العدد 4975 - الأربعاء 20 أبريل 2016م الموافق 13 رجب 1437هـ

مسئولية المدرسة في تنمية الثقافة (1)

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

(محاضرة ألقاها الكاتب في الكويت)

ندرك الاهتمام المتنامي بالثقافة عندما نراها، وقد أصبحت في الآونة الأخيرة عنصراً بارزاً، كتفاً بكتف مع العناصر السياسية والاقتصادية، في كل تقارير التنمية الإنسانية السنوية على المستويين الدولي والوطني.

ذلك أن الثقافة، التي تحتوي على النواظم الفكرية العامة للأمة، والتي بدورها تحدّد هوية الأمة وثوابتها وأساليب عيشها وأهدافها الحياتية العليا وسلوكيات أبنائها، تجرُ معها كل الساحات الأخرى إلى التخلف إن كانت هي جامدة متخلفة، أو إلى التقدم إن كانت هي راقية متجدّدة.

بالنسبة للثقافة العربية، هناك دلائل كثيرة على أنها تعيش أزماتٍ تحدّ من قدراتها على المساهمة الفاعلة في التنمية الإنسانية العربية. فأولاً: هناك الثنائيات المتصارعة الحادة غير المبرّرة التي تنهكها من مثل التراث/ الحداثة، الأصالة/ المعاصرة، الدّين/ العلم، الرجل/ المرأة، العقلانية/ الإيمان، الهوية الوطنية/ الهوية القومية. وهناك الإصرار على رفض الكثير من الإنساني العام باسم الخصوصية المنغلقة على الذات الخائفة من التغيير.

وثانياً: هناك قضايا وإفرازات التاريخ والتراث التي لم يحسم أمرها بعد، ولم تحدث قطيعة معها، والتي تقود إلى التخلف المفجع في حقول الفلسفة والعلوم الاجتماعية والعلوم الطبيعية وفي الحياة السياسية، بسبب ضعف التحليل الموضوعي والنقد الصارم والجرأة في التجاوز.

وثالثاً: يقابل ذلك مبالغتنا، نحن العرب، إلى حدود المرض، بربط مجتمعاتنا بما يحدث في المجتمعات الأخرى، وعلى الأخص الأوروبية والأميركية، من صرعات وموضات وتقلبات عبثية، بحيث تظلُّ أعيننا زائغةً إلى «هناك»، إلى ما يفعله ويقوله الآخر، بدلاً من انشغالنا بالـ»هُنا» وبأولوياتنا الحضارية. إنها عادة الانبهار الطفولي والشعور بالعجز التي أصبحت عادة مجتمعات بأسرها.

والواقع أن ثقافة الذات العربية أمام ثقافة الآخر تظل متأرجحة. ففي القرنين التاسع عشر والعشرين كانت أمام رفض الذوبان في الثقافة الأوروبية، ثقافة الأنوار والحداثة والعلمانية المعادية للدين، ثقافة المركزية الأوروبية المهمِّشة والمتعالية على ثقافات الآخرين.

اليوم أصبح الوضع أعم وأعقد وأصعب. نحن أمام الثقافة الأميركية التي تقدّم نفسها كثقافة عولمية. وهي ثقافة حسيّة مسطحة معلّبة كالوجبة السريعة، مهووسة بالجوانب المادية والجسدية الحسيّة وبالاستهلاك المادي والمعنوي النّهم، وبالفردية الذاتية غير المعنية بالروابط الاجتماعية والعائلية وبالآخرين، غير مهتمةٍ بترسيخ عادات التأمل والتحليل والنقد والتجاوز عند الإنسان .

في قلب تلك الثقافة العولمية، فكر وممارسات ما بعد الحداثة التي تركز على اليأس والقنوط، وعلى الفوضى الأخلاقية، وعلى الإنكارية التي لا ترى معنى ولا قيمة في كل ما يحيط بالإنسان.

إذاً، فالثقافة العربية في حاضرها لديها إشكالية مع ثقافة الماضي إذ لم تحسمها حسم تفكيك وتجاوز بعد. وأيضاً مع ثقافة العالم المهيمنة التي لم تحسم بعد الطرق الناجعة للتعامل معها بنديّة وتفاعل إيجابي خلاق.

ويجمل الدكتور طيب تزيني مواجهة الثقافة العربية لموضوع خروجها من تخلفها التاريخي بمرورها في أربعة عهود. ففي العهد الأول طرحت أسئلة الثقافي الجديد من الداخل عبر الإصلاح الديني والدنيوي المطابق والممكنات الذاتية المتاحة. وفي العهد الثاني، بعد الغزو الاستعماري لبلاد العرب وصعود المشروع الصهيوني، سيطر اتجاهان، اتجاه الانغلاق في سلفية ماضوية تنطلق من أن «الأسلاف لم يتركوا شيئاً للأخلاف»، واتجاه تمجيدي تقليدي لثقافة وحضارة الغرب. وفي العهد الثالث نزعة تلفيقية لكلا الاتجاهين، توحّد ما لا يتوحد. وفي العهد الرابع محاولة لضبط حيثيات التراث الثقافي العربي بمساعدة مفاهيم التاريخ والتقدم والتعددية القرائية والتمييز بين مفاهيم الاستلهام التراثي والتبنّي التاريخي والعزل التاريخي والواقع، وبالطبع فإن العهد الرابع لايزال في بدايته ولا يمكن التنبُّؤ بنتائجه.

أما السيد ياسين فيتحدّث عن وجود وجوه ثلاثة للثقافة العربية المعاصرة. أما الوجه الأول، وجه الماضي، ويركّز على إعادة اختراع التقاليد، وهو أدقّ وصفٍ للمناخ الثقافي العربي الراهن. هنا تطرح أسئلة تافهة هامشية ترد عليها إجابات جاهلة من خارج العصر الإنساني الذي نعيش. ويتساءل السيد ياسين: إذا كانت مرجعية الحياة ستصبح هي الماضي فماذا سيفعل المسلمون في الحاضر؟

أما الوجه الثاني فهو وجه الحاضر: العرب في مواجهة العاصفة، عاصفة القرن الحادي والعشرين، أي عاصفة العولمة، كيف تتم الاستفادة من إيجابياتها وكيف يتم تجنّب ومقاومة سلبياتها. وهو يذكّر بأن تحديات عصر المنافسة العالمية ليست اقتصادية بحتة، إذ أن أخطر التحديات هي تحديات ثقافية إضافية للتحديات السياسية المتمثّلة في شعارات الديمقراطية والتعددية السياسية واحترام حقوق الإنسان وقضايا العلاقات الدولية المتشابكة.

وأمّا الوجه الثالث فهو وجه المستقبل: غياب الرؤية الاستراتيجية العربية. وهي رؤية تنموية يجب أن تنطلق من ثلاثة دعائم: الحرية السياسية والعدل الاجتماعي والانفتاح الثقافي على العالم .

لكن إشكالية الثقافية العربية لا تقتصر على الجوانب الفكرية والمعرفية وعلى مدى تفاعلها مع حضارة العصر وإسهامها في نتاجها، وإنّما تشمل أيضاً وعاء فكر تلك الثقافة: اللغة العربية. وهذا موضوع بالغ الأهمية والتعقيد وموغل في الزمن.

إن الدكتور محمد هيثم الخياط، في كتابه «في سبيل العربية» يذكر بأنه منذ دخول الاستعمار أرض العرب وفقدان المجتمعات العربية توازنها الثقافي عند أعداء اللغة العربية إلى إثارتهم الكثير من الضوضاء: «طوراً بالدعوة إلى إفساد اللغة باسم الإصلاح، وتارةً بالدعوة إلى أمية اللغة باسم التبسيط، وثالثةً بالدعوة إلى تهجين اللغة باسم التطور والنهضة»، وهو يذكّر بدعوات استعمال العامية في المسرح والسينما ووسائل الإعلام، وباستعمال أساتذة الجامعة العامية في إلقاء دروسهم على أجيال المستقبل، وبالتراجع عن تدريس العلوم الطبيعية وعلوم الطب باللغة العربية، وبالقصور الشديد في حركة الترجمة والتعريب.

وعلى رغم أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم قد أولت اهتماماً خاصاً، منذ إنشائها، باللغة العربية، تدريساً واستعمالاً وتعريباً وترجمة، وعقدت الكثير من الاجتماعات للوزراء المسئولين لاتخاذ قرارات بشأن اللغة القومية الأم، إلا أن قضايا هذه اللغة ازدادت سوءاً وتعقيداً، ما اضطر الكثير من الجهات ومن الأفراد المهتمين لتكوين «المجلس الدولي للغة العربية»، الذي ينبري اليوم، وبقوة وفاعلية، لدراسة قضايا ومحن وإحن اللغة العربية، ويدعو لعقد اجتماعات واسعة وندوات تخصصية لتشخيص تلك القضايا واقتراح الحلول، ورفع تلك الحلول كتوصيات للحكومات العربية ولمؤسسات المجتمع المدني المعنية. (يتبع).

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4975 - الأربعاء 20 أبريل 2016م الموافق 13 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 9:12 ص

      قد لا يقال أن الثقافه عند العرب مستويه أي مقدار عدد الكتاب يساوي عدد القراء للكتب المنشورة منذ بداية القراءة لا منذ بداية الكتابة. فالقراءة اليوم لا تعد من الهوايات مثل جمع الطوابع وتربية الحمام وغيرها من الهوايات. فاليوم بعد وصول التطبيقات المتعددة ..بات فاضحاً أنه من الصعب افعتراف بأن الهويه العربيه مبهمة اليوم. فهل يمكن أن نعرف الإنسان العربي في ظل التضليل والشتات ؟؟؟؟

    • زائر 2 | 9:07 ص

      "لا مستقبل بلا حاضر كما لا حاضر بلا ماض" هذه ليست من الكليات ولا من الجامعات إلّا انها تجمع مدرسة بحصة بكلية كما تجمع مجموع م جامعه. فمسالة مدارس اليوم لا تصلح لبناء جيل ما بعد ألإنفجار المعرفي. فالمعرفه لا تبدأ من التعريف ولا من التحريف,,...

    • زائر 1 | 3:57 ص

      بارك الله فيك أين هذه الأفكار كانت عندما كنت وزيرا لتربية أو أهل عالي مادروا إلى تالي أو السلطة كانت تمنع التغيير نحو الأفضل.

اقرأ ايضاً