العدد 4869 - الثلثاء 05 يناير 2016م الموافق 25 ربيع الاول 1437هـ

لوحة الأمنيات

هناء بوحجي comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

يبدأ ابني عامه الجديد بلوحة يكتب ويرسم عليها ما يتمنَّى أن يحقّقه خلال العام، ولبعض الأماني يلصق صوراً تعبّر عنها، ويضع لوحته تلك في المكان الذي لابد من أن يقضي بعض الوقت أمامه يوميّاً في غرفته؛ كي لا تغيب أمنياته عن عينه في زحمة وتشابك الانشغالات، وليُبقي على مغناطيس «قانون الجذب» فعّالاً، كما يقول الكاتب البرازيلي باولو كويلو في روايته المشهورة «الخيميائي»: «عندما تنوي عمل شيء، يتآمر الكون من حولك من أجلك لتحقيقه».

وليس «قانون الجذب» سوى ذلك العزم الداخلي الذي يعرّف الهدف جيداً، ويجنّد الحواس لتبحث عن وسائل تحقيق ذلك الهدف الذي نحدده، ويبرز إلى حيزها كل ما يوصّلنا إليه. ويزداد الهدف وضوحاً كلما كان العزم قويّاً وتتضاءل أهمية كل ما سواه، وتبهت على صفحة اهتمامنا وأولوياتنا.

تحديد الهدف والبدء بالعمل على تحقيقه ليس مرتبطاً بالتقويم الميلادي أو أي من الأشهر والأيام فيه، وإنما هي الحاجة التي تدفع به إلى حيّز الاهتمام وتحدد وقت البدء فيه، والسرعة التي يجب أن يتم بها تنفيذه. ولذلك لا يرى الكثيرون في الاهتمام والاحتفال بـ«رأس السنة» أي معنى، ويرون تاريخ قلب آخر صفحة في تقويم العام المنقضي هو تاريخ اعتيادي لا يستحق التوقف عنده، كما لا يرون في أي تواريخ أخرى، جرت عادات البعض على الاحتفال بها كيوم الميلاد ويوم الأسرة ويوم الأم ويوم الحب وغيرها، أي معنى يستحق الاحتفاء أو الاحتفال أو حتى التوقف، وبذل بعض الوقت من أجل مراجعة سريعة لمعنى المناسبة في حياتهم أو حياة من تربطهم بهم معان ذات علاقة بهذا اليوم. وهؤلاء مختلفون عن ذوي وجهات النظر «الدينية» التي ترى في الاحتفاء بالمناسبات مضيعة للوقت وتشبّهاً بأمم وأقوام «لا يجوز» التشبه بهم لأسباب مختلفة تتراوح بين التحريم وبين الخشية من أن تروق للمحتفين فيواظبون عليها مما قد «يضيّع الهوية»، وقد يوقعهم في «المكروه» أو «المحرّم».

وبعيداً عن وجهات النظر المختلفة في الاحتفاء بالتواريخ ومناسباتها، وبعيداً عن ارتباط مناسبة «الأعوام الجديدة» بذكرى مولد سيدنا عيسى، رسول الديانة المسيحية إلى الأرض؛ فإن التقويم الميلادي بوحداته الزمنية اعتمدته البشرية للقياس لما قبل هذا التاريخ وما بعده حتى يومنا هذا. وأصبحت الأعوام الميلادية هي المتغيّر الزمني «الثابت» المعتمد الذي تقاس في مقابله كل المتغّيرات الأخرى التي تمر بنا، وبالعالم من حولنا، وهو وسيلة توثيق أحداث هذه المتغيرات التي تصنع التاريخ. وهذا لا ينفي، بأي شكل من الأشكال، الأهمية الروحانية للتقويمات الدينية في نفوس معتنقيها، ولا ينتقص شيئاً من مكانة التقويمات التراثية المختلفة لدى شعوبها.

وعلى رغم أن من المنطقي ألا ترتبط الخطط والمشاريع ببدايات الأعوام وخصوصاً في تلك المشروعات المستدامة التي وضعت منذ زمن وتتم متابعتها والتعديل عليها وفق المتغيرات المؤثرة فيها، والأمر مشابه للأفراد الذين تسير حياتهم باستقرار مريح، فإن لنقطة البداية بشكل مطلق بين زمنين، وليس بالضرورة أن تكون بداية العام، أكثر من المعنى الشكلي الاحتفائي. فهي تعني انتهاء مرحلة والشروع في دخول مرحلة أخرى. ونقطة البداية لا تعني شيئاً إذا لم يتم التوقف عندها، وإلقاء نظرة إلى الخلف على ما مضى من أحداث، وماذا نود أن نجلبه معنا للمرحلة التالية، ونعزز وجوده ونواصل فيه، وما الذي علينا أن نتوقف عنده ونلغيه من أجندتنا؛ لأنه لن يتناسب مع المقبل من الأيام.

وعندما يكون الإنسان راضياً وأوضاعه مريحة تأخذ مناسباته شكلاً احتفاليّاً أكثر منه تقييميّاً، ومثله المؤسسات والحكومات والدول، بينما ينتظر بفارغ الصبر، هذه المناسبات، من يأمل تكون بدايات جديدة لوضع يأمل في تغييره إلى الأفضل.

بداية العام، هنا، هي ذريعتنا لكي نتوقف وننظر في كل الاتجاهات لنقارن بين ما حققناه وما خسرناه، ليس خلال العام الماضي فحسب، وإنما طيلة السنوات الماضية. ومقارنة الآمال التي نضعها في كل عام من هذه الأعوام بالإنجازات التي كانت تتحقق في نهاياتها، خاسرة. وبات ضروريّاً أن ننصب لوحة أمنياتنا كالتي يعلقها ابني أمامه في غرفته ولكن على مستوى وطن بأكمله، وندعو كل من يهمه أن يكون عامه سعيداً وموفقاً ومثمراً، أن يكتب أمنيته، أو يضع ملصقاً يعبر به عنها، وعلى الجميع أن يمضوا جادين مخلصين نحو تحقيق أهدافهم وأمنياتهم ليتم تفعيل «قانون الجذب» فيتآمر الكون بكامله من أجل تحقيق هذه الأهداف وهذه الأمنيات.

إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "

العدد 4869 - الثلثاء 05 يناير 2016م الموافق 25 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً