العدد 49 - الخميس 24 أكتوبر 2002م الموافق 17 شعبان 1423هـ

بعض المسلمين فشل في التعددية العرقية

الغالبية الساحقة في دول العالم اليوم متعددة عرقيا اذ يتألف سكانها من عدة مجموعات عرقية لكن قابلية تطبيق مجتمعات متعددة تتعرض الى ضغوط متصاعدة بسبب بروز ظاهرة الوعي العرقي، وهي ظاهرة جلية في جميع انحاء العالم.

للأسف يرافق هذا التحرك على اساس عرقي المتزايد اكثر فاكثر تعصبا ونزاعا عرقيا: مثل البلقان، ورواندا وبورينو، وحتى الدول الاسلامية كذلك تواجه مشكلة مع كيفية التعايش بين السكان المختلفين عرقيا عمليا.

نظريا لا يعتبر الغاير مشكلة في الاسلام. إذ ان معاييره الوحيدة للتفريق بين الناس هو الايمان أو عدمه على ان يصاحب الايمان درجة في التقوى. أولئك المؤمنون يشكلون أمة واحدة هي الأمة والتي ليس لها صلة بالصعوبات العرقية. لذلك فان اي دولة مسلمة يجب عليا ان تعامل مواطنيها المسلمين سواسية لأن الرابطة الاسلامية تتجاوز الاختلافات العرقية.

بسبب النظر إلى الارتباط الاسلامي على انه اقوى من اي روابط أخرى لا تشعر الدولة بالحاجة الى تجانس شعبها عرقيا. لأن الاسلام يعترف بوجود مخلف الامم والقبائل والشعوب.

وهناك الكثير من الأمثلة بان الاسلام يستخدم كموحد في الدول الاسلامية، فقد تجلى ذلك في الكثير من الحركات الاستقلالية والتي كان ابرزها حركة باكستان في 1940 فعلى رغم من اختلافهم عرقيا ولسانيا وثقافيا كان العامل الوحيد في توحيد مسلمي شبه القارة الهندية هو الاسلام. واعتبر مؤسسي حركة باكستان، اقبال وجناح، ان هذا العامل يكفي ليجعلهم أمة وعلى اساس هذه الأمة الاسلامية طالبوا بدولة منفصلة. أصبحت باكستان كيان مستقل في 1947. واحدة فقط من الجماعات العرقية الرئيسة انفصلت تماما عنها لتكون دولتها المستقلة بنجلادش كما طالبت جماعتين من الجماعات بالانفصال عدة مرات وهي تشن حملة عسكرية لأكثر من عقد.

وفي أوقات اكثر قربا كان الاسلام قوة موحدة في الجهاد الأفغاني ليس ليوحد الأفغان المتحدين الاعراق فقط بل حتى المسلمين «الأجانب» على رغم من بعض الاختلافات استطاع المجاهدين المختلفين في العمل سويا بنجاح، لدرجة ان الاتحاد السوفايتي أرغم على سحب قواته من البلاد. ومنذ ذلك الحين، مع ذلك، اختفت وحدة الجهاد وحل محلها صراع أفغاني داخلي مرير أنهى بسيطرة الطالبان ودخول الأميركان بعد حادثة 11 سبتمر2001 ومع انه مكان للأحزاب المختلفة لها جذور في الصراعات الشخصية والاختلافات الايديولوجية، فان لها كذلك أُسس عرقية قوية. عامة اذا فان ممارسة المسلمين فشلت في التغلب على الاختلافات العرقية. والسؤال الذي نحتاج للتطرق إليه الآن هو لماذا يحدث ذلك؟ وبشكل أكثر دقة هل الفشل يأتي نتيجة عيوب الحل الاسلامي أم نتيجة عيوب ونواقص في طريقة تطبيقية؟ لنأخذ الجزء المذكور أولا فعندما نفكر في كيفية تطبيق النظرية الإسلامية فان المشكلة الواضحة التي تقفز الى الذهن هي التناقض بين المفهوم الاسلامي لفكرة ان المسلمين يشكلون أمة واحدة وحقيقة ان العالم قُسّم الى دول كثيرة. اذا كان المسلمون يشكلون زمة واحدة فإنه لابد وأن يكون لهم دولة واحدة فقط - لكن سيكون من المستحيل تطبيق ذلك في الواقع.

