العدد 4833 - الإثنين 30 نوفمبر 2015م الموافق 17 صفر 1437هـ

هل يكف "الدرويش" عن الدوران؟

(قناة روسيا اليوم- 30 ديسمبر 2015) 

تحديث: 12 مايو 2017

تتوالى أصداء إسقاط أنقرة الطائرة الحربية الروسية فوق سوريا ويخيم توتر غير مسبوق على العلاقات الروسية التركية فيما يتساءل المراقبون حول الجهة التي قد تجني ثمار الحادث.

فرغم مرارة الواقعة وأثرها الثقيل في قلوب الروس وجميع المتضامنين مع روسيا في حربها على الإرهاب، لا بد وكما جرت العادة في نزالات السياسة وتصفية الحسابات من جهة تستفيد، وتحسن تسخير الحدث في تحقيق ما كان عصيا عليها، وهنا يبدو للوهلة الأولى أن المستفيد الوحيد هو الرئيس السوري بشار الأسد الذي وكأنما يريد القول لأردوغان على خلفية المستجدات الأخيرة...شكرا جزيلا على ما اقترفت يداك!

ومنه، وفي إطار الإجراءات العسكرية الجوابية التي اتخذتها موسكو وأتبعتها بعقوبات اقتصادية سيكون لها وقعها، جاء نصب صواريخ "اس-400" ليحرم تركيا من التحليق شمال سوريا ويوصد الأجواء السورية في وجه أي هدف جوي مهما كانت سرعته وارتفاعه وهويته.

روسيا بهذه الخطوة، إضافة إلى تعزيز مجموعة سفنها في شرق المتوسط تكون قد حسمت النزال، وفرضت واقعا جديدا في صالح الرئيس السوري الذي طالما تمنى ومؤيدوه قيام موسكو بعمل كهذا، فيما كان من الأجدى بأنقرة أن تدأب جاهدة على منع حدوث أي تطور من هذا النوع، وألا تستفز روسيا التي شمر بحارتها وطياروها عن سواعدهم في تحد كبير لتركيا وسائر الدول الناتوية.

وبين التبعات ذات الأهمية التي انعكست على تركيا جراء هذا التطور، انكسار شوكة أردوغان بين رفاقه في إطار الناتو، حيث تبرأوا من فعلته الواحد تلو الآخر، بل صار بعضهم كفرنسا يخلع قبعة الكاوبوي ويلتحق بالعملية الجوية الروسية غير آبه بتحالف دولي أو غضب أمريكي قد يصل بالمغضوب عليه إلى التهلكة واندلاع ثورة في بلاده قد تكون مخملية أو أورنجية أو ملونة على أدنى تقدير.

خطوة أردوغان المتسرعة لم تترك بصيص أمل لمن كانوا يعولون على أنقرة بغض النظر إن كانوا مسلحين "متشددين" أو "معتدلين" حسب التصنيفات الأمريكية، أو معارضين ووسطيين عاديين بلا سلاح يقبلون متحفظين بالتفاوض مع دمشق.

خطيئة إسقاط الطائرة الحربية الروسية والتي حيكت بخيوط براقة تظهر على ثوب السلطان، مدبرة وتم التخطيط لها بشكل مدروس ومسبق لتغيير كل مسارات التسوية في سوريا، لكن أثرها كان عكسيا، إذ ستطلق عنان القوات الحكومية السورية لتبقي هي على الجهة التي تراها معارضة تصلح أن تكون طرفا تجلس إليه دمشق وتتفاوض.

واستنادا إلى ذلك، يبدو أن الإدارة التركية لم تقدم على هذه المغامرة إلا بعد بلوغها حالة الوجد التي ينشدها الدراويش، وجد استحوذ على منطقها بعد انتهاجها سياسة إمبرالية لم تعد تلبي متطلبات المرحلة. حالة الوجد والهيام هذه كما كانت سببا للخطوة الأولى، يستمر أثرها على القيادة التركية وأردوغان الذي سارع في أعقاب الحادث إلى التصريح بصوت عال بأنه لن يعتذر لموسكو، وأن طيارها من اعتدى، ليتراجع في وقت لاحق ويعلن على الملأ أن بوتين لا يرد على اتصالاته. وأخيرا وأمام حشد غفير من المريدين، أعرب عن حزنه على ما حدث، وعبر عن أمله في أن يلتقي بوتين في قمة المناخ العالمية عل اللقاء يسفر عن امتصاص الغضب الروسي واحتواء الأزمة.

موسكو من جهتها، وكما يبدو في ظل الواقع المستجد لن تتوانى، وستقتنص هذه "الفرصة" التي دفعت ثمنها دم اثنين من عسكرييها، وسوف تستثمرها للاقتصاص من أنقرة على ما دسته من سم في جسد روسيا عندما كانت ترسل المسلحين إلى الشيشان وتذكي نار حربها.

ومن المستبعد كذلك أن يمد بوتين يد المصافحة إلى أردوغان في قمة المناخ، وإذا فعلها، فإن نهج التصعيد الروسي سيستمر وبالتوازي على جميع الحلبات، لأن الصراع الخفي طفا على السطح ولا بد من خوض غماره حتى النصر.

الصورة اتضحت، وانكشف المستور الذي طالما حاولت إدارة بوتين تجاهله تقديما للمصالح الاقتصادية مع أنقرة وأملا في أن يتبدل حال "السلطنة" وتقلع عن مؤامراتها وتتخلى عن كيدها الذي استولى عليها منذ القرن الثامن عشر وطرد العثمانيين من القرم وضمه إلى روسيا القيصرية بموجب اتفاق مهين ذيله السلطان بتوقيعه.

والسؤال، ألم يكن أردوغان بمنأى عن تطور كهذا، أم أن ما دفع به إلى التهور كان قلقه الشديد إزاء احتمال انقطاع شريان النفط المسروق الذي يغذي جيوب حشد غفير من المسؤولين الأتراك بمن فيهم المقربون استنادا إلى أدلة دامغة أبرزتها روسيا؟

وما بوسعه بعد اليوم أن يقول لمريديه وعشاق نهجه وتياره الداعم لثورة "إسلامية" في سوريا امتطاها شذاذ الأفق وأكلة القلوب والسفاحون، وماذا سيفعل بطيرانه الحربي الذي لن يقوى بعد الآن ولو على الاقتراب من شمال سوريا؟

طيران أنقرة سيقلع عن استباحة مروحيات الجيش السوري فوق الحدود ولن يفلح في منعها من اصطياد "الداعشيين" وتدمير قوافلهم، التي أظهرت الأقمار الاصطناعية الروسية أنها أطول من قوافل الحج التي كانت تعبر الشام من القوقاز إلى الحجاز.

ويبقى السؤال الذي يحير الخبراء ويدهش السياسيين في جميع أنحاء المعمورة بين مريدين ورافضين، ما الذي حمل أردوغان على ارتكاب هذه الخطيئة الانتحارية، وكيف سيسوغ لمريديه هزيمته السياسية النكراء هذه، وماذا سيكون جوابه حينما سيسألونه ما الذي يميز فعلتك عما اقترفته براقش يا سيادة الرئيس؟

صفوان أبو حلا 





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً