العدد 4937 - الأحد 13 مارس 2016م الموافق 04 جمادى الآخرة 1437هـ

الرجل «السّر» في إيران

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مجلة «نَيْتچر» البريطانية. هي واحدة من أهم المجلات العلمية المهتمّة بالفيزياء والأحياء والعلوم الدقيقة في العالم منذ 147 عاماً. هذه المجلة، نشرت تقريراً حدَّدت فيه عشر شخصيات اعتبرتها الأكثر تأثيراً في العالم خلال العام 2015م. أحد أولئك العشرة كان تأثيره في المناخ، وثانٍ في علم الأجِنّة وثالث في الكواكب وآخرون في الدمج المزدوج والنقل الكهربائي والانتاج الأفيوني الخميري وغيرها من الأبحاث.

مِن بين العشرة المختارين حدَّدت المجلة شخصية إيرانية تعمل في مجال الفيزياء، لكن لها صلات مع الدولة في بلادها (سنذكر اسمه لاحقاً). قالت المجلة، إن هذه الشخصية ساعدت في صياغة اتفاقية إيران النووية مع الدول الست الكبرى، بعد حلحلة جوانب تقنية حساسة في البرنامج النووي الإيراني الأمر الذي أبعد شبح قيام صراع مسلح، كاد أن يعصف بالمنطقة.

تقول المجلة إن هذه الشخصية (شبه المغمورة أمام شخصيات أخرى قوية في النظام) هي «صوت العقل» داخل إيران والذي يمتلك القدرة على استمالة المتخاصمين في اللحظات الحرجة للتفاوض قبل انهيارها. وتنقل المجلة عن عالِم فلك في معهد للأبحاث أن ذلك الرجل يتمتع بعقل وأفكار ومنطق يواكب العصر يجعل الأطراف تتفق كي تتحدث مع بعضها لحل الخلافات. انتهى.

هنا، وقبل أن نخوض أكثر في شرح ما أشارت إليه «نَيْتچر» دعونا نضع مقدمة ضرورية. عندما كان أحمدي نجاد رئيساً لإيران كان وجه بلاده مختلفاً. جانبٌ من ذلك الوجه، كان «نوويّاً». زاحَم نجاد المفاوض الأول حينها علي لاريجاني، حتى اضطرَّه إلى الاستقالة من ذلك الملف، فجاء وعيّن مَنْ يرضاه: سعيد جليلي كأمينٍ للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. هذا الأخير أيضاً جاء وعيَّن مَنْ يستأمنه في عمله: علي باقري كمساعدٍ له للسياسة الخارجية والشئون الدولية خلفاً لجواد وعيدي، الذي عُيِّن مستشاراً لجليلي في منصبٍ لم يُمكّنه سوى من الاحتفاظ بوظيفة ما لا أكثر.

جليلي كان قبل ذلك يعمل مساعداً لوزير الخارجية الإيراني للشئون الأوروبية والأميركية، وقبل ذلك كان مديراً عامّاً لمكتب المرشد الأعلى للثورة تحت إشراف من رئيس المكتب آية الله محمدي گلبيگاني. وعلي باقري كان يعمل قبل ذلك مديراً لدائرة أوروبا الوسطى والشمالية في وزارة الخارجية الإيرانية. وعلى رغم أن منصِبَيهما سياسيان فإن انتقالهما إلى المجلس الأعلى للأمن القومي جعل من عملهما «أمنياً» بامتياز. كانت تلك العيينات قد جَرَت بين (أكتوبر/تشرين الأول 2007)، و(يونيو/حزيران 2008).

في هذه الفترة، كان «الرجل السر» الذي أشارت إليه مجلة «نَيْتچر» يعمل خارج إيران، في إحدى هيئاتها الدبلوماسية. ثم بعدها بعام (2009م) عيَّنه أحمدي نجاد في منصب تقني هام فعاد إلى طهران، ثم بعدها بعامين (2011) عَيَّنه مرة أخرى في منصب أهم يعكس عادة صورة إيران في الخارج وعلاقاتها معه. واستمرّ في ذلك المنصب حتى نهاية حقبة نجاد العام 2013م. لكن روحاني أبقاه ضمن فريقه لمعرفته أنه يمتلك قدرة على إيجاد مفتاح المفاوضات الضائع الذي تحدثت عنه المجلة.

