العدد 4882 - الإثنين 18 يناير 2016م الموافق 08 ربيع الثاني 1437هـ

ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

العنوان أعلاه من قول الله سبحانه وتعالى، مما يدل على ثلاثة أمور، الأول هو أن الارض المصرية أرض مباركة من الله سبحانه وتعالى، وأن من دخلها كان في أمن وأمان، وثانيها أن أرض مصر لها صلة خاصة بالنبي محمد (ص)، إذ قال في نبوءة صادقة «سيفتح الله عليكم مصر فاستوصوا بقبط مصر خيرًا فإن لي فيهم نسبًا وصهرًا»، والثالث ما قاله البابا الراحل شنوده «مصر وطن يعيش فينا وليست وطنًا نعيش فيه»، وقال البابا تواضروس متهكمًا على دعاة الفتنة «إنه لو دمرت الكنائس جميعًا فهذا أهون من قتل مصري واحد، فالكنائس يمكن إعادة بنائها أما المصري إذا قتل فإن قاتله دمر بنيان الله وقد ورد في الإنجيل «ملعون من هدم بنيان الله، أي قتل الانسان» لذلك كانت رسالة السيد المسيح هي رسالة المحبة لقوله أحبوا اعداءكم وباركوا لاعنيكم»، هل هناك تسامح ومحبة أفضل من ذلك!

إن مصر هي أرض الكثير من الأنبياء، منهم سيدنا ابراهيم و موسى وعيسى المسيح بن مريم الصديقة التي من السيدات القلائل اللائي ورد ذكرهن في القرآن الكريم صراحة أكثر من مرة، وجاء إليها يوسف وتولى أمورها المالية، أي وزير الخزانة بلغة العصر، كما عاش بها إدريس (ع) الذي قال عنه القرآن «ورفعناه مكانا عليا» (مريم: 57). كما هاجر وعاش بها الكثير من آل بيت النبي محمد (عليه أفضل الصلاة والسلام)، وأضرحة أهل البيت الأطهار منتشرة على أرض مصر، وكذلك كثير من صحابة النبي الكرام، وهي التي أخذ منها داوود أحد مزاميره المزمور رقم 103 والذي كان يترنم به، وأول من نشر مفهوم التوحيد في مصر وهو اخناتون.

ومصر أرض الصالحين والعلماء وأرض الأزهر الشريف. مصر دولة مدنية عبر العصور، وترفض المفاهيم الدينية المغلوطة والمشوهة، ولذلك تتميز الأديان التي تعتنقها سواء الإسلام أو المسيحية أو اليهودية بأمرين مهمين، أولهما الاعتدال والتسامح، وثانيهما الإيمان بأولوية الوطن والولاء له على ما عداه، وحتى وهي تحت الحكم الأموي أو العباسي أو العثماني أو غيره من الامبراطوريات التي قامت باسم الاسلام وهو منها بريء نقول إنها بلورت ذاتيتها واستقلالها وقيادتها لأمتها الاسلامية إليها، جاء صلاح الدين الايوبي الكردي الأصل ليقود المسلمين ضد الصليبين، وهم غزاة استعماريون والصليب بريء منهم، كما أن الاسلام بريء من داعش وغيرها من الجماعات التي تحمل اسم الاسلام أو اسم الله زورا وبهتانا.

فالاسلام واحد، وتعدد مذاهب علمائه وفقا لاجتهاداتهم البشرية هو تعدد في الفروع والهوامش، وليس خلافا في الأصول والجوهر، ومن هنا استمر الأزهر الشريف إلى أكثر من ألف عام، وإن شاء الله سيبقى إلى ما يشاء الله مركزا للتسامح والفكر الاسلامي المعتدل، ويجمع المسلمين من مختلف طوائفهم ومذاهبهم ليدرسوا ويعلموا الآخرين قواعد الدين وأصوله وفقهه واللغة العربية التي هي لغة القران الكريم بنص القرآن «إنّا أنزلناه قرآنًا عربيًّا» (يوسف: 2) ، ومن يفهم العربية الصحيحة يفهم الدين الاسلامي الصحيح، ومن يؤمن بمحمد رسول الله يحترم أرض الإسلام، وأرض العروبة، فالنبي عربي أصيل، وهو في الوقت نفسه الذي يؤكد ذلك ويضيف بقوله: «لا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي إلا بالتقوى». فالإسلام دين المساواة، وعدم التمييز وعدم التعصب للدول والدويلات التي سبقته؛ بل يؤكد على وحدة الأمة الإسلامية، وحدة روحية وعقائدية، وليست بالضرورة وحدة سياسية، وهذا ما لم يفهمه البعض.

في زيارتي لمصر منذ منتصف (ديسمبر/ كانون الأول 2015) لمست أنها تشهد تقدما اقتصاديا، وإنجازات سياسية، وأمناً واستقرارًا على رغم أنف الحاقدين والحاسدين الذين يعيثون في الأرض وينشرون فيها الفساد والإرهاب، والشكوك والمؤامرات، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، فيحبط مكرهم وحقدهم، ويحبط تخطيطهم، ويقي مصر وسائر بلاد العروبة والإسلام من شرورهم.

والاسلام يقوم على مبادئ فلسفية وفكرية عديدة، ومنها الإيمان بالوطن، وإعطاؤه الأولوية على ماعداه، ولهذا عندما كان النبي الكريم يستعد للهجرة إلى المدينة، نظر إلى مكة، وقال والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله، وأحب البلاد إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت، وهاجر منها فاستقبله أهل المدينة وفي المقدمة النساء وهن فوق أسطح المنازل بالأغنية المشهورة ترحيبًا به وإيمانًا بعقيدة التوحيد بقولهم:

طلع البدر علينا

من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا

ما دعا لله داع

أيها المبعوث فينا

جئت بالأمر المطاع

جئت شرفت المدينة

مرحبًا يا خير داع

هكذا استقبلت المدينة محمد بن عبدالله رسول الله (عليه أفضل الصلاة والسلام).

ومن المنطلق نفسه آوت مصر أضرحة آل البيت الأطهار وأصحاب النبي الكرام، واحتضنت الفكر الاسلامي الصحيح المتسامح والمعتدل.

لقد لمست في مصر ما ذكره ابن خلدون العلامة العربي الذي سبق عصره في التحليل السياسي والاجتماعي لنشأة الدول وانهيارها والذي قال عن مصر عندما زارها إنها «أم الدنيا» فصارت مثلا عبر العصور، وعاش ابن خلدون بمصر ودفن في أرضها الطيبة والمباركة، كما عاش الإمام محمد بن أدريس الشافعي والسيدة زينب الطاهرة بنت الامام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه وكرم الله وجهه وعليه السلام) الذي قال عنه النبي الكريم «أنا مدينة العلم وعلي بابها» ومن هنا أصبح آل البيت هم قادة الفكر الديني الصحيح وكان الامام جعفر الصادق إمام أهل السنة والشيعة، ومن بعده السيدة نفيسة وهي من الحفيدات وعاشت في عصر الإمام الشافعي، وكان الناس يلجأون اليها للفتوى وطلب العلم.

وطلب الامام الشافعي في وصيته أن تصلي عليه صلاة الجنازة كما تحكي عن ذلك الآثار، والسيدة نفيسة تسمى نفيسة العلوم لها مكانة خاصة في نفوس المصريين وكذلك ضريح الامام الحسين (رضي الله عنه وعليه السلام) والسيدة زينب التي يسميها المصريون «أم العواجز» إذ كان ومازال يلوذ بها أو بضريحها كل من له حاجة إلى الله فيدعو في ضريحها فيستجيب الله لدعوته.

إنني أسرد كل هذه الحكايات لكي أقول لمن تسول له نفسه إفساد الأمن في مصر، إن الله سيحفظها على رغم أنوفكم وعلى رغم مؤامراتكم، وعلى رغم فكركم المنحرف عن صحيح الدين والايمان بالوطن والولاء له، وحقا أكد مفهوم الايمان بالوطن العالم الشيعي اللبناني آية الله محمد مهدي شمس الدين في كتابه المشهور المعنون: «التجديد في الفكر الإسلامي»، وغيره من كبار علماء الطائفة الشيعية الكريمة، وهو ما يتوافق مع ما ذهب إليه علماء الطائفة السنية الكريمة وخاصة من الأزهر الشريف الذي جمع في حضنه الدافئ معظم المذاهب الاسلامية ماعدا المذاهب الشاذة فهذه أمرها متروك لله سبحانه وتعالى الذي شاءت إرادته استمرار الاختلاف بين الناس إلى يوم القيامة، فهم اختلفوا ومازالوا مختلفين منذ خلق الكون، وخلق آدم وحواء، إذ كان أول اختلاف بين ابني آدم، فلا عجب أن يحدث الاختلاف بين المسلمين؛ لكن الدعوة للوحدة الفكرية والعقيدية هي الأهم أما الاختلاف فهو حول المصالح الدنيوية، كما حدث مع ابني آدم وغيرهما من سلالة آدم (ع). ومن هنا عظم الله جريمة القتل للبشر أيا كانت عقيدته أو دينه أو طائفته، وأيا كانت مبررات من يقوم بذلك، ولذلك حرم الله القتل للنفس من قديم الأزل بقوله «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيْعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيْعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ» (المائدة: 32).

مرة أخرى نقول من واقع زيارتي لمصر لمست عودة الحياة إلى طبيعتها، وبدأ النشاط الاقتصادي والتواصل بين المصريين كالمعتاد والسهر بالليل، كما هو شأن أهل مصر في إحساسهم بالأمن والأمان. وهذا لا يعني أن كل شيء على ما يرام مئة في المئة، فما يحدث هو ابتلاء واختبار من الله سبحانه وتعالى، ولعقاب الفاسدين والمفسدين في الأرض الذين يقولون ما لا يفعلون ويظهرون الإسلام ويبطنون غيره كالمنافقين سواء بسواء.

هذه ملاحظاتي هي من متابعة الواقع عن مصر عندما زرتها عائدا إلى حضن الوطن الدافئ، والذي أتمنى أن يظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .هذه إجابتي لكثير من الأصدقاء الذين سألوني والذين يسألونني عن مصر، وأحوالها وأوضاعها وشعبها سيظل مدافعًا عن أرض العروبة والاسلام ومنافحًا بالعلم والفكر والثقافة واللغة؛ بل اللغات المختلفة عن الاسلام وسيظل أزهره عملاقا شامخا يطور ويجدد في فهمه للقرآن الكريم، ولأحاديث النبي ولمبادئ الاسلام السمح. وكما يردد المصريون حاليا تحيا مصر تحيا مصر استجابة لصيحة أبنائها، قيادتها التي انطلقت في (30 يونيو/ حزيران) و(3 يوليو/ تموز 2013) وها هي تفي بما وعدت به من خريطة الطريق للمستقبل الحضاري الديمقراطي بخصائص مصرية وليس بخصائص مستوردة من أية دولة أخرى.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4882 - الإثنين 18 يناير 2016م الموافق 08 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:00 ص

      صباح الخير

      مسامحه يا استاذي الأزهر الشريف تحول إلى مركز للتوازن المصالح فقط يغض الطرف من هنا وهناك أين علماء الأزهر وأين موقفهم عن السلفيه التكفيريه الوهابية أين هم من القاعدة المنشاء معروف للقاصي والداني أين هو من الحروب العبثية والتناحر بين المسلمين السنه والشيعة لم يكن الأزهر يوم من الأيام في موقف يشاذ به بعدين عن الحق كما جاء في الحديث الشريف الساكت عن الحق شيطان أخرس

اقرأ ايضاً