العدد 4992 - السبت 07 مايو 2016م الموافق 30 رجب 1437هـ

المغردون من «نفع اقتصادي» إلى «خراب مجتمعي»

أحمد صباح السلوم

رئيس جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

توقّفت طويلاً أمام تصريح سمو رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان منذ أيام وهو يتحدث عن المغرّدين وأحوال المسيئين منهم في البحرين، ويقول إنهم أشبه بمن يضرب نفسه بالعصا، وهو وصف بليغ من قائد ذي خبرة وحنكة، وفي نفس الوقت يثني ويشيد على من يدعمون اللحمة الوطنية ويدافعون عن تراب الوطن. والواقع أن هناك حكمة واضحة في تصريح سموه بعد أن صارت «شبكات التواصل الاجتماعي» التي تحوّلت بقدرة قادر في البحرين إلى «شبكات التفاسخ الاجتماعي»، أشبه بحلبات صراع تعج بالتشهير والألفاظ القبيحة والبذاءات دون ضابط أو رابط.

وما نراه من قضايا وبلاغات للنواب ضد هؤلاء المسيئين من المغردين ليس بغريب أو قليل، فعدد البلاغات جداً كبير، ولو أن البعض يرى أن أداء المجلس سيء وهو ما دفع المغردين لهذا الاتجاه، فأنا أرى أن الأخلاقيات السيئة ليس لها علاقة بالنقد والانتقاد، فمهما كان الشخص أو الكيان الذي انتقده سيئاً، يمكنني أن أوجّه الانتقاد بأدب ودون خطأ أو تجريح شخصي!

في دول أوروبا يستخدمون هذه المواقع في التواصل والنصح وطمأنة الأهل والأقارب والتواصل معهم، ثم طوّروها لتستخدم في الأعمال التجارية وتحقق نجاحات مبهرة من خلال بعض الحسابات التي تقوم بترويج الأفكار والدعاية الإيجابية عن السلع والمنتجات وغير ذلك، حتى أن بعض مشاهير الفن والرياضة يستخدمون مواقعهم الخاصة في الدعاية لبعض المنتجات والأغراض الخاصة بهم مثل الحقائب الجلدية والملابس والعطور وغيرها، ويحققون من وراء هذه المواقع أرباحاً طائلة، آخرون ليسوا بمشاهير تحوّلوا إلى مشاهير من خلال هذه المواقع بأفكارهم وإبداعاتهم الإيجابية في جذب القراء وعموم الجمهور، وحققوا أيضاً أموالاً من هذه المواقع.

للأسف تحوّلت في مجتمعاتنا إلى «شغلة» و»مصلحة» للكثيرين الذين ليس لديهم أعمال فوجدوا في هذه المواقع ضالتهم لابتزاز الناس، والإساءة والبذاءة والشتم والقبح، ولا رادع كافياً من القانون حتى الآن لوقف الإساءات والتطاول في هذه المواقع، ووضع حد لمن يضرون باللحمة المجتمعية البحرينية ويفسخون عقدها المتين.

في المجتمعات الراقية يعرض الناس أفكارهم وتجاربهم ورؤاهم في الهموم والقضايا السياسية والاقتصادية والوطنية، والبعض هنا يعرض قبحه وشتمه وغله وحقده على الآخرين، مشاكل بين النواب والمغرّدين وبين التجار والمغرّدين، وبين المغردين بعضهم البعض، متى ستتوقف هذه المشاكل؟ ستتوقف عندما يكون هناك عقاب رادع لمن تجاوزوا خصوصيات الناس وحياتهم الشخصية وسمعتهم، وتعرّض بسوء قصد ونية لما يعيب الغير، دون مراعاةٍ لآداب ولا خصوصية ولا عرف ولا تقاليد درجنا عليها وتعلمناها.

هناك نقطة أخرى ليت أحداً من شيوخ الدين الكرام الأفاضل الرد عليها وبيانها لعموم الناس في البحرين، وهي مدى إثم وحرمة هؤلاء الذين اتخذوا من مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني نافذةً للسب والشتم والتجاوز والمشي بالنميمة والتشهير بسمعة الناس وأعراضهم، هل هذا من الدين في شيء؟ وما عقابه في ديننا الإسلامي المحض على مكارم الخلق والعفاف والرقي في التعامل؟

ما هو أيضاً حكم من يتبعهم ويستمع إلى بذاءاتهم ونميمتهم ثم يبقي على صداقتهم في وسائل «التفاسخ» الاجتماعي هذه، هل يأثم هذا الشخص أيضاً أم لا؟ وما يستوجب على هؤلاء الأشخاص فعله حتى ينأون بأنفسهم عن النميمة والكذب المنتشر بين بعض هؤلاء الأشخاص؟ وهل يكفي أن يعملوا «عدم متابعة» أو «بلوك» لهؤلاء الأشخاص المنفرين حتى يخلوا ساحتهم ويبرأوا من إثم هذه التجاوزات أمام الله؟ وهل تكاسلهم وبقاؤهم ولو بغرض «معرفة الأخبار» مثلاً، كافٍ لتبرئتهم من إثم المتابعة؟

ونحن نرجو حقيقة أن يساهم مشايخنا الأفاضل بالتوعية من خطورة الاستخدام «الخاطئ والمخل» بهذه المواقع لما فيه من مخاطر جسيمة على تماسك المجتمع البحريني ونسيجه، حتى بات السب والقذف يملأ بلاغات الشرطة وقاعات المحاكم!

ما اخترعت أبداً مواقع التواصل الاجتماعي لتكون «النموذج المقزز» الذي يدرج عليه البعض في البحرين حتى صارت «مهنة» يتحصل البعض منها على أموال مقابل التشهير بهذا أو ذاك وبدون سابق معرفة من الأصل، وليس بعيداً أن ينالني التشهير أيضاً لمجرد أنني أزحت الغطاء عن هذه الوقائع المؤسفة!

إقرأ أيضا لـ "أحمد صباح السلوم"

العدد 4992 - السبت 07 مايو 2016م الموافق 30 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:27 ص

      سلام عليكم. في البداية اريد ان ارفع القبعة إلى صاحب القلم الحر و الجريء الاستاذ احمد سلوم. اتفق مع الكاتب على جميع ما ورد في المقال. أصبحنا نستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لقذف و الهجومية على الطرف الآخر و ذلك لسبب النقص و الحسد. في الدول المتقدمة يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للترويج عن الأفكار و الإعلان أما للأسف عندنا فقط للقذف و النيل من الطرف الآخر. الإساءة عن طريق الوسائل الاجتماعي يحتاج إلى وقفة تأمل . مرة أخرى اشكر الأستاذ الفاضل أحمد سلوم على جراته في التطرق إلى هذه المواضيع المهمة.

اقرأ ايضاً