العدد 4978 - السبت 23 أبريل 2016م الموافق 16 رجب 1437هـ

 أغاني «الحرية» في مقابل الاضمحلال السياسي العربي

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

مازالت المجتمعات العربية تعيش حالة الاضمحلال السياسي والاجتماعي الذي لا يعترف بحرية الفرد ولكن ضد هذه الحرية تحت أعذار تتحجج بالتقاليد تارة وتارة أخرى بالدين. وهذا بالضبط ما يحدث عندما يتم طرح قضايا تتعلق بمساواة المرأة بالرجل والتعددية والدولة المدنية والديمقراطية وغيرها. جميعها يتم تفصليها تحت إمرة السلطة السياسية أو تحت إمرة السلطة الدينية، وفي العالم العربي تجده يختلف بنسب مختلفة من بلد إلى بلد عربي آخر وذلك تبعاً لمستوى التعليم والوعي السياسي ومدى أثر ذلك في التغيير الاجتماعي المصاحب للعوامل التي جعلت من بلد يحظى بمجتمع مدني نشط يخرج في تظاهرات وإضرابات مثل المغرب وآخر يقمع ويحرم عليه فعل ذلك بينما نرى المرأة تتمتع ببعض الحريات لكن هناك من يحاول سلبها أو تحرم كلياً في مقابل بلد عربي مثل تونس تنعم فيه المرأة بكامل حقوقها تحت حماية القوانين المدنية الحرة التي تكفل احترام الفرد ومساواة المرأة بالرجل دون تمييز أو استثناء.

مناسبة هذا الحديث هو ما يحدث من تقلبات مستمرة في المشهد السياسي العربي ولعل قضية البحث عن الحرية مازال أمراً مطروحاً في أذهان الشباب العربي الذي كان قد خرج إلى الميادين قبل خمسة أعوام بحثاً عنها ولكنه يبدو أنه وجدها في الأغاني والموسيقى بعد أن قمعت أحلامه مع الحرية بالخرطوش «الشوزن» والرصاص والزج في السجون والفر إلى المنافي وصولاً إلى الانقسام والحروب التي دمرت بلدانا وأخرى تعيش تحت الحصار.

الأصوات الشابة في عالمنا العربي كثيرة، فهي من ذهبت لإحياء التراث في كل بلد من خلال البحث عن لغة مشتركة للحرية، هذه اللغة التي يشترك ويتفق عليها الجميع لأنها لا تحمل مذهباً ولا عقيدة ولكنها تحمل مفهوماً للإنسان الحر وهي نعمة مازالت غائبة عن المجتمعات العربية وإن كانت تقاس بدرجات من مجتمع لآخر ولكن عموماً هناك تعطش لهذه الحرية وتعطش لإطلاقها.

فمن رحلة البحث عن الحرية عبر الأغاني في سرد أشعار عربية قديمة وصولاً إلى حكايات أميركا اللاتينية، كما فعلت الفنانة اللبنانية هبة طوجي، صاحبة الصوت الجميل في أغنية «تانغو الحرية» و «الربيع العربي» وغيرهما. ثمّة موسيقى ثورية، مثلما هناك أغنية ثورية، مع فارق أن الأولى تستوجب تنوير اللغة الموسيقية والأخرى تأتي من دون إحداث قطيعة مع الواقع والبيئة والذاكرة. هكذا هو أسلوب أسامة الرحباني في التأليف مع أغنية «تانغو الحرية»، تجديدي وصادم وشعبي.

هكذا غنت طوجي عن الحرية مع موسيقى التنوير المصاحبة للحدث والواقع المعاش المتمثل في أسلوب أسامة الرحباني الذي يعرف تماماً متى يشعل فتيل موسيقاه مع مشاعر تصاحب قضايا جريئة تميل إلى التفجر.

وعندما غنت طوجي «تانغو الحرية» فقد كانت رسالة واضحة لكل بلد عربي، فهي تحدثت عن فترة الحكم العسكري في دول أميركا اللاتينية في حقبة القمع والظلم من السبعينيات إلى أوائل التسعينيات من القرن الماضي وتحديداً في الأرجنتين في عهد خوان بيرون وتشيلي في عهد اوغستو بونيشيه والاعتقالات وحالات الاختفاء القسري التي حلت بالأطفال والنساء والرجال والذين في الغالب قتلوا بعد التعذيب أو اغتصبوا.

