المرأة ان تنجب من رجل لا يستحق أن يكون أب والعكس .. تملل غالبية الرجال ........ عندنا في البحرين فقط .. من المرأة بعد مرور عام او عامين .. نحن بحاجة الى ثقافة اسرية قبل الزواج وتحديد المسئولية كتابيا بضوابط تحمل المسئولية المشتركة قبل وبعد التفكير او قرار الطلاق .. و..

    • زائر 2 | 1:21 ص

      دائما تعجبني مقالاتك وافكارك

      مقالاتك دائما مفيدة وتوعّي النساء والمربيات ... لازلت اذكر مقالك عندما اصابني اكتئاب ما بعد الولادة اللي تمثلت اعراضه في عدم رغبتي في العمل خوفا على طفلي ومن سيراعيه. والان هذا المقال في الصميم لكي لا يفنى عمري وشبابي مع التربية والمسئوليات .. لذلك سأذهب الى الصالون وادلل نفسي قليلا .. يدي ورجلي تحتاجان الى مني كير وبدي كير ومساج بعد عناء شطف الحمامات وغسل الصحون وكنس المنزل وكي الملابس

    • زائر 1 | 12:59 ص

      limits

      اذا الزوج متبري من عياله ومن اي مسؤليه في البيت ومايرضه بوجود خادمه في البيت الزوجه هني بين اختيارين .. او انهه تهمل نفسهه او عيالهه او بيتهه او وظيفتهه او زوجهه مستحيل تقدر توفق بين الكل بنفسهه بدون مساعده في النهايه الزوجه انسان عنده احساس و حدود للطاقه.

اقرأ ايضاً