الأمثلة المعطاة عن ممارسة الاسلام تقترح ان الاسلام ربما لا يمكنه النجاح في توحيد الجماعات الإثنية «العرقية»المتنوعة إلا اذا استخدم كأداة ثورية، أي أداة للتخيير حيث إنه غير مجهز لبناء مؤسسات مستقرة وطويلة الأمد. وأخيرا، ربما تكون الفكرة الكاملة عن ان الدين يستطيع ان يتفوق على اشكال الهوية الاخرى حٌصلة: هل في الخطأ ان نتوقع أن الاشتراك في دين واحد سيكون اكثر توحيدا لنا من التحدث بنفس اللغة؟ انا لا اعتقد ان العيوب في اسلوب الاسلام في التعامل مع العشائرية والتعددية العرقية المذكورة بإيجاز أعلاه كافية لمنع تطبيق الإسلام بنجاح. إذا اخذنا في الاعتبار مفهوم دولة اسلامية واحدة أولا سيكون من السهل احلال أمة من الافراد بأمة من الدول الاسلامية محلها. الفكرة القائلة بان الاسلام لا يمكن الاستعادة منه إلا كأداة لأحداث تغيير وليس كأساس للاستقرار هي فكرة تدحضها التعليمات والقوانين الاسلامية التي تتعامل مع هذه المؤسسات المستقرة - مثل النظام القضائي في الاسلام، والنظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي... كلها مذكورة بتفاصيل دقيقة. وأخيرا وتجاوبا مع النقطة الثالثة المذكورة أعلاه، الدين الاسلامي بالأخص مزودا بكل ما يمكن ان يوحد الشعوب المختلفة. صلاة الجماعة وبدأ الصيام معا والاحتفال بالمناسبات الدينية... عمليا جميع جوانب العبادات الاسلامية صممت عن قصد لتولد عند المسلمين شعورا بالأخوة والمجتمع. بالمقابل، حتى وان كان الناس يتحدثون بنفس اللغة، فان الشعور بالوحدة يجب ان يدعم من خلال تعزيز الأدب في تلك اللغة لأن السمات المشتركة وحدها لا تكفي لتكوين مجتمعات.

اذا كان الحل ليس خطأ فان اسلوب تطبيقه لا بد وان يكون كذلك. التمحيص الدقيق لاستخدام الاسلام كموحد قومي يكشف لنا ان هذه هي القضية. بالعودة إلى مثال باكستان:نم تأسست على انها موطن للمسلمين الذين أتو من شبه القارة الهندية لكن بمجرد تحقيق ذلك دُفع بالاسلام الى الخلفية. لم تصبح باكستان دولة اسلامية تمضي وفق الحدود الاسلامية بل أصبحت دولة علمانية لم يكن للدين اي أهمية أو دور إلا انها دولة يحكمها المسلمين وليس الهندوس. واضع تعبير «علمائي» بين علامتي اقتباس لانه بينما باكستان لم تصبح دولة علمائية علنا إلا انها كذلك عمليا. والأكثر من ذلك، سقط مفهوم المساواة العرقية: فقذ سيطرت علي الدولة نخبة من البنجاب - المهاجرين والذين استقلوا كل سلطاتهم وقوتهم في ابقاء سيطرتهم وقمع الجماعات العرقية الأخرى بالأخص البنغالية هذا يتنافى بوضوح مع فكرة الاخوة الاسلامية التي وصفناها في بداية الورقة. ومع تزايد مشاكل باكستان الداخلية وصنع الاسلام في الواجهة مرة أخرى لكن حتي هذه المرة كان مجرد مظهر سطحي مخادع - فقد بقي جوهر طبيعة الدولة كما هو دون تغيير.

في هذه المرحلة أود التنويع قليلا واعطاء فكرة عامة عن الاستخدام الحديث للاسلام في السياسة. الكثير من الدول الاسلامية تتبع نفس الطريق الذي تسلكه باكستان وذلك بوضعالاسلام في المقدمة اكثر فأكثر.

يقدم الاسلام ليس على أنه الحل للمشكلة العالمية في تحقيق الوحدة القومية بل على انه ايضا علاجا للأمراض الإجتماعية والإقتصادية ومصدرا للفخر والهوية ورد فعل ضد الغرب. مع ذلك، تجد ان الطريقة المعتادة تتكرر مرة بعد مرة، اذ ان الخطاب اسلامي لكن الافعال غير اسلامية. هذاهو مايحدث في باكستان وهذا هو ما يحدث في افغانستان وبالعودة الى قضية التعددية العرقية فإنه لا يمكن اعتبار الحل الاسلامي في معاملة المسلمين كلهم كمجتمع واحد على انه خطأ حتي يتم تطبيقه بطريقة فعلية وأصلية ثم بعد ذلك يمكنن القول اننا وجدناه غير كفؤ وناقص: اذا تم إتباع طريقة لا تمت للإسلام بصلة لكنها معنونة على إنها العكس، لا يمكن توجيه اللوم الى الاسلام اذا فشل

العدد 49 - الخميس 24 أكتوبر 2002م الموافق 17 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً