العدد 4908 - السبت 13 فبراير 2016م الموافق 05 جمادى الأولى 1437هـ

خمس سنوات ليست كافية للحكم على الربيع العربي

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

مرت خمس سنوات من ثورات واحتجاجات الربيع العربي من المحيط إلى الخليج، وحينها كان حلم الحرية يدغدغ جماهير الشباب العربي معلقا آمالا كثيرة على هذا الربيع لتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية التي تصون كرامته الإنسانية وتحفظ له حقوقه المدنية والسياسية.

اليوم وبعد مرور سنوات خمس فقد حدثت متغيرات كثيرة رسمت صورة مغايرة للمشهد العربي، إذ لم ينتج عن الربيع العربي حكومات تصلح ما أفسدته النخب السياسية أو تحقق مشاركة حقيقية في السلطة، باستثناء تجربة تونس التي لاتزال تمر بمرحلة صعبة جدا. العدالة الاجتماعية التي تضمن توزيعاً عادلاً للثروة أصبحت في حالٍ اسوأ من ذي قبل، بل ويسوء يوماً بعد يوم مع ارتفاع معدلات البطالة وضياع فرص التنمية، وعودة القبضات الأمنية القاسية التي زادت الخناق على الناس من كل جانب.

ولعل الأسوأ من كل ذلك هو انتشار طاعون الطائفية بشكل لم يتوقعه أحد، بل أصبح الشباب أنفسهم وقوداً لحروب وفتن تطحن بلدان المنطقة وتحولها إلى الخراب. وهذا الطاعون تسبب في أكبر هجرة إلى أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وأصبح اسم العربي والمسلم يقرن بكراهية الحياة والحضارة، وبالقتل والإرهاب والتدمير والعبث بأراوح الناس بصورة بشعة.

لقد رفع ملايين الشباب العربي قبل خمس سنوات شعارات لايزال صداها باقياً ومؤرخاً رغم الفترة الظلامية التي نمر بها حالياً، فالهتافات التي صاحبت الاحتجاجات خرجت من القلوب واستقرت في ضمير التاريخ الإنساني، وهذه الأصوات طالبت بالتغيير، ولكنها جوبهت بقوى تكره الحرية والكرامة والعدالة.

الفترة التي تلت الربيع العربي غيرت الاتجاه السلمي الحضاري الذي أطلقه الشباب إلى منحنى سيئ جداً، ووسائل التواصل الاجتماعي التي أشعلت احتجاجات الربيع العربي هي ذاتها التي أشعلت الأحقاد والكراهية.

إن منصات فيسبوك وتويتر التي استخدمها الشباب على الدوام فيما بينهم عند انطلاق الربيع العربي أصبحت الآن وسيلة بيد الإرهاب وبيد القمع، وذلك بعد أن انحرفت بوصلة المطالب وتغير الحراك المدني الديمقراطي إلى حراك لجماعات معادية للديمقراطية، تحرق الأخضر واليابس باسم الطائفية والأفكار الظلامية.

إن الشارع الذي كان ينعش مطالب الشباب أصبح ممزقاً الآن، وذلك بعد أن تكدس الناس في السجون، وتحولت الميادين إلى مشاهد للدماء وللقتل وقمع الحريات وخنق الكلمة تحت شعارات مكافحة الإرهاب أو الانتصار للطائفية وأفكار الكراهية.

لقد واجهت القوى المعادية للربيع العربي الانتفاضات والثورات بممارسات أوصلتنا إلى واقع مريض، وأصبحت بلدان عربية رئيسية ساحات لأعمال متوحشة، وذلك بعد تمزيق المجتمعات ونشر منطق القتل والحروب وأعمال العنف والإرهاب.

غير أن قمع أصوات العدالة والحرية والكرامة أمر صعب في نهاية الأمر، فطبيعة الناس ترفض الظلام والهمجية، ولا تهدأ إلا إذا حققت المجتمعات عدلاً وحرية وانفتاحاً تبني عليه الأمن والاستقرار.

لقد ذكرت مجلة «ذي إيكونومست» البريطانية إن حال العرب صار أسوأ، لكن الشعوب فهمت محنتها بشكل أفضل، وعلى الرغم من أن الصورة العامة الآن مخيبة للآمال إلى حد كبير، إلا أن هذه المدة الزمنية غير كافية لتقييم أثر زلزال سياسي كالربيع العربي الذي حدث قبل خمس سنوات. فالربيع الأوروبي الذي حدث في العام 1848 فشل في تحقيق أهدافه في كل الدول الأوروبية آنذاك، ولكن ما حدث في العام 1848 أسس لمنهج تجذر في الشعوب الأوروبية، وأنتج بعد عقود من ذلك ديمقراطية مستقرة وتقدماً حضارياً كبيراً لانزال نشهد آثاره حالياً.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 4908 - السبت 13 فبراير 2016م الموافق 05 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 5:22 ص

      إنه الحول بل انه العور بل إنه العمى الذي لا يرى سيئا في الانظمة العربية الا نظام بشار الأسد!! عجيب هو امر البعض الذي لا يجد السوء الا في بقاء نظام بشار وكأن باقي الأنظمة العربية كلها انظمة ديمقراطية جاءت من صناديق الاقتراع وجاء وفق رغبة الشعوب ولم تأتي بالسيف والدّم .
      عجيب من يقف ضد نظام بشار ولا يرى سيئا في الانظمة الا نظام بشار بينما هو محاط بأنظمة كل واحد اسوأ من الثاني

    • زائر 8 زائر 7 | 8:24 ص

      لماذا لا تذهب للدفاع عنه

      أحسن شي تسويه هو إنّك تنظمّ للميليشيات الطائفيه اللي تحارب مع بشار بلكي ظفرت بالجنّة .

    • زائر 3 | 9:53 م

      اي والله صدقتي حكومة بشار فاسدة وان شاء الله نهايتها قريبة وان شاء الله الشعب السوري راح يحصل على الحرية والديمقراطية

اقرأ ايضاً