العدد 4931 - الإثنين 07 مارس 2016م الموافق 28 جمادى الأولى 1437هـ

«8 مارس» وخزانة الأحلام

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تطفو النساء في زمن الثورات والحروب والدمار فوق أمواج بحار متلاطمة، لا يمكن فيها تحديد مواقعهن بدقة، لم لا وشعارات نضالاتهن تتداخل حين يتقدمن الصفوف ويبذلن التضحيات، بيد أن الموقف نحوهن لايزال ملتبساً، وثمة مساحات ممتدة أمامهن للمطالبة بالحقوق والإنصاف.

الدائرة لم تغلق بعد، الحلم والترقب ديدن المتربعين في قمرة النضال على رغم جهود البعض المتواضعة، المعارك النسائية لا تتوقف، ولن تتوقف ذلك لأن تسطيح قضاياهن ينتشر في مجتمعاتنا كالوباء، لأن حرية الفكر والتعبير واستقلالية النساء ومشاركتهن في اتخاذ القرار غائبة والظلم ينتشر، ولأن حقهن في التعليم والعمل والتصويت والترشح والمساواة وحمايتهن من العنف وغيرها تبقى حقوقاً منقوصة بمؤشر البيانات والأرقام.

أسماء وتضحيات مضيئة تموضعت في صفحات التاريخ ليس المجال لاستذكارها إلا بما خلفته من آثار، وما شكلته من أيقونة لمن حملن شعلة النضال وواصلن بدأب التقدم بخطوات والقفز فوق العوائق بقفزات، ما تحقق للنساء كثير... كثير... من ينكر ذلك جاحد وأعمى بصيرة، ما بقى في خزانة الأحلام أيضاً كثير وكثير، المساواة بين الرجال والنساء مبتغى الحلم الذي لم يتحقق بعد. المساواة هي الكلمة المفتاح التي نالت من النقاش والسجال ما يكفي، العنف والتمييز والاضطهاد وعدم تكافؤ الفرص ما برح يمارس... وما بقى في خزانة الأحلام كثير وكثير.

المساواة وتناصف الكوكب

شعار 8 مارس/ آذار للعام 2016، يكرر مضمونه بتحدّ لمن لا ينجز مستوجباته ولمن يراوغ ولم يلتزم بالعهود والمواثيق الدولية، ولمن تحكم مؤسساته النظامية واللانظامية تربية تسلطية قهرية وتاريخ من العلاقات الاجتماعية البطريركية «الأبويّة» بين الجنسين.

الشعار ناقوس يدق في عالم من ينسى ويتناسى أن المرأة إنسان له حقوق. بإصرار جاء الترويج الدولي هذا العام لشعار «الإعداد للمساواة بين الجنسين لتناصف الكوكب بحلول 2030»، باعتبار أن المساواة حق من حقوق الإنسان الأساسية وقوة تحويلية تدفع إلى تحقيق تنمية تتسم بمزيد من العدل والشمولية هكذا تقول المديرة العامة لليونسكو أيرينا بوكوفا، ويضيف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «فلنكرس تمويلاً قوياً لتحقيق المساواة بين الجنسين في جميع أنحاء العالم، مدافعين بشجاعة عن هذا الهدف، وثابتين على إرادة سياسية لا تتواني. فإنه ليس من استثمار في مستقبلنا المشترك أعظم من هذا الاستثمار». ماذا يعني ذلك؟

يعني استعجال تنفيذ أجندة الأهداف العالمية التي تتمثل بالهدف «5» الخاص بالمساواة بين الجنسين في عالم تسوده المناصفة، والهدف «4» بضمان التعليم المجاني الجيد والمنصف والشامل من ابتدائي وثانوي للجميع، المهم تحقيق مخرجات تعليمية ملائمة وفعالة بحلول 2030، وضمان إتاحة فرص الحصول على نوعية جيدة من النماء والرعاية في مرحلة الطفولة المبكرة والتعليم قبل الابتدائي للجنسين، الأهم القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء والفتيات في كل مكان؛ في الفضاء العام والخاص، القضاء على الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي وكل أنواع الاستغلال كزواج الأطفال والقاصرات والزواج المبكر والقسري والممارسات الضارة كختان الإناث.

