العدد 4995 - الثلثاء 10 مايو 2016م الموافق 03 شعبان 1437هـ

تنحي «أوغلو»... انقلاب قصر

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

-أيها الرئيس، هل تعينني رئيساً للوزراء؟ لن تجد من هو أكثر إخلاصاً مني!

هي حكاية أحد المارة التي تداولتها وسائل الإعلام حين استوقف موكب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أثناء مروره السبت الماضي في أحد شوارع اسطنبول، عارضاً عليه رئاسة الحكومة عوضاً عن أحمد داود أوغلو!

في كل الأحوال، سواءً حدثت الحكاية بالفعل أم لم تحدث، فهي تختصر المشهد السياسي التركي بما لها من دلالات عميقة لأبعاد تنحي رئيس الوزراء.

الثورة الصامتة

تنحي رئيس الوزراء التركي أوغلو صاحب نظرية «صفر مشاكل مع الجيران» من رئاسة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، يعني تخليه أيضاً عن رئاسة الحكومة، فالرجل كان شريكاً فعلياً للرئيس أردوغان في الحكم، بل والعقل المدبّر ومهندس السياسة الخارجية والمنتج للأفكار التي تؤسّس لإحياء أن تكون تركيا مركزاً للحضارة الإسلامية، ولا عجب فما تشير إليه سيرته الذاتية تكشف عن ذلك.

كثيرة هي التقارير التي تناولت وأسهبت في تفاصيل التنحي، وما يكمن خلفها من أسباب يأتي على قمتها الخلاف بين أوغلو وأردوغان الذي تعزّز موقعه، وإحكام قبضته على تركيا بعد الاستقالة؛ ذلك على رغم عدم تلميح أوغلو إلى الخلاف بقدر تأكيده على علاقتهما الأخوية، وإنه لن يتحدث عنه بالسوء أبداً، بيد أن قراءة ما بين السطور وما في الدهاليز لا يخفى على المحللين الذين يجمعون بأن واقع الحال يفيد خلاف ذلك، خصوصاً لجهة قوله في اجتماع اللجنة التنفيذية أنه لا يريد الذهاب إلى مؤتمر الحزب «في ظل أجواء تنافسية» وأنه ليس مع مؤتمر «ذي رأسين»، وتأكيده بأن قرار عدم إكماله فترة رئاسته لأربع سنوات ليست من اختياره، بل مما فرضه الواقع كضرورة، ما يدعو للسؤال عن ماهية هذا الواقع وخفاياه؟

صحيفة «جمهورييت» التركية أشارت للاستقالة بأنها «انقلاب في القصر»، أما رئيس حزب المعارضة الرئيسي فوصف الموقف قائلاً: «الاستقالة يجب ألا ينظر إليها على أنها شأن حزبي داخلي، فكل أنصار الديمقراطية يجب أن يرفضوا انقلاب القصر هذا»، فيما شبّه آخرون الحدث بـ«الثورة الصامتة» التي تأكل أبناءها وسط ضجيج الطمع والتفرّد بالسلطة.

وبدوره إعلام المعارضة انتقد ما وصفه بـ»الانقلاب المدني»، مشيراً إلى أن اردوغان طرد فعلياً رئيس وزراء حصل على 49.5% من أصوات الناخبين. وفي هذا السياق خلص بعض المراقبين إلى أن التنحي سيضع حداً لمرحلة طالما وصفها اردوغان: «رئيس قوي، رئيس وزراء قوي، تركيا قوية»، حيث علّق عليها محلل آخر في صحيفة «حرييت» في استشراف لما سيؤول إليه الحال بعد الاستقالة قائلاً: «إن ثنائي السلطة سيكون: «رئيساً قوياً، ورئيس وزراء مطيعاً».

لماذا التنحي؟

ثمة أسباب رئيسية وراء الاستقالة والقطيعة التي تتفاعل مع الاضطرابات الداخلية التي تواجه صراع متمردي «حزب العمال الكردستاني» والهجمات «الداعشية» وتفاقم قضية اللاجئين والمهاجرين وغيرها، وهي تتمحور بشأن ثلاثة محاور، أولها يتعلق بخلافات في قيادة حزب «العدالة والتنمية» الذي طالما سعى أوردغان للإمساك بزمام أموره برغم شدة الانتقادات، وهذا يكشفه صراع اللوائح بين الزعيمين؛ إذ أن 70% من مرشحي نواب البرلمان لانتخابات يونيو/ حزيران 2016 كان من اختيار أردوغان، فيما حدث العكس في الانتخابات التي تلتها، الأمر الذي شكّل وضعاً تنافسياً واستقطاباً بين المؤيدين لكليهما، كما جاءت تصريحات أوغلو التي لم يؤيّدها أردوغان بشأن نيته إقامة حكومة ائتلافية في الانتخابات الماضية؛ لتصبّ الزيت على النار وتوسّع الفجوة بينهما، علاوةًً عن قرار الهيئة المركزية للحزب في اجتماعها الأخير بتعديل النظام الداخلي الذي نُزعت فيه صلاحيات رئيس الحزب أوغلو، في تعيين الرؤساء الإقليميين «المجلس التنفيذي» وممثلي الحزب في المحافظات والأقضية لتُمنح إلى اللجنة المركزية، فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وفُسّرت بأنها رسالة قوية جعلت أوغلو بلا صلاحيات فعلية، وماذا أيضا؟

