العدد 4966 - الإثنين 11 أبريل 2016م الموافق 04 رجب 1437هـ

مع خبير الآثار العراقي قُصي التركي

رضي السماك

كاتب بحريني

ثمة ثلاث نُقاط تسترعي الانتباه في الحوار القيم الذي أجرته «الوسط» بتاريخ (26 مارس/ آذار 2016) مع الباحث الأكاديمي وخبير الآثار العراقي قُصي التركي:

النقطة الأولى: تتعلق بالحاجة الآنية المُلحَّة إلى إعادة تنظيم مُتحفنا الوطني من الداخل، وهذه مهمة علمية لا تُعهد في تقديرنا إلا للجنة تُشكَّل من خبراء مرموقين في تنظيم المتاحف، كأساتذة وخبراء الآثار والتاريخ والتراث من عرب وأجانب بالشراكة مع الكفاءات الوطنية.

النقطة الثانية: الحاجة المُلحَّة إلى تخصيص بعثات للدراسات العليا لنيل الدكتوراه في الآثار، وكذلك إنشاء قسم للآثار في جامعة البحرين. وتترابط مع هذه المهمة الحاجة إلى سنّ أداة تشريعية جديدة أكثر ردعاً لحماية الآثار، وخلق آليات رقابة صارمة لتطبيقها على أرض الواقع، وذلك بغية وقف ما لحق ويلحق بالآثار من نزيف حاد مزمن من سرقة وتخريب وتدمير لغايات استثمارية طفيلية.

وفي تقديرنا أن هاتين المسألتين، الأولى والثانية، تستحقان أن يُخصص لهما الجزء الأكبر من موازنة هيئة الثقافة والآثار برئاسة الشيخة مي الخليفة المعروفة بولعها بضروب الثقافة، كالموسيقى والمسرح والتاريخ والتراث، وإن كانت الثقافة لا تعني شيئاً في أي بلد مهما تعددت أوجه الإنفاق على هذه المجالات، ودون إنكارٍ لأهميتها، في ظل إهمال تلك المسألتين الفائقتي الأهمية حضاريّاً وهويّةً، لأي شعب ذي حضارات عظيمة متعاقبة كشعبنا .

وبالتالي، فإن الآمال معقودة عليها بسرعة للاستجابة لتلك الملاحظتين، ولمجمل الملاحظات البناءة التي أثارها الضيف الكريم في الحوار الصحافي المشار إليه، وهي نقاط أحسبها الأولى من نوعها في صراحتها إن لم أكن مخطئاً، يبديها خبير آثار، سواءً من العرب أو الأجانب، ممن زاروا البحرين منذ الخمسينات والتي تعكس بحقٍّ حبه الغيور لحضارة اُمَّته جمعاء، بل من النادر أن نجد عالم آثار من بلد عربي ذي حضارة عظيمة يفتخر بها بشدة ويُعدها الأعظم بين حضارات العالم يلفت النظر إلى أنَّ حضارتنا الدلمونية لا تقلُّ أهميةً وعظمةً عن ثلاث حضارات كبرى عمَّرت ثلاثة آلاف سنة، وهي على التوالي: حضارة وادي النيل، حضارة بلاد الرافدين، وحضارة وادي السند، وهو ينتقد ضمنيّاً أيضاً تركيز الإعلام العربي على حضارة بلاده (بلاد الرافدين)، وحضارة وادي النيل، وتجاهل الحضارة الدلمونية، وهذا بلا شك ينم عن تواضع علمي وتجرد من قِبله يُغبط عليهما.

النقطة الثالثة: تتعلق بما أثاره الضيف أيضاً في الحوار عن قلة المتخصصين لدينا في «الحضارة الدلمونية» وتاريخ البحرين القديم، مضيفاً أنه عندما يقلّب صفحات الانترنت لا يجد سوى اسم الأخ العزيز عبدالعزيز صويلح. ومع أنَّ ملاحظة الضيف في محلها، سواء من حيث قلة المتخصصين الأكاديميين في حقل الآثار، وغياب وجود أقسام للآثار في جامعاتنا، أم من حيث الجهود البحثية التي يقوم بها الأخ صويلح في هذا المجال، فإنَّه توجد ثمة قلة من المجاميع المهتمَّة والمتخصصة في الحضارة الدلمونية، لكن لسوء حظهم مُغيبون في إعلامنا المحلي ولم يَلقوا الدعم والتشجيع المفترضين.

وتحضرني هنا على سبيل المثال لا الحصر، الجهود الكبيرة التي يبذلها الباحث التراثي والآثاري الزميل الصديق حسين محمد حسين، ومن المفارقة انه في العدد نفسه الذي نُشر فيه الحوار كانت هناك على صفحة أخرى دراسة لهذا الباحث تحت عنوان: «دلمون بعد سرجون الأكدي: تأسيس دولة دلمون». صحيح لعله غير مُلم بلغات الحضارات القديمة ولا يحمل شهادة عليا تخصصية في الآثار، لكن يُحسب له أنه من القلة البحرينية التي تلم بلغتين عالميتين ألا وهما الإنجليزية والفرنسية. وكصديق تجمعني معه وثلة صغيرة من الباحثين وعشاق تراث وتاريخ البحرين، أزعم أني لمستُ عن كثب، من خلال جولاتنا الميدانية بالمواقع الأثرية والعمرانية والتراثية وجلساتنا الحوارية فيما بعد للتعليق بشأن ملاحظاتنا العيانية وتحليلها، أنه كان للأمانة الأنشط والأكثر تخصصاً من بيننا في هذه المهام على رغم انشغالاته الوظيفية والأسرية.

وقد تراكم لديه مخزون من الخبرة بالآثار القديمة والإسلامية ناهيك عن التراث، وبذل ومازال يبذل جهوداً مضنية في دراستها لمقاربتها مقاربةً علميةً معمقة ما أمكن ذلك سبيلاً. وقد أنجز ومازال ينجز في صمت عشرات، إن لم يكن المئات، من الدراسات والأبحاث المتعلقة بالآثار والتاريخ والتراث، سواء الأسبوعية منها المنتظمة في «الوسط» أو المودعة في مدونته الالكترونية، بيد أن الظروف لم تسنح له نشرها في كتب في ظل غياب أي دعم يتلقاه من الجهات، باستثناء كتابين، الأول «مهنة النسيج في بني جمرة»، والثاني كتابه القيّم المهم «مسجد الخميس الحوزة الأولى وأول مسمار في نعش القرامطة» الصادر العام 2010، وإن كان سبقه كتاب «المشهد ذو المنارتين» الصادر العام 2008 عن الأوقاف الجعفرية والذي تفضل مشكوراً الشيخ محسن العصفور، رئيس الأوقاف الجعفرية، بتزويدي بناء على طلبي، بنسخة منه. ولئن كان لكتاب الأوقاف الجعفرية شرف الأسبقية في التوصل الى الكثير من النتائج لجهة التوثيق التاريخي الدقيق للبيئة الدينية والاجتماعية الحاضنة لانشاء المسجد (وخصوصاً البلاد القديم إحدى عواصم البحرين القديمة)، فإن كتاب الباحث حسين يُحسب له توصله علاوةً على ذلك إلى نتائج نوعية لم يتوصل إليها الكتاب الأول ويعزز من صدقيتها اعتماده على الكثير من المصادر المكتوبة باللغتين الإنجليزية والفرنسية.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4966 - الإثنين 11 أبريل 2016م الموافق 04 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 9:52 ص

      اذا ممكن تزويد القراء باكاونت او اي حساب للباحث حسين للاطلاع على مدوناته
      مع الشكر

اقرأ ايضاً