العدد 4990 - الخميس 05 مايو 2016م الموافق 28 رجب 1437هـ

شباب وشابات العرب وحمل قدرهم

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

ما أكثر ما كتب عن الأسباب التي قادت شباب الأمة العربية إلى تفجير الحراكات الجماهيرية الكبرى في ساحات وشوارع الكثير من أقطار الوطن العربي إبان فترة خمس السنوات الماضية.

من بين تلك الأسباب ذكرت مثالب وممارسات الدولة الوطنية العربية الخاطئة بحقِّ الشباب، الفراغ المجتمعي السياسي بسبب ضعف الأحزاب والنقابات في وجه سلطات حكم الدولة، وتدخلات ومؤامرات بعض قوى الخارج العربي. ولذلك فالحراكات كانت ظاهرة طبيعية، وما حققه الشباب والشابات أصبح مادة قصائد وأغاني مديح وإعجاب وإكبار.

لكن ما إن واجهت الحراكات الجماهيرية المبهرة المصاعب وانتكس بعضها لأسباب موضوعية حتى زاغت أبصار المعجبين والمادحين عن موضوع الشباب وما أبدعوه، وبالتالي عن الإمكانيات المختزنة فيهم، ليصبح موضوع الشباب مختصراً في بعض خطوات تقوم بها الدولة لتحسين أحوال معيشتهم. يكفي أن تقوم الدولة بتحسين فرص الشباب في الحصول على الوظائف، وفي تمثيلهم في المجالس بنسب معقولة، وفي تيسير التحاقهم بالجامعات... إلخ. من خطوات مماثلة، حتى يتوقف الشباب عن الاستمرار فيما بدأوه.

غير أن تلك النظرة المبسطة تطرح سؤالين: الأول يتعلّق بما طرحه الشباب من شعارات. فهل تلك الخطوات كافية لتكون استجابة مقبولة لشعارات الكرامة الإنسانية والحريَّة والعدالة الاجتماعية التي صرخت بها حناجر الملايين؟ والثاني يتعلق بطبيعة سلطة الدولة العربية.

فاذا كانت غالبية سلطات الحكم قد فشلت في بناء تنمية إنسانية شاملة، بما في ذلك بناء نظام ديمقراطي يقوم على أسس المواطنة المتساوية في الحقوق والفرص وبناء نظام اقتصادي إنتاجي ريعي بدائي، وذلك بسبب انتشار الفساد والمحسوبية والزبونية والولاءات الفرعية، سواء المذهبية أو القبلية أو الحزبية أو الطبقية، فهل يمكن الاعتماد على هكذا أنظمة حكم للقيام بخطوات تراكمية معقولة لتحسين فرص الشباب وتمكينهم في حقول السياسة والاقتصاد والاجتماع؟

بل إن الأمر أكبر وأخطر من ذلك. فالشباب هم جزء من تكوين المجتمعات العربية. فاذا كانت الدولة العربية قد مارست ابتلاع مجتمعاتها في جوفها منذ إنشائها ومارست، سواء بقصد أو بدون قصد، الهيمنة شبه الكاملة على نشاطات تلك المجتمعات، وبالتالي ساهمت في جعلها مجتمعات عاجزة ولا مبالية ومعتمدة على ما يلقى لها من فتات الدولة الريعية.... فما الذي سيجعل تلك الدولة تخرج عن عادتها السابقة وتولي اهتماماً خاصًّا متميزاً للشباب؟ والشباب فقط؟ وما الذي سيجعل مؤسسات المجتمع المدني، المغلوب على أمره والمسجون في جوف الدولة، قادرة هي الأخرى على مساعدة الشباب والوقوف معهم للحصول على حقوقهم؟

نحن إذن أمام دولة مبتلاة بشتى العلل وأمام مجتمع مدني ضعيف ممزق عاجز. إنه استنتاج مؤلم، ولكنه متجذر في الواقع العربي. أضف إلى ذلك أن الخارج لن يتدخل إلا لخدمة مصالحه، ويجب ألا يقحم في حل مشاكل مجتمعاتنا.