في العالم المنغلق الذي يدور حوله نفسه، ثمة معضلة تكمن بين الأقوال والأفعال، معضلة الإجابة عن السؤال: بعد المهرجانات والتوقيع على المعاهدات الدولية وتبني شعار»المساواة»؛ هل يمكن التملص من الالتزامات؟ هل تتحقق المساواة بالتمني والمناسبات الاحتفالية فقط واجترار خطاب أكل عليه الدهر بأن «العنف ضد المرأة لا يعدُّ ظاهرة في المجتمع البحريني»؟ فيما الشواهد تكشف بشكل فاقع أن ما تلقته المراكز الرسمية والأهلية تراوح ما بين «794 حالة العام 2010» و «1162 العام 2011»، و «706 العام 2012»، فيما سجلت «182 فقط العام 2013»، صحيح هي بيانات تعوزها المنهجية العلمية الدقيقة في الرصد والتسجيل، بسبب احتمال تكرار تسجيل حالات العنف وعدم التبليغ عن الكثير منها، لكن الصحيح أيضاً عدم وجود قاعدة بيانات مركزية معتمدة للحالات، فكل جهة تصدر إحصاءاتها منفردة استناداً لسجلاتها التي تبين انتشار الظاهرة عبر مؤشرات حالات الطلاق وحجم الدعاوى في المحاكم التي بلغت «2588» دعوة قضائية العام 2006 بعد أن كانت «940» العام 1995، أما تقرير وزارة التنمية فذكر أن «دار الأمان» استقبل في 2014 «290 معنفة» و «58 حالة» اتجار بالبشر و «146 حالة» إيواء، ووصل لمكاتب الإرشاد الأسري الـ «9» العام نفسه «4436 حالة» إرشاد، كما بينت إحصائية للاتحاد النسائي العام 2013 رصدها لـ «2800» حالة عنف أسري وسجلت «850» حالة طلاق في العام نفسه، فيما كشفت أرقام «مركز عائشة يتيم» لجوء «63» معنفة للمركز العام 2013، و «92» العام 2014، وبلغ عددهن في أكتوبر/ تشرين الأول 2015 «89 معنفة». وماذا بعد؟

لا تراجع عن «السيداو»

لا شيء سوى أن مناسبة «8 آذار» فرصة لتذكير من يثير غباراً من آن إلى آخر؛ بالتخلي والانسحاب من «اتفاقية السيداو» كون بعض بنودها مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية، فهو يغرد خارج سرب المطالبات الحقوقية للنساء، ولاسيما حين يردد عبارة أن «المجتمع الدولي يعيش في قوقعته على نفسه... وإنه يلزمنا إلغاء هذه الاتفاقية إن أمكن»، هنا يلزم تذكيره بأنه يقبع في ركن ساكن بعيداً عن حركة التاريخ، إنه يجهل قراءة تطور النضال الحقوقي للنساء، بل وعلى ما يبدو لم يعِ بعد المغزى الحقيقي من احتفال العالم وضجيجه السنوي بيوم المرأة الذي يتصدره هذا العام شعار «المساواة» بين الجنسين.

وحتى لا تبقى المفاهيم جامدة وعرضة للتسطيح أو حبيسة الأقوال، نشير إلى أن الإنجاز وتحفيز الجهود لتحقيق العدالة والتنمية وإطلاق الطاقات الإبداعية والالتزام بتنفيذ المواثيق الدولية هي التي تقدم نفسها كدلالات على تحقيق مبدأ المساواة بين الجنسين، فالمبدأ يمثل أو هكذا نفترض أولوية للناشطين والمشرعين والقائمين على تحقيق الاستدامة في مجتمعاتهم في إطار مبادرات الشراكة العالمية الداعمة لتمكين النساء، ولمؤشر الفجوة بحسب منتدى الاقتصاد العالمي مقاييس متعددة لها علاقة بمشاركة الإناث الكاملة والفعالة في اقتصاد الدولة وفرص العمل المتاحة أمامهن، والتمكين السياسي وتمثيلهن في المؤسسات المنتخبة والمعينة إلى جانب التحصيل التعليمي ومستوى الصحة والرفاهية... الخ.

واقعياً وحتى 2014 مثلت نسبة البحرينيات في التعليم العالي «61 في المئة» مقارنة بالذكور «39 في المئة» فيما شغلن نسبة «31.8 في المئة» فقط من القوى العاملة، كما تنتشر البطالة في أوساطهن بنسبة «88 في المئة» من العاطلين عن العمل، ما يعني أن جهود التعليم لم تستثمر. وأجورهن في القطاع العام تتقارب، بيد أن متوسط أجور الذكور في القطاع الخاص «714 د.ب» يمثل فجوة كبيرة مقارنة بـ «476 د.ب» للإناث، إلى جانب انخفاض الشواغر الوظيفية المخصصة لهن بنسبة «11 في المئة» ولصالح الذكور حتى 2015، أما فجوة تقلد المناصب القيادية فتتمثل بوجود وزيرة فقط من بين «29 وزيراً»، وتدني أعداد المعينات كوكيلات ووكيلات مساعدات «25» و «8 في مجلس الشورى» و «3 نائبات منتخبات»، وثلاث سفيرات في 2013.

خلاصة الأمر، تحققت إنجازات مضيئة تؤكد ضرورة استمرار نهج المطالبة بحقوق النساء وتحقيق المزيد من المكاسب، هي عملية دينامية، تتطلب الجدية في تنفيذ الالتزامات الدولية، ومراجعة الخطاب النسائي وبرامج عمل الجمعيات النسائية والحقوقية، وإعادة ترتيب الأولويات واجتراح آليات مدافعة تتناسب وطبيعة المتغيرات من حولنا، لا أن نتراجع عمّا تحقق بإدخال النساء مجدداً للنفق المظلم.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4931 - الإثنين 07 مارس 2016م الموافق 28 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً