العدد 4885 - الخميس 21 يناير 2016م الموافق 11 ربيع الثاني 1437هـ

الشيعة والسنة... نحو طريق ثالث

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

تجتاح بلادنا حالة مدمرة تتحكم بالعلاقة الشيعية-السنية. علينا أن ننتبه لعدة أبعاد عند مناقشة المسألة الطائفية العربية:

أولاً: الشيعة في بلاد العرب، أسوة بالمسيحيين العرب، كانوا سباقين للقومية العربية، وهذا كان في النصف الأول من القرن العشرين ولغاية سبعيناته. لكن الدولة العربية الحديثة اعتمدت على الرأي الواحد والحزب الواحد وواجهت التنوير بنقيضه، كما واعتمدت على عصبيات صغيرة، فقد اعتمد الأسد على فئة من العلويين وفئة أصغر من السنة.

واعتمد صدام حسين على التكارتة وقطاع من السنة وفئة صغيرة من الشيعة. واعتمد كل نظام على أقلية خائفة ومتعالية. هذه السياسة أنشأت دولاً ضعيفة لا يشعر كل مواطن بأنه ينتمي إليها.

ثانياً: لإيران مصالح متناقضة في سورية والعراق ولبنان واليمن، لكن بنفس الوقت يجب الا يتحول ذلك لالتباس يشمل الشيعة في منطقتنا. يجب التمييز بين السياسة التي تتبعها ايران كدولة إقليمية وقومية، وتلك الخاصة بالمواطن الشيعي في كل بلد عربي. هذا التمييز ضروري، فهناك من الشيعة من يختلف مع إيران، وهناك من يعارضها، وهناك من يهمه مذهبه أولا ويرى أن وضعه في نفس سلة ايران محاولة مقصودة للقفز على حقوقه.

ثالثاً: لو دققنا في حالة الشيعة والسنة سنرى انقسامات لا تقل عمقا ضمن الشيعة وضمن السنة. فذلك قائم بين الديني والعلماني والجهادي وغير الجهادي والسلمي والعنيف، والسلطة السياسية ومعارضيها وبين المتقبلين لسيطرة الغرب السياسية والرافضين لها. فلو اختفى كل الشيعة من المشهد ولو اختفت كل المدارس السنية الجهادية بنفس الوقت من كل الساحات، فلن نكون اقرب ألبتة لايجاد حل عادل وعقلاني لمشكلاتنا، او حتى لعلاقتنا مع الاحتلال الأجنبي والغرب.

رابعاً: تحول السلفية في المذهب السني لسلفية عنيفة كما داعش مثلا في سورية والعراق وأماكن أخرى، دليل على عمق المأزق العربي وغياب البدائل الفكرية والإنسانية والسياسية والعادلة. السنة يعيشون حالة اشتباك، ويشعرون، كما يشعر الشيعة، بأن هويتهم ومكانتهم وطائفتهم على المحك، فهم خاسرون في العراق وفي سورية، والنظام العربي ككل يعيش ترديا وانهيارا. من هنا تزداد الهوية السنية توترا تجاه الآخر. لكن التاريخ يقول لنا إن الخوف يجعلنا نقتص ممن لا يجب أن نقتص منهم، الخوف يدفعنا لقتل البراءة في أولادنا ومجتمعنا، وهو يدفعنا لأن نظلم الآخر، هو ذات الخوف الذي يدفعنا للانغلاق الذي يؤدي لفناء كل الأطراف.

خامساً: هناك كتل سنية وأخرى شيعية لم تكن تريد الانجرار لحرب طائفية خاسرة، ففي الجوهر يتصارع شيعة فاقدون للحقوق والتمثيل مع سنة هم أيضا فاقدون للحقوق والتمثيل والمواطنة، يتصارع فقراء الشيعة وضحايا الفساد والظلم مع فقراء السنة من ضحايا الفساد، كل منهم يعيش في عالم مرتبك ويعتقد أنه ينتصر لنفسه. فهل فعلا الشيعة في العراق (تلك القاعدة الشعبية الكبيرة) ستحقق مستقبلها وحقوقها إن اقتصر العراق على الشيعة؟ وهل سورية ستكون أفضل حالا لو أصبح جزء منها مقتصرا على السنة وآخر مقتصرا على العلويين؟ بل العكس قد تسيطر ايران على ما تبقى من شيعة العراق، وستيسطر روسيا على ساحل سورية، وسيجد الجميع أن استقلالهم قد سقط أمام «إسرائيل» لعقود قادمة.