ورغم مرور هذه السنوات الطويلة إلا أن قضية قوائم المختفين في تشيلي والأرجنتين مازالت مطروحة حتى اليوم وأغنية «تانغو الحرية» تكلمت عن ذلك وتحديداً عن حكاية حقيقة لحزن مدينة عاش فيها فنان تشيلي يدعى «فيكتورجارا» وفي يوم 11 أيلول/ سبتمبر 1973 قتل ورميت جثته في شوارع العاصمة تشيلي بعد اعتقاله قبل هذا التاريخ بعشرة أيام وهو كان عازف لآلة الاوكورديون.

لقد بدأت تنعش أغاني الحرية شبكات التواصل ومواقع «اليوتيوب» وهي التي لا تشاهدها ولا تسمعها عبر قنوات الأغاني المحتكرة لعقلية لا ترى في الحرية إلا صوراً تستخدم في الابتذال وليس في تقديم فن راقٍ وملتزم يحرر الإنسان من ثقافة التحكم والاستعباد القائمة في مجتمعنا العربية ولاسيما في أدوات الإعلام القائم بشكله الحالي.

إن حكايات الإنسان العربي كثيرة من الخليج إلى المحيط ومن المنامة إلى الرباط، فهناك أكثر من حكاية وقصيدة تحكى وتروى عن «الحرية»، هذه الأغاني برمتها تعكس ثقافة جيل عربي مبدع يستخدم الغناء والموسيقى طريقاً لنشر الوعي والتظاهر على الطريقة الفنية التي تدغدغ مشاعر كل شاب وشابة من خلال مهرجانات الثقافة وعبر شبكات التواصل الاجتماعي.

لن تكون الفنانة صاحبة الصوت القوي هبة طوجي الوحيدة من سردت حكايات الحرية ولكن من دون شك عصرن أسامة الرحباني الغناء العربي ليجعله يثور بين تقنيات الغناء العربي مع الغربي في الكتابة الموسيقية التي تعتمد على الحس الإنساني الباحث عن لغة الحرية المشتركة بين جميع الشعوب مستثمراً الجاز والبلوز والروك والموسيقى الشرقية واللاتينية.

إن صوت «الحرية» اليوم في الأغنية والموسيقى العربية ما هي إلا صرخة عربية أخرى، تخرج طاقة وصوتاً مازال محاطاً بقلوب مليئة حجر... ليس مهماً أين تكون الأحداث بأي بلد وبأي شعب، المهم أن أرواحاً تموت كل يوم بسبب الظلم والدمار الذي يحتل مراتب مختلفة... كل هذا يحدث بسبب غياب الحرية في وطن عربي كبير.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 4978 - السبت 23 أبريل 2016م الموافق 16 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 8:26 ص

      من ما أو ممّا لا شك فيه ولا ريب أن الدين معاملة. يعني بالسرياني " عامل الناس الآخرين بمثل أو كما تحب أن يعاملوك أو يعاملك الآخرون". أما" الحريه فتنتهي عند ما تبدأ حرية الآخر".كما يقال خذ الحكمة ولو من أفواه المجانين. فقاعدة لا ضرر ولا ضرار ليست من البدع وإنما من القواعد البديهية. فمتى ما كان العمل غير صالح كانت الأضرار وخيمة وتعود على المجتمع وعلى من قام بالعمل الغير الصالح الضرر عينه وكل يرى الناس عن عين طبعه! اليس كذلك بالمقلوب؟ فما العمل المشترك اليوم؟

    • زائر 4 | 7:45 ص

      لا أملك إلا أن أحييك وارفع قبعتي احتراما لك ياصاحبة القلم الحر ..مساك أسعد عزيزتي ...

    • زائر 3 | 4:09 ص

      نبحث عن الحرية

      أين هي يا سيدتي ؟

اقرأ ايضاً