في زحمة البحث عن حل، قرَّر روحاني أن ينقل الملف النووي من المجلس الأعلى للأمن القومي إلى وزارة الخارجية، كي يُحرّره من القيود والصورة الأمنية التي كانت دائماً ما تجعل جليلي يذهب إلى آشتون ويرجع دون جدوى.

لكن روحاني وفي الوقت نفسه جعل الأمر متوازناً بين عقلَيْن في فريق التفاوض الجديد: الأول سياسي يقوده وزير الخارجية محمد جواد ظريف والآخر تقني يقوده «الرجل السر» بحيث يُزيِّت العقل التقني للعقل السياسي الطريق، كي يمر ويُصافح الخصم عند كل نقطة.

اجتاز المفاوضون السياسيون على طرفَيْ الطاولة نقاطاً كانت تحوط بها عقبات «كأداء» في السابق. وكان قبل كل اجتياز تُعقد في غرفة مغلقة اجتماعات مليئة بالكتب والدراسات والأشكال الهندسية بين التقنيين الغربيين و»الرجل السّر». مضت الشهور إلى أن توصّل الطرفان إلى حلحلة مسائل أساسية كالوقود النووي، والنيوترون وقضبان الامتصاص، ومحرك الحرارة، ونظام البخار، والتوليد الكهروذري، ونظام التكثيف المائي وبقية المسائل الدقيقة وتمّ الاتفاق التاريخي بين الجانبين. قبل سنة وأسبوعين بالتمام، كتبتُ وأشرت إلى أن حسن روحاني أرسل رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي كي يجتمع بأستاذه السابق في الفيزياء النووية وزير الطاقة الأميركي أرنست مونيز؛ كي ينهي موضوعات «العقدة» في ملف إيران النووي. وقد أشرت حينها إلى أن صالحي خرج للصحافيين بعد اجتماعات كُثُر مع أستاذه ليعلن أن «عديداً من القضايا الفنية الحسّاسة قد حُلَّت»، وأن منشأة فردو التي كانت محل الخلاف الأكبر سيتم تحويلها إلى منشأة تكنوفيزيائية.

اليوم، الذي يبد» أن ذلك الاستنتاج كان صحيحاً إذ أكّدته مؤخراً مجلة «نَيْتچر».

خلاصة الأمر في كل ذلك هو ما كنا نشير إليه حول طبيعة الحكم في إيران، وهو أن مَنْ يحكم هذا البلد ليست مجموعة عمائم لكُهُولٍ يركبون المنابر، ويتحدثون بكلام عام، ويديرون سبحة في يدهم ويفتون للناس في الركوع والسجود، بل إن هناك مَنْ يدير الدولة في المنعطفات.

نعم، يملك أولئك فيتو ضد قرارات معينة ويقيمون تحالفات مع مؤسسة الباسدران، لكنهم وفي حقيقتهم كأشخاص لا يستطيعون أن يُسيّروا بلداً بحجم إيران، وتحديداً في هذه اللحظة التي باتت أعمارهم فيها متقدمة وهم على خط خريف العمر. أيضاً، هذا أمر يجعلنا نتأمل في المناهج السياسية المتبعة هناك والمفاضلة بينها، وتحديداً في مسألة العلاقات الخارجية. فإيران ليست كلها أحمدي نجاد ولا أضرابه، بل هناك آخرون يملكون جزءًا أساسيّاً من السلطة. وهو أمر يجب أن ندركه كعرب.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4937 - الأحد 13 مارس 2016م الموافق 04 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:32 ص

      إتفاق إيران النووي

      لم يحسن من الاقتصاد كما كان متوقع

    • زائر 2 | 12:11 ص

      شكرًا لك

      معلومات مفيده و مهمة لأولي الالباب .

    • زائر 1 | 12:03 ص

      وهو أمر يجب أن ندركه كعرب

      هذا أمر يجعلنا نتأمل في المناهج السياسية المتبعة هناك والمفاضلة بينها، وتحديداً في مسألة العلاقات الخارجية. ، هناك في إيران آخرون يملكون جزءًا أساسيّاً من السلطة. وهو أمر يجب أن ندركه كعرب.

    • زائر 10 زائر 1 | 7:59 ص

      هذه امورمعلومة ان ايران يديرها مرشد اعلی مستعينا بكافة خبراء البلد من صناعين وتجار وغيرها (علي شاوي

اقرأ ايضاً