إنها لمشكلة حقا بأن يشعر الشيعة العرب انهم مواطنون من الدرجة الثانية في معظم الدول العربية؛ لكن الكثير من السنة يشعرون أيضا انهم مواطنون من الدرجة الثانية والثالثة. الطريق الثالث هو المطلوب، هذا الطريق لا هو شيعي ولا هو سني، بل حقوقي وانساني وتنموي، يختلف مع ايران دون ان يعمم خلافه على الشيعة ودون أن يقف مع «إسرائيل» والولايات المتحدة ضد إيران. ويختلف مع الأسد ويسعى لإسقاطه دون أن يعادي العلويين، ويتصادم مع داعش دون أن يشمل السنة في سورية والعراق. التوتر بين الشيعة والسنة نتاج أزمة ومأزق النظام السياسي الإقليمي ونتاج تلاعب دولي واضح المعالم.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 4885 - الخميس 21 يناير 2016م الموافق 11 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 5:12 ص

      مشكلة الشيعة والسنة ليست وليدة اليوم. ولكن تأجيجها منذ الربيع العربي له مغزى.هو ان تستمر الأنظمة الدكتاتورية التي لاتعترف بالمواطنين وحقوقهم وتتعامل معهم كرعايات، في تأجيج هذا الصراع وتغذيته بهدف استمرارها في السيطرة على الشعوب والدولة. هذه الأنظمة ارتعبت من الربيع العربي وما حدث لبن علي ومبارك لذلك كان امامها طريق سهل يؤدي الى شق المجتمع بدلاً من توحدة وبذلك تستطيع السيطرة عليه. الدكتور لم يغطي الواقع العربي بالشكل الصحيح هو تجاهل اسس المشكلة والمغدين والمخططين لها من أنظمة الحكم العربية

    • زائر 7 | 1:59 ص

      من الإجحاف ان تقارن أمة بطائفة فلا يمكن أبداً ان تحكم طائفة الامة هذا هو قدر الامة ان تتآمر عليها الطوائف و الأقليات و لكن في النهاية تنتصر الامة بقيم العروبة و الاسلام الأصيل الخالي ..

    • زائر 9 زائر 7 | 5:09 ص

      الامه هي مجموعه من الطوائف. المشكله هي ان كل طائفه لما تحكم ترى نفسها كل شىء ة و الاخرين صغر الا من يرتضي ان بكون لهم عبد و يعاملونه كعبد

    • زائر 6 | 1:11 ص

      تعدد

      تعددت الالوان والخيانة واحدة.

    • زائر 5 | 12:11 ص

      ايران لا تستطيع اختراق الجدار الوطني لو كان مبنيا بناءا صحيحا رصينا.
      ولكن اضطهاد الشيعة وتهميشهم في اوطانهم ومعاملتهم معاملة عنصرية فإن حتمية هذه المعاملة تجعل منهم مطالبين بمساواتهم بإخوتهم من المواطنين من الطوائف الأخرى .
      أمر طبيعي وردة أفعال متوقعة لأي شخص يتعرّض لاضطهاد في وطنه .
      محاولة البعض التحشيد على الشيعة سيدخل بلاد الخليج في مخاضات صعبة

    • زائر 4 | 12:00 ص

      صباح الخير

      العقول تعرف الصح والخطئ إلا إذا كان مجنون أو فاقد العقل المشكله في النفاق السياسي وأخطر من هادا هو انتشار الفكر .. ..في كل العالم العربي والغربي ومنشئ هادا الفكر من ..

    • زائر 3 | 11:32 م

      كلام جميل خبرك يصفقون ولا يعرفون من المعرس

    • زائر 2 | 11:18 م

      كتابات متميزة واعية تنم عن احساس وطنية عروبية اصيلة

      كتابات متميزة تنم عن احساس وشعور وطنية عروبية اصيلة واعية تصب في مصلحة الحقوق و الاخوة الانسانية .

    • زائر 1 | 10:58 م

      المشكله في العقول التي لاتعرف الصح من الخطأ ...

اقرأ ايضاً