وإذن، من سيمكن الشباب ويحسن فرصه الحياتية ويخرجه من جحيم المشاكل الكثيرة التي يواجهها في حقول التعليم والصحة والعمل والمسكن والسياسة وغيرها؟

آن الأوان لأن يواجه الشباب العربي الجواب على هذا السؤال، فلا يضيع في متاهات الاعتماد على هذه الجهة الفاسدة أو تلك الجهة العاجزة، ولا يدخل في غيبوبة أحلام اليقظة.

فالجواب، كما علمنا تاريخ البشرية في كل المجتمعات وعبر كل العصور، سيكون: الشباب أنفسهم، بلحمهم ودمهم، بقوة إرادتهم، بتنظيم صفوفهم، بالالتزام التام بقضايا مجتمعاتهم بما في ذلك قضاياهم الخاصة بهم... أي من خلال العمل السياسي المدني النضالي السلمي التراكمي، غير المتقطع.

قد يكون نضالهم ذاك من خلال الالتحاق بتنظيمات موجودة وإدخال الحيوية فيها لإخراجها من غيبوبتها الحالية، أو من خلال خلق تنظيمات جديدة تتخطّى عجز الماضي وتتعلم من دروسه.

ولنضف إلى ذلك تحذيراً مهمّاً: وهو أن النضال من خلال شبكات ووسائل التواصل الالكتروني الاجتماعي يمكن أن يكون مساعداً لذلك العمل السياسي المؤسسي المنظم، ولكنه لن يكون بديلاً عنه. هذا أمر يجب أن يتجذر في قلب وعقل وروح شباب الأمة العربية. فالعمل السياسي التاريخي سيحتاج إلى أكثر من «تويتر» و»فيس بوك» وأخواتهما.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4990 - الخميس 05 مايو 2016م الموافق 28 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:46 م

      الشارد والوارد

      اي والله دكتور علي لن تنجب وزارة التربيه مثالا له هلكتنا قوانين التربيه من بعدك سنه انتظر تصديق شهادتي من جامعه حكوميه الأولي علي مستوى البلد والفرصة تلي الفرصه تذهب مني بنفس تخصصي بالعمل يارب تكرم الأجيال القادمه وتكرمنا بمثل دكتور علي فخرو يالك من شهم تعتز فيك البحرين شعبها كافه

    • زائر 3 | 12:16 م

      راحت ايامك يادكتور علي

      مازلت اذكر روعتك ايام التسعينات وانت ماسك التربيه وين ايامك ياليتك بعدك راس الهرم عالتربيه مو الحين .... ليت بالبلد ثنين مثل وطنيتك وحبك للمواطن هيهات نسى ايامك بالتسعينات

    • زائر 2 | 10:57 ص

      لا حياة لمن تنادي

      اختي محكم بيئي بكالوريوس جيولوجيا ماستر أنظمة مياه جلست ثلاث سنوات تنتظر توظيف او حتي مقابله قدمت بالدوحه بعد ثلاث آيام فقط اتصلو لها لتوظيف مش بس مقابله بعد ماعرضو عليها موافقتهم علي كل ماتطلب الان تقود فريق مختصين بوزاره قطريه البحرين استغنت عن الطاقات و واستبدلتهم ببدل فاقد منتهي الصلاحيه ياترى شو الهدف من حذف الثقه في البحريني ؟!

    • زائر 1 | 11:37 م

      شباب ونعم الشباب ولكن

      الشباب طاقة وحيوية وإبداع وفكر نير ورغبة جامعة في تحسين الحياة لكنه مثقل بمتطلبات الحياة التي أصبحت شغله الشاغل وكأن ما أريد له ذلك ومن يمتلك لايهمه الأمر لأن التغيير سيفقد عليه حياته ورفاهية فهل المطلوب من الأولى والثانية تجني الثمار

اقرأ ايضاً