العدد 4837 - الجمعة 04 ديسمبر 2015م الموافق 21 صفر 1437هـ

في النقد «المنقوص»

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

مثيرة وغنية، الندوة التي بحثت واقع وأحوال النقد في مملكة البحرين، تلك التي نظَّمتها صحيفة «الوسط»، من خلال ملحقها الأسبوعي «فضاءات». ما قُدِّم من أوراق في الندوة، وكذلك المداخلات، أعطت مؤشرات وقراءات لجوانب مهمة في واقع الساحة الإبداعية هنا. ما لم تُعْطه، أو تعمل على إضاءته - ربما لأن المنتدى لم يتضمن في مناقشاته ومحاوره ما أنا بصدد تناوله - هو الانطلاق من حقيقة أن الدرس الأول الذي يبدأ به النقد هو الواقع، والأعمال الإبداعية عموماً؛ أو حتى تلك التي هي على مقربة منها، لا تخلو في صورة من صورها، أو تناول من تناولاتها من ذلك الواقع، باعتباره مرآة؛ ليس بالضرورة أن تكون ناقلة بشكل حرفي أو فوتوغرافي، ضمن أساليب خرجت على ذلك النمط من التناول، فيما نشهد من تحولات وقفزات طرأت على الألوان الإبداعية، وحتى على طرق نقدها وتناولها.

الشاهد هنا، هو أن النقد نفسه لا يمكن أن يكون على متاخمة مع تلك الأعمال، من حيث ارتباطها ومعالجتها للواقع القائم، في ظل موانع وسواتر وحواجز، لا تريد لمثل ذلك النقد أن يقربها؛ لأنه سيكون بذلك مقترباً؛ إن لم يكن مباشراً في تشريحه ونقده وفضحه للواقع.

هل نحن إزاء ما يُمكن أن نطلقَ عليه «النقد المنقوص»؟ المنقوص من جهتين: جهة اختزال النقد في الأدب وحده، وجهة نأيه عن المباشرة في تقديم الأعمال التي تشرِّح وتتناول الواقع بكل ظواهره وإشكالاته وأمراضه؛ بحكم الموانع والسواتر والحواجز التي أشرنا إليها.

أمر آخر لا أعتقد أنه غائب عن المعنيين والمشتغلين في هذا المجال يرتبط بإغراق ذلك النقد - لأقُلْ تورَّطه - في منهجيات كثيراً ما تكون في وادٍ، والأعمال التي يُراد قراءتها أو دراستها، في وادٍ آخر. يرتبط بذلك أيضاً، أن بعض المنهجيات تلك هي على مبعدة - بتأسيسها ومرامي تأسيسها، والتحديث الذي يطرأ عليها - من واقع الأعمال، والحمولات والقيم التي تقدِّمها، وإن ظلَّ المشترك الإنساني غالباً، إلا أنه لا يعني بالضرورة قدرة أو تمكُّن تلك المنهجيات من أن تكون نماذج لتناول تلك الأعمال والواقع الذي وُجدت وبرزت فيه.

أشرت في كتابة/ ترجمة سابقة، إلى نمط إبداعي/ فني (الفن التشكيلي/ التركيبي)، يمارس النقدَ بالحمولات التي يُقدِّمها بشكل بصري، في تناول لتجربة الفنان الأميركي من أصل إفريقي، راشد جونسون، بمناسبة العرض الفني الشخصي الأول له، والذي حمل عنوان «رجال قلقون»، ذلك الذي يستكشف فيه مادية المواد التي يستخدمها في أعماله للتحقُّق من بناء الهوية؛ سواء في الجانب البصري أو المفاهيمي. مثل ذلك الفن، وكذلك النقد المصاحب له - للذين يتابعون حركته عبر الملاحق الثقافية في الصحف العالمية الكبرى، والمجلات المتخصصة - ليس بالضرورة صالحاً لإضاءة أعمال في الجزء الآخر من العالم، بحكم أنهما (الفن/ النقد) يتحركان ضمن فضاء مفتوح من حرية التناول والمعالجة؛ فيما الصورة في عالمنا على النقيض تماماً!

علَّها فرصة لتنظيم منتدى يصبُّ جهوده وتركيزه على هذا الجانب مستقبلاً.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4837 - الجمعة 04 ديسمبر 2015م الموافق 21 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً