العدد 4936 - السبت 12 مارس 2016م الموافق 03 جمادى الآخرة 1437هـ

الفنون الموسيقية وزرياب العرب في زمان الأندلس

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تصدرت نشرات الأخبار الأولى في الإعلام العربي لين الحايك الطفلة المعجزة، والفائزة بالغناء على محطة الـ MBC بمسابقات الأطفال ( the kids voics) وهى لم تتجاوز العاشرة، ليس مستغرباً على العرب هذه المواهب والتي أثبتت قدراتٍ هائلة وقبل أي تدريب، إذا ما عرفنا أنهم هم منبع الإساس والحِس الموسيقي في القرون الماضية، وفي زمن الأندلس الحالم الجميل!

ودعوني أحكي لكم الحكاية، تبدأ بزرياب، ومن هو زرياب، هو المؤسس لأول مدرسة موسيقى، ووضع كل القواعد الأساسية لها في القرون الوسطى في زمان الأندلس وأسمه الحقيقي (ابو الحسن بن نافع مولى المهدي العباسي) نشأ في بغداد، ولُقْب بزرياب لسواد بشرته، وجودة صوته تشبهاً بالطائر الأسود المعروف زرياب، تتلمذ على أيدي أستاذه اسحق الموصلي، وتفوق عليه بالصوت والتلحين، وقام بنفسه بنحت عوده الذي يعزف عليه، وتطوير فرشاة العزف من الخشب إلى ريشة النعام، كما أضاف وتراً خامساً والذي كان للعود أربعة أوتارٍ قبلاً، وترأس الغناء العربي لدولة بغداد في زمن العباسيين وقرطبة ولبني أمية في العام 213.

أرسلت له مئات من البعثات من الغرب للتتلمذ على يديه، بدءًا من ملك انجلترا حينها الملك جورج الثاني والذي أقام بعثةً لابنة اخيه (الأميرة دوبانت) مع أعداد كبيرة معها، والتي كانت شغوفة بالغناء والموسيقى، وراسل الخليفة هشام الثالث بقوله بأنه قد سمع وذاع صيت الرقي العظيم في معاهد العلم والفنون العامرة عندكم، وأنه يتمنى أن يقتبس نماذج هذه الفضائل لنشرها في بلادهم التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة (هكذا كان وصفه للجهل في بلادهم وهكذا كانوا صدقوني).

وصاحَبَ البعثة هدايا ثمينة عبارة عن شمعدانين من الذهب الخالص يصل طولهما إلى ثلاثة أذرع، مع اثنتين وعشرين آنية أخرى من الذهب المزخرف والمنقوش، كما توالت البعثات على البلاد تباعاً من كلٍ من فرنسا وألمانيا وإيطاليا والسويد ...الخ، ولسنواتٍ طوال عاد بعدها الطلبة ونقلوا إليها كل ما تعلموه من فنون وعلوم الموسيقى وغيرها وازدهرت بلادهم ونهضت وأصبح الموسيقيون يتجولون في الطُرقات بأغانيهم وموسيقاهم ورقصاتهم الشعبية بما نقلوه من الأندلس من قصص ألف ليلة وليلة، والسندباد، ويوسف وزليخة، وغيرها ونشرت لديهم الأفراح والمناسبات.

كما ظهرت في أوروبا أوزان جديدة من الشعر تسمى (بالتروبادور) واتضح بعدها أنها من أصول كلماتٍ عربية (طرب ودور) وأن فضل العرب على قول المؤرخ (د.زيجر هونكه) أنها سمة النقل والإبداع لديهم، كما اقتبست المقاطع الموسيقيه من (دو، ري ،مي، فا،صول ،لا، سي )من المقاطع العربيه (در مُفصل) مع الإضافات المتجددة، لقد ترك زرياب عدداً هائلاً من التلاميذ المدربين، مع ميراث بالغ الكمال في تركيبته واكتماله الوزني الفني، بلغت عشرة آلاف لحن والتي انتشرت في العالم بعده.

وكان زرياب إضافةً للموسيقى شاعراً وفلكياً عالماً بالنجوم، ومعلماً فذاً بالإتيكيت الذي علمَ الناس فنونها وأصولها. إلى هنا تنتهي الحكاية!

وهكذا كان زمان الأولين، وهم يبدعون في كل ماتصل يداهم إليها، يشحذون في الفكر والعمل الدؤوب لخدمة الإنسانية، وليخلَدوا إلى الأبد بجهودٍ متنوعه وجبارة، وهكذا كان العرب في جرأتهم وتقدمهم في العالم وهم يصدرون العلم والإبداع، وهكذا نقل الغرب عنا كل ما يستطيع من المعارف والثقافات، وهكذا بتنا في القوائم المُغيبة الآن، والتي تحولت إلى تصدير الإرهاب والحروب مع الأسف الشديد.

واليوم هم يحاربوننا لأخذ ثرواتنا واتهامنا بالجهل، ولم نعرف بعد الوسيلة لصد ذلك العدوان، والاتحاد معاً لنحمي هذه الأمه المنكوبة، وضللنا الطريق للدفاع عن حقوقنا، وأصبحنا نبحث عن السبيل للخلاص، غافلين عن العلوم والمعارف، تائهين في بحور الظُلمات والنزاعات بين بعضنا البعض، ونائمين في سباتٍ عميق وغفلة عن الحياة ما بعدها غفلة، ولو عاد زرياب إلينا اليوم سيلطم على ما كان، ويعجب من انقلاب الأحوال ومرارة الزمان، وانحدار الموسيقى، وإختفاء العلوم والأبحاث، وكُفر العرب بتراثهم، وعدم الحفاظ عليه أو تنميته والذي غاب في الوحل والانقسام، فهل من مُنقذ؟

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 4936 - السبت 12 مارس 2016م الموافق 03 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:21 ص

      ايام تريخيه لاتنسى

      موسيقى الروح والالهام هي من الشرق ولكن القليلين من يعرفوا ذلك وهي بعد انتشار الاسلام ولم يطلق عليها احد الا انها غذاء للروح والجسد تشكرين د على اختيار مثل هذه المواضيع الحساسه والرقيقة

اقرأ ايضاً