العدد 4925 - الثلثاء 01 مارس 2016م الموافق 22 جمادى الأولى 1437هـ

سورية بين كماشة التدمير والتقسيم

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تتضارب الآراء مجدداً بشأن الالتزام بالهدنة المتفق عليها بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا لوقف الاقتتال في سورية. الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ منذ الجمعة الماضية لا تقتصر على وقف إطلاق النار وإنما تتضمن كما قيل توافقاً روسياً-أميركياً سرياً لإدارة العمليات العسكرية ضد التنظيمات الإسلامية الجهادية ومحاصرة المجموعات المسلحة، وذلك رغم تضاربهم كرعاةٍ للهدنة وتشكيكهم وعدم ثقتهم بنجاحها، الأمر الذي يثير التساؤل أصلاً عن دوافعها.

وزير الخارجية الأميركي جون كيري وبطريقته المراوغة سرعان ما أبدى خشيته بعد إعلان الاتفاق قائلاً: «فات الأوان على إبقاء سورية موحدة في حال استمرار الاقتتال»، وهدّد «بالخطة ب» التي وجدها المحللون تلويحاً فاقعاً وتدحرجاً نحو سيناريو التقسيم الجغرافي والديمغرافي والتدخل البري، خصوصاً وقد بدأ أكراد الشمال الشرقي والغربي السوري محاولتهم ربط كانتوناتهم التي تدار بإدارة ذاتية منذ انسحاب جيش النظام من مناطقهم، فضلاً عن التغيير الديمغرافي الذي حصل في الريف المحاذي للبنان.

الإعلام الأميركي من جهته سرب تفاصيل الخطّة وتكهناته السياسية، مشيراً بأن الخطة قائمة على زيادة دعم المعارضة المسلحة وتقويتها بمنحها أسلحة نوعية قد تساهم في قلب قواعد الصراع وإعادة التوازن بين القوى المتصارعة، وبالتالي وضع الروس فيما يشبه مستنقعاً أفغانياً جديداً يستنزفهم، ويقوّى محور التحالف بين واشنطن واللاعبين الإقليميين، ما يعني في المحصلة النهائية استمرار الحرب والصراع، بيد إن هذا الدعم من وجهة نظر مغايرة مستبعد لعدم انسجامه كخيار مع المتغيرات والتحولات التي حدثت في مواقف بعض الدول الأوروبية ومقاربتهم لمحاربة الإرهاب ودور النظام السوري في ذلك تحديداً.

أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وإثر الموقف الأميركي المتشقلب، لم يتوان عن اتهام الولايات المتحدة بتقويض اتفاق الهدنة، على رغم قناعته بعدم وجود ضمانات لتنفيذ وقف إطلاق النار بنسبة مئة في المئة، وتأكيده بعدم وجود خطّة بديلة، مطالباً كيري بالكف عن الحديث عن خطط بديلة وعمليات برية ومناطق منزوعة السلاح.

أطراف الاحتراب الأخرى كالعادة، تبادلت الاتهامات بارتكاب خروقات منذ بدء تطبيق الهدنة، لم لا واللاعبون الإقليميون الداعمون لها قد ذهبوا إلى الهدنة مرغمين كما تشي التقارير، وكما يبرزه تصريح داود أوغلو «بأن وقف إطلاق النار في سورية ليس ملزماً»، فضلاً عن تلويح رجب طيب أوردغان «بتطبيق قواعد الاشتباك حال وقوع أحداث تهدد أمنها القومي»، الأمر الذي يجعل التفاؤل بنهاية كابوس الحرب على سورية ينحدر لأدنى مستوى بين ترجيحات النجاح أو الفشل في وقف العمليات القتالية، على رغم تبني مجلس الأمن الدولي قراراً بدعم الهدنة. ومن هنا يجوز ثانية السؤال عن الأسباب والدوافع التي فرضت خيار التوجه نحو الهدنة؟ وعن ماهية الألغام التي تعترض مسارها؟

لماذا «الهدنة»؟

كثيرة هي الأسباب التي عجّلت ببدء اتفاق الهدنة، فحسب التقارير إن وقف الحرب صار مطلباً شعبياً ملحاً للسوريين الذين يعانون من جحيمها وويلاتها، كما إن ارتفاع هجرة اللاجئين السوريين وتدفقهم من تركيا إلى أوروبا، يهدّد حسب الغربيين مجتمعاتهم وقد يقود إلى انهيار اتفاقية الحدود المفتوحة «شنغن» بين الدول الأوروبية العشر، ناهيك عن ارتفاع حدة الاستقطاب الإقليمي والحروب الباردة والساخنة المتفجرة وحالة الاستنزاف للاقتصاديات بسبب انخفاض أسعار النفط، إضافةً إلى مخاطر احتمال حدوث اشتباك بين المقاتلات الغربية والروسية لاسيما بعد حادثة إسقاط طائرة سوخوي24 الروسية من قِبَل الأتراك. في كل الأحوال تبقى هذه المخاطر واردةً حتى مع توقيع مذكرة عسكرية بين الأميركان والروس لتفادي أي احتكاك أو اشتباك خطأ بين مقاتلاتهما في ظل اشتداد القصف والطلعات الجوية وما قد يؤدي إليه من خلط للأوراق.

في هذا السياق يبدو أن اللاعبين الدوليين يعيدون مقارباتهم الجيواستراتيجية للأزمة السورية التي أوصلت المنطقة إلى حافة الانفجار، كما إن الرهانات لا تزال ساريةً مع الهدنة بإحداث تغير ميداني في موازين القوى خصوصاً مع استعصاء الحل العسكري، فضلاً عن الحاجة لإعادة تقييم المشهد السياسي والعسكري، في محاولة لمحاصرة أطراف النزاع وفرزهم وتقليص هامش مناورتهم، وبالتالي التفرغ للقضاء على الجماعات الإسلامية المتشددة منهم كـ»داعش» و»جبهة النصرة» وأخواتها في إطار خطّة محاربة الإرهاب، ولعل ذلك يسهم في تقديم تنازلات سياسية تساعد في إطلاق تسوية، لم لا والتوازن الميداني في علم السياسة يقلل من فرص التسويات، كما إن استمرار حال الصراع على ما هو عليه يعيق عمل منظمات الإغاثة ووصولها إلى المناطق المحاصرة وتقديم المساعدات الإنسانية، ما يعني أن فشل هذه العمليات سيضع الأطراف الدولية والإقليمية في وضع مساءلة وحرج.

في الدوافع أيضاً، ثمة من يرى أن الهدنة هي استعداد لاستئناف مفاوضات جنيف بين النظام والمعارضة لتحديد الفترة الانتقالية وإقرار الدستور وصلاحيات حكومة الوحدة الوطنية والانتخابات الرئاسية والبرلمانية من جهة، ومن جهة أخرى تأتي أيضاً في إطار الاستعدادات الجارية التي يتم الحديث عنها بشأن التدخل الغربي مجدداً في ليبيا، ما يستدعي التركيز عليها كجبهة وعدم تشتيت الجهود في محاربة الإرهاب.

الهدنة والألغام

ثمة ألغام متعددة تعترض مسار تنفيذ الهدنة، فكما هو واضح يمثل التردد وعدم وضوح الاستراتيجية الأميركية في الحسم العسكري أحد أبرز العناصر التي تهدّد بفشل وقف إطلاق النار. وفي هذا الصدد يرى محللون أن استراتيجيتهم العسكرية في محاربة الارهاب غير فعالة حتى اللحظة، وأما «الخطة ب» التي يلوحون بها ما هي إلا مجرد أفكار لمسايرة الكونغرس ومواجهة الأصوات التي تنتقد ضعف الخيارات الأميركية في مواجهة الروس؛ بل ومحدوديتها. كذلك يشكل غياب طرفي النزاع، النظام السوري والمعارضة من حيثيات اتخاذ قرار «الهدنة» وتعرضهما إلى ضغوط دولية بل وتهديدات قاسية، يشكل لغماً كبيراً أمام التزامهم بها، إضافةً إلى ما يعتري الهدنة صعوبات كونها غامضة وغير واضحة المعالم فيما يتعلق بآليات مراقبة التنفيذ، وسبل التحقق من الأطراف المسئولة عن حدوث أي اختراقات، ناهيك عن التمييز بين مناطق سيطرة فصائل المعارضة وتلك المدرجة على قوائم الإرهاب.

خلاصة الأمر، إن فشل تطبيق الهدنة والتوصل إلى تسويات ذات معنى لأطراف الصراع، سيؤدي حتماً إلى المزيد من التوحش والاقتتال في موجة حروب إقليمية جديدة تسفك فيها دماء الأبرياء، وتُشرّد الشعوب من أوطانها وتُسرق ثرواتها وتعاني من هدر الكرامة والجوع والفاقة. إنها الفوضى والدمار وانهيار الدول وانحدار الأخلاق والقيم، فهل هذه الخطة (ب) التي يبشرّنا بها وزير الخارجية الأميركي؟

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4925 - الثلثاء 01 مارس 2016م الموافق 22 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:54 م

      سوريا بين كماشة التقسيم

      ..\nلن تستطيعو ان تهزموا سويا الحبيبه ولن تستطيعو ان تقسموها للأبد .. سوف تبقي ويبقي قائدها بشار الأسد والاسد ..سوف تضل هي مفتاح العرب وبوابة سلام الى كل المسلمين عاش الأسد وبوتن

اقرأ ايضاً