العدد 4838 - السبت 05 ديسمبر 2015م الموافق 22 صفر 1437هـ

«داعش»... والغرب

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

قررت عدة حكومات قرع طبول الحرب على تنظيم «داعش» لدحره وردع خطره الذي أصبح يطال الجميع. الغرب والشرق يتحدثان بلسان واحد على اعتبار أن هذا التنظيم يسعى إلى دمار البلدان وهلاك الشعوب.

تسعى عدد من الدول الكبرى (أميركا، روسيا، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، كندا، استراليا، إلخ) إلى القضاء على التنظيم الإرهابي عسكرياً، لأنه بات يهدد أمن واستقرار كل بلد وكل عاصمة وكل مدينة في أنحاء العالم.

ولكن هناك أمر مهم، وهو أن مكافحة التنظيم عسكرياً ليست حلاً دائماً، لأن الفكر الذي ولد التنظيم مستمر في ضخ الأفكار التي تحث الشباب على انتهاج التطرف والقتل، وهذه الأفكار تتوسع بين الشباب وتنتشر هنا وهناك وهي تستند على نمط من التفكير ينمي الكراهية والقتل باسم الدين. وهنا استوقفني حديث لمسلمة من أصل أوروبي في لندن، ترعرعت في دولة خليجية ودرست في مدارس عربية.

وقد أسلمت رغم أصولها المسيحية ولم يمنعها والداها اللذين مازالا يعيشان في هذه الدولة الخليجية وعمّدا أبناءهم في الكنيسة. قالت إنها تعلمت أركان الإسلام على كبر وهي ترى أنها مسلمة، وخليجية المنشأ، وليست مسيحية، رغم أنها تسمع مراراً من مسلمين قريبين منها بأن المسيحيين والشيعة «كفرة»، ولكنها لا تقبل بذلك لأنهم ليسوا كذلك.

مثل هذا الكلام قد نسمعه مراراً وهو للأسف يشوه من صورة الإسلام، والقصة هنا لا تدور حول من هو المؤمن ومن هو الكافر. فالمسألة ترجع إلى الفرد نفسه في مسألة فيما يريد اعتناقه، وهو الأمر الذي كان سهلاً على هذه الأوروبية التي ترعرعت في أسرة تحترم خيارات الفرد. ولكن الأمر تغير في كيف تنظر هذه المرأة للأمر بعدما أصبحت مسلمة متأثرة بخطاب يفرق بين الناس على أساس الدين والمذهب، ومن الممكن أن يدفع الشباب نحو التطرف والإرهاب.

وللأسف فإن العقلية المعاشة في بعض مجتمعاتنا تحولت إلى تناحر يؤدي في النهاية إلى تخريب النسيج المجتمعي، ويدفع إلى استخدام القتل وكل ماهو بشع ويؤدي إلى وأد التسامح واستغلال حالة الضياع والاضمحلال السياسي داخل البلدان العربية، الغنية والفقيرة منها، وذلك في نشر مفاهيم خاطئة تحرض على القتل وتحث على الكراهية.

يحدث ذلك أيضاً بسبب انتشار مظاهر القمع لكل مختلف في الرأي أو الفكر حتى بات الأمر عادياً عند شريحة من الشباب - الذي يرى في هذه الأفكار ملاذاً لهويته الضائعة أو مواطنته الغائبة - وهؤلاء الشباب أصبحوا وقوداً لمشروع سياسة الموت يبعدهم عن مطالب الناس الحقيقية المتمثلة في إقامة العدل واحترام الحقوق الفردية والجماعية.

ليست هناك أية محاولة لتبرئة ما تقوم به «داعش»، أو البحث لها عن مبررات نصوصية أو أخلاقية لكنها بكل تأكيد قد ملأت الفراغ العام الذي انسحبت منه شعوب المنطقة بعد فقدان توازنها وضمان حقها في الممارسة السياسية.

من هنا جاء إرهاب «داعش» ليفرض قواعد لعبة أخرى، ولكنها لعبة تساهم في قمع حق الشعوب في الحرية والكرامة، وتضييع كل ما حققه شباب المنطقة في الربيع العربي، وإشاعة العبث لردع الناس من المطالبة بحقوقهم مرة أخرى. لقد استخدمت التنظيمات الإرهابية الدين الإسلامي والطائفية من أجل تبرير عودة الاستبداد، لأن الكثير من الناس أصبحوا يفضلون أمن الدكتاتورية على الفوضى والعبث وسفك الدماء باسم الدين.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 4838 - السبت 05 ديسمبر 2015م الموافق 22 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:08 ص

      داعش سلاح غربي يستخدم لمآرب كثيرة

      سلاح داعش الذي انشأته امريكا والغرب بالتعاون مع دول عربية... لحاجة في نفس يعقوب .
      لكن ليس كل ما يخطّط له يمكن السيطرة عليه فربما خرج السلاح عن سيطرة صاحبه وربما كان السبب في هلاكه وهذا ما سيحصل باذن الله سيهلك من انشأ داعش ومن دعمها

    • زائر 3 زائر 2 | 1:38 ص

      لمن لا يعرف في السياسه

      داعش لعبه سياسيه أدواتها وأسرارها غربيه وميدانها الوطن العربي ولاعبيها أمريكا والغرب وغرضها الالتفا على الثورات العربيه وكبح جماحها للحفاظ على مصالح اسرائيل والغرب.

    • زائر 1 | 10:47 م

      ليس داعش

      كلام مهم ويجب ان نذهب الى ان نبحث في التعليم الذي سمح بان ينشأ فكر داعش او التطرّف الديني في عقول بعض البشر انه النظام التعليمي الذي يسمح بتكوين الفكر اللاعقلاني الذي يسمح للتطرف بالتغلغل فيه ، آن لنا استخدامه بالتعاون مع اليونسكو ودعم الدول الكبرى لكي تبتعد قواعد التعليم عندنا عن الغيبيات والاتجاه نحو العقلانية لان ديموقراطية مع جهل ستقود الى ارهاب فكر ديني متخلف

اقرأ ايضاً