تحوّل النظام

ثاني الأسباب يتمحور حول التحوّل من النظام البرلماني إلى الرئاسي الذي يشكل قضية خلافية بين الزعيمين، لاسيما وإن اردوغان يعمل وينادي بضرورة التحوّل الذي يؤسّس للاستقرار حسب اعتقاده، فيما يفسح النظام البرلماني المجال لتدخل القوى الخارجية في الحياة السياسية، كما يسعى إلى مكافحة وجود أي «كيان موازي». في هذا الشأن اشتكى اللوبي القوي داخل الحزب والقريب من رئيس الجمهورية بأن تحركات أوغلو لا تسير وفق رؤية الرئيس، بل أنه يقف عقبةً أمام التحول للنظام الرئاسي الذي ينظر إليه بتحفظ، ولم يتحمس له ويدفع باتجاهه أو يضعه في سلم أولوياته. ويشير المحلّلون أيضاً إلى قوله بعد انتخابات يونيو/ حزيران، بأن «الناس لم تصوّت للنظام الرئاسي»، فيما اشتكى متنفذون في الحزب من تراخي وتقاعس أوغلو وفتوره في مكافحة «الكيان الموازي»، وهو أمر أغضب أردوغان.

أما السبب الثالث، فيتمثل فيما يتسم به النظام السياسي من تداخل في إدارة الدولة، أثر بهذا الشكل أو ذاك على أداء الرئيس ورئيس الوزراء، فحسب الدستور يتولى رئيس الوزراء رئاسة السلطة التنفيذية، فيما يمارس رئيس الجمهورية صلاحية الرقابة على أنشطة الحكومة والتصديق على قوانين السلطة التشريعية (البرلمان)، ما يعنى أن الرئيس يتمتع بسلطة واسعة تمكّنه من تجاوز السلطة التنفيذية والتدخل في القرارات والقوانين أو تعطيلها. وهذا الأمر انعكس على اختلافات في وجهات النظر بين أوغلو وأوردغان لاسيما في مسألة ترشّح مستشار جهاز الاستخبارات التركي في البرلمان، حيث تباينت الآراء بين مؤيد ومعارض له، فضلاً عن اختلافات بشأن إجراءات تطبيق الشفافية التي دعا إليها أوغلو بإقرار الذمة المالية لمديري المديريات والمحافظين، إذ أبلغ أعضاء من حزب «العدالة والتنمية» أردوغان، أنه إذا تمّ تمرير قراره فمن غير الممكن أن تجد مسئولاً سيشغل تلك المناصب في المستقبل، وعليه فالمعضلة هنا يتداخل فيها إشكالية بنية النظام السياسي وعدم وضوح الصلاحيات وتداخلها بمتطلبات الحكم الأردوغاني مما يولد الأزمات السياسية.

بعد تفاصيل الاستقالة وارتداداتها، ثمة أسماء مرشحة يتداولها المراقبون لشغل مكان أحمد داود أوغلو، من بينهم وزير المواصلات أو وزير الطاقة والثروة المعدنية زوج الابنة الكبرى للرئيس، ووزير العدل ونائب في البرلمان حالياً، كذلك أحد مساعدي رئيس الوزراء والناطق باسم الحكومة، بيد أن أياً منهم لابد أن يخضع لشروط يتطلبها أردوغان في الرئيس الجديد للحزب والحكومة، تتمثل في قبوله بتنفيذ الأجندة الرئاسية، وتركيز جهده لإقرار الدستور الجديد الذي يضمن التحوّل من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، فضلاً عن عدم التهاون في تصفية الكيان الموازي.

خلاصة الأمر، خياران لا ثالث بينهما كانا أمام أوغلو؛ إما البقاء رئيساً للوزراء دون صلاحيات، أو الاستقالة التي دخلت معها تركيا فعلياً في النظام الرئاسي ودون سند قانوني تبعاً لتحليلات سياسية. والتطورات في المرحلة المقبلة ستحدّد آلية اشتغال النظام السياسي، ورسالة أردوغان واضحة، ومفادها أنه ماضٍ في تغيير الدستور وإقامة نظام رئاسي، فهو الزعيم الأوحد السائر باتجاه السلطة المطلقة، ويدير مفاصل السلطة والحزب الحاكم دون تردد، وستجري انتخابات ثالثة في أقل من 18 شهراً، وسيبقى السؤال المعضلة:

- هل سيضمن لحزبه الفوز مجدداً والتربع على كرسي حكم تركيا لسنوات قادمة؟

- في السياسة ومع «براغماتية أوردغان»... كل شئ جائز!

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4995 - الثلثاء 10 مايو 2016م الموافق 03 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:18 م

      الديمقراطية كانت ولا زالت سلم الصعود والهيمنة على مفاصل السلطة لدى أحزاب ومجموعات الإسلام السياسي مهما كانت أسماء وألوان الرايات التي يحملونها أو يتلحفون بها ..مع التحية

    • زائر 1 | 1:10 ص

      كما يروى عن الامام علي عليه السلام (خادم السلطان كراكب الاسد) هكذا حدث ويحدث لخدمة البلاط يرمونهم .
      هذا في الدنيا امّا في الآخرة فحالهم أسوأ بكثير (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ. وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)

اقرأ ايضاً