العدد 4904 - الثلثاء 09 فبراير 2016م الموافق 30 ربيع الثاني 1437هـ

تعايش التفوق

هناء بوحجي comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

في ثمانينات القرن الماضي، سرَّب لي أحد أعضاء لجنة البعثات في وزارة التربية والتعليم أنني كنت، حتى يوم اختيار المبعوثين، المتقدمة الوحيدة لبعثة ماجستير الاقتصاد التي تقدمها الوزارة ضمن بعثاتها السنوية. لكني فوجئت بعد انتهاء الاجتماع أنه تم اختيار شخص آخر بمعدل دراسي أقل. ونقل لي عضو اللجنة أن مسئولاً في الوزارة وفي اللجنة رشّح الاسم الجديد وعندما ذُكّر بأن هذا مخالف لنظام توقيت استلام الطلبات ومعايير الاختيار قال: «على الأقل هذا رجل سيتعلم ويعمل عندما يعود بينما هي بنت وقد يكون مصيرها أن تكون ربة بيت». وبذلك كان حرماني من البعثة أوّل خيبة من التمييز ضدي بسبب الجنس.

مؤخراً، بعد مرور نحو ثلاثة عقود على هذه الحادثة، سأل صاحب عمل ابنتي المحامية، في المقابلة الأولية، إن كانت متزوجة أو أن زواجاً قريباً يلوح في الأفق، وماذا ستفعل إذا تزوجت أثناء العمل، وإن كانت تنوي المواصلة أو أن تتوقف في إجازات زواج وأمومة!

ولا أعتقد أن صاحب العمل الذي أعرف عنه أنه متحضر ومساند لحقوق الإنسان بكل الفروع، كان سيسأل المتقدمين من الذكور للوظيفة السؤال نفسه.

لا يلام بالطبع صاحب العمل في ذلك، فهو يبحث عن مصلحته ومصلحة مؤسسته وكيفية تعظيم إيراداته وليس مساندة موظفته في دورها الإنساني كامرأة.

هذان نموذجان لتمييز المجتمع ضد المرأة ذُكرا في ورقة قُدِّمت في الملتقى الثالث لاقتصاد الإلهام الذي اختتم أعماله نهاية الأسبوع الماضي عن أهمية التعايش للأجيال المقبلة.

والتعايش إما أن نقصد به حلٌ، يسعى إليه طرفا خلاف إذا ما افترضنا التساوي في قوة الطرفين، أي توافر الرغبة المشتركة في التعايش بسلام. وإما أن يعترف أحد الطرفين بأنه الطرف الأضعف، ويقبل بذلك، ويسعى للتعايش مع وضعه بالتنازل عن بعض معايير ومكتسبات المساواة، كي يقلل خسائره أو يحافظ على ما يتوفّر عليه من مكاسب، وربما يكون ذلك من أجل أن يبني قوة يتمكن بها من استرجاع ما تنازل عنه وإجبار الطرف الآخر أن يسعى بنفس درجة الرغبة والحاجة، للتعايش معه.

وعندما نقول إن على المرأة أن تتعايش مع كونها امرأة، فهو اعتراف ضمني، بأنها إنسان درجة ثانية، أو أنها الطرف الأضعف في مجتمع تتقاسمه مع الرجل. ليس مهماً من أين جاء هذا التصنيف أو درجته فيما بين المجتمعات لكنه موجود ومؤثر لأسباب أبرزها التكوين البيولوجي للمرأة المختلف عن الرجل، فالمرأة ليس لديها قوة جسمانية كالرجل وفي القوة الجسمانية إيحاء بالتفوق، الأمر الذي يجعل الرجل متفوقاً بحاجة المرأة لحمايته من مواقعه المختلفة كأب وزوج وأخ. كما إن هذا التكوين الجسماني قد يحرم المرأة من الالتحاق ببعض الأعمال التي تحتاج إلى استعداد وجهد عضلي.

ويأتي الدور الفطري والإنساني الذي تقوم به المرأة من حمل ولادة ورضاعة ومسئولية أساسية عن إدارة شئون الأسرة، كتحدٍّ آخر للمرأة. ففي الأعمال تُحرم المرأة من الفرص إذا كانت في سن الزواج والإنجاب والتربية ويحظى الرجل بمعاملة تفضيلية. كما تقل فرص المرأة في الترقيات والتقدم الوظيفي كلما استنفذت رصيد إجازات الوضع والأمومة.

وبالإضافة إلى الطبيعة البيولوجية والأدوار الإنسانية والاجتماعية التي تقوم بها المرأة يضيف المجتمع، وتفسيرات البعض للدين، على المرأة أعباء وتحديات إضافية بموروثاته التي تمنح تفوقاً للرجل وتعتبره الأصلح كما حدث في البعثة التي خسرتها برغم تفوقي الدراسي على منافسي المتفوق اجتماعياً. الأمر الذي يجعل المرأة والرجل وهما يقفان على خط البداية في التنافس غير متعادلين في حجم التحديات والجهد المبذول قبل الوصول إلى هذا الخط.

وفي حين أن التحديات السابقة هي خاصة فقط بالمرأة وعليها مواجهتها والتعايش معها، وقد يكون بعض الإحباط الناتج عنها مدمراً لإمكانيات المرأة ويحرمها ويحرم المجتمع من مساهمات قد تعيقهما هذه التحديات من الوصول إليها، لكنها ليست عائقاً من الوصول إلى الأهداف في كل الأحوال، فالإنسان بطبيعته، رجلاً كان أو امرأة، يطوّر من الإرادة والقدرة التي يحتاجها في رحلته في الحياة بحسب الحاجة لها، وبحسب التحديات التي يتعرض لها. وهما وقود النجاح الأساس للرجل والمرأة.

الملاحظات العلمية المبنية على الاستقراء العام تشير إلى أن الإنسان لايستخدم سوى 5 في المئة من خلايا العقل وهذا القدر كافٍ لأداء وظائفه كإنسان عاقل ومنطقي. وقد يعني ذلك أن الإنسان بإمكانه أن يطوّر استخدامه لمساحات إضافية في حال الحاجة لها، وربما هذا ما يجعل البعض يقوم بأعمال تعتبر خارقة أو اكتشافات خارج المألوف كما يحدث في ما يسمى بـ «ومضة الإلهام».

وللكثيرين يأتي الإلهام من التعلق برؤية تمنحهم القوة لاستكشاف قواهم الكامنة وتطويرها وتوجيهها نحو الهدف الأساس. وبذلك يصبح تعايش المرأة لكونها امرأة مجرد تحدٍ آخر، قد يواجه الرجل تحديات أكثر صعوبة منه في مهاراته أو قدراته اللازمة.

فالتعايش ككل الصعوبات التي في وجهها الإيجابي تحفّز على الغوص لاستكشاف الذات بحثاً عن أدوات التفوق على الطرف الآخر، كما يفتح أمام الطرف الساعي، إليه آفاقاً غير متوقعة، أكثر رحابة مما كان يتمنّى.

إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "

العدد 4904 - الثلثاء 09 فبراير 2016م الموافق 30 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً