العدد 4999 - السبت 14 مايو 2016م الموافق 07 شعبان 1437هـ

المادة «353»... ملاذاًً لجريمة الاغتصاب

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

اتفق رجال القانون والعلوم الإنسانية والنشطاء الحقوقيون على أن جريمة الاغتصاب تمثّل أبشع الجرائم؛ كونها تقع على الضحية بسلوك قسري من قبل المعتدي، وبالتالي فهي انتهاك فاقع للكرامة الإنسانية وحق السلامة الجسدية، بما يترتب عليها من عواقب وخيمة تؤثر سلباً على الضحايا. ولهذا فرضت أغلب التشريعات الجنائية في العالم عقوبات متشددة تتناسب وهذا الفعل تبعاً للمقتضيات الإنسانية والأخلاقية، حتى إنها وصلت إلى تطبيق عقوبة السجن المؤبد أو الإعدام.

إن حماية المرأة من الاغتصاب استحوذت على اهتمام الأمم المتحدة التي حثت الدول الأعضاء على اتخاذ كافة تدابير حماية حقوق المرأة الإنسانية، وضمان عدم ممارسة العنف والتمييز ضدها وتعرّضها إلى الاغتصاب، وبما يترتب عليه من مستوجبات تعديل القوانين الوطنية باتخاذ تدابير حازمة لردع الاغتصاب، ومنع وقوعه والتصدى له بما يتناسب وحجم وأبعاد هذه الجريمة، وبمعاقبة الجاني وتعويض الضحية، لاسيما وإن الشرعة الدولية لم تقف عند حدود الجريمة والمجرم؛ بل انصب اهتمامها على الضحية وحقوقها تماماً كما جاء في التشريع الفرنسي على سبيل المثال، الذي لم يكتفِ بمعاقبة الجاني وإلزامه بتعويض الضحية، إنما قرّر مبدأ «الحماية الاجتماعية» التي يفتقدها بالطبع قانون العقوبات البحريني في مادته (353)، التي يطالب النشطاء الحقوقيون والحركة النسائية وعلى رأسها الاتحاد النسائي البحريني بإلغائها، وتجريم فعل «الاغتصاب»، بيد أن مرئيات ممثلي وزارة الداخلية بشأن اقتراح قانون يلغي المادة (353) من قانون العقوبات الصادر بمرسوم (15) لسنة 1976، والذي سيبحثه مجلس النواب الثلثاء المقبل، لا تتناسب وطبيعة هذه الجريمة والتزامات الدولة بوضع التدابير القانونية لمعاقبة الجاني وحماية المرأة من الاغتصاب وتداعياته؛ كيف؟

البحرين ليست استثناء

تركّزت المرئيات بشأن عدة نقاط مهمة تصدرتها رؤيتهم بأن «قانون العقوبات ومنذ إقراره مترابط البنود والتغيير فيه غير ممكن، إذ فيه مصلحة واضحة ومبررة والإبقاء على المادة هو الأصوب»، فيما أثبتت تجارب الدول العربية والإسلامية بأن وضع البحرين مع المادة (353) ليس استثناء، فقد سبقتنا المغرب التي خاضت الحركة النسائية والحقوقية فيها نقاشاً مستفيضاً بشأن الفقرة (2) من الفصل (475) التي ألغيت من قانونهم الجنائي في 2014 والتي كانت تسمح كما في مادتنا (353) بتزويج الخاطف أو المغتصب بالمغتصبة البالغة أو القاصر المغرّر بها من الجاني، وبما يحميه هذا الزواج من المتابعة إلا في حالة الشكوى من شخص له الحق في طلب إبطال الزواج، بيد أنهم وفي إطار إلغاء المادة وتعديل قوانينهم الجنائية، تم إضافة فقرة إلى الفصل (486) المتعلق بالاغتصاب، مضمونها يشير إلى أن «كل ممارسة جنسية بين رجل راشد وفتاة قاصر يعتبر اغتصاباً حتى لو وجد الرضى»، بمعنى إنه شدّد العقوبة هنا تبعاً للمقرّر في جريمة الاغتصاب.

في تونس ثمة ما يتيحه قانونهم في المادة (227) لمغتصبي النساء دون سن 20 عاماً في الإفلات من الملاحقة الجنائية في حال قيامهم بالزواج من ضحاياهم، ذلك على رغم إنه يعاقب المغتصبين في حالات محددة بالإعدام «كل من واقع أنثى غصباً باستعمال العنف أو السلاح أو التهديد به و/أو واقع أنثى سنّها دون العشرة أعوام كاملة ولو بدون استعمال الوسائل المذكورة» كما يعاقب بالسجن المؤبد كل من واقع أنثى بدون رضاها، ويعتبر الرضا مفقوداً إذا كان سن المجني عليها دون الثلاثة عشر عاماً كاملة، الأمر الذي جعل المطالبة مستمرة لسد فجوات القانون المتعلقة بزواج الفاعل بالمجني عليها. هذا وتحذّر التقارير من أن القوانين التونسية التي تتناول الاغتصاب تنطوي على عيوب كبيرة تردع الضحايا عن الإبلاغ عمّا يتعرضن له من جرائم، خصوصاً وأن تلك القوانين تركّز بشكل غير مبرر على إثبات استخدام العنف أو القوة الذي من الصعوبة على المرأة إثباته حين تتعرّض للاغتصاب دون إبراز دليل طبي يوثق آثار الإصابات التي لحقت بها.

أما في الأردن فقد واجه نص المادة (308) من قانون العقوبات الأردني، حملات مستمرة لإلغائها بصورة كاملة. وقد احتفل النشطاء الحقوقيون والحركة النسائية أخيراً بإلغائها الذي يوقف ملاحقة الجاني في جريمة الاغتصاب إذا تزوّج الضحية في الوقت الذي أبقى على «وقف الملاحقة» في حالة مواقعة القاصر بالرضا، الأمر الذي اعتبروه إلغاءً مجتزءاً وقصوراً في التعديلات، وحيث اعتبروا أن «رضى القاصر بالمواقعة» أشبه باغتصاب جديد لكرامة المرأة كون القاصر لا يمكن الاعتداد برأيها. ماذا يعني كل هذا؟

يعني إن المطالبة بإلغاء المادة (353) من قانون العقوبات ليست بدعةً للنشاط الحقوقي النسائي في البحرين؛ إنما هي في سياق المطالبات في العالم العربي والإسلامي بتنفيذ التزامات الدول وتعديل تشريعاتها بما يحقّق الحماية للمرأة من جريمة الاغتصاب وإنصافها وتعويضها بما يلحق بها من أضرار.

زواج المغتصب من الضحية «باطل»

إن القول في مرئيات ممثلي وزارة الداخلية بأن «الزواج في حالة الاغتصاب ليس إلزامياً إلا بموافقة المجني عليها وولي أمرها، وبالتالي لا حاجة لتغيير القانون»، يمثل رأياً يتجاهل المطالبة «بتجريم فعل الاغتصاب» ويفسح المجال واسعاً للإفلات من العقاب وتكرار الفعل مجدداً دون أدنى رادع. وبالنسبة لقولهم أيضاً «بأن القانون ميّز للمرأة وليس تمييزاً ضدها، خصوصاً وإن نتائج الاغتصاب وخيمة وهي تتعلق بفض البكارة واحتمالية حدوث حمل، وبالتالي فهو تقليل للخسائر ودفع للأضرار وبعقد شرعي». إن هذا القول مردودٌ عليه بأن المادة (353) لم تعطِ أية ميزة للمرأة، إنما تواطأت بشكل فاقع على المرأة الضحية، وأسقطت جرم الاغتصاب وعار المغتصب عليها -أي الضحية-، وعليه فمن يرتكب الجريمة يجب أن يعاقب ولا يجب ظلم الضحية مرتين، مرةً بالاغتصاب والثانية بالزواج من المجرم الذي اعتدى عليها واغتصبها. فهذا النوع من الزواج في حقيقته إفلاتٌ من العقاب واغتصابٌ مستمرٌ عواقبه كارثية على الضحية.

أما ما أشارت إليه المرئيات «بأنه ومن خلال تتبع الوقائع ثبت إن جدوى الإبقاء على المادة (353) أفضل من إلغائها وإنها تصبّ في مصلحة المجني عليها إذا ارتضت ذلك»، فيجوز السؤال عن ماهية تلك الوقائع؟ إذ لا بيانات إحصائية تفصح عن مسار جرائم الاغتصاب، خصوصاً وأن هناك قضايا وشكاوى وصلت إلى مراكز الشرطة والمستشفيات والمحاكم لا نعرف أعدادها وتفاصيلها ناهيك عن تلك التي «دُفنت سراً» تجنباً للفضيحة. كما لا يوجد كشفٌ بأعداد الضحايا اللواتي حاولن الانتحار بسبب ما وقع عليهن، والوقائع غير المعلومة لا تبيّن عدد من أصبن بحالات اكتئاب نفسي، وعانين من الآثار النفسية والاجتماعية التي انعكست على علاقتهن بأنفسهن ومع الأهل والمجتمع، إضافةً إلى انعدام نتائج الدراسات التي تؤشّر إلى مدى تحسن أوضاع من مررن بهذه التجربة القاسية بحيث تثبت جدوى إبقاء هذه المادة.

واضح إن المرئيات تقصي هذا الجانب التدميري، بل إن المادة (353) تتجاوز حق الضحايا في الإنصاف وإفساح طريق الضياع أمامهن، وتجعل من يتعرضن منهن لهذه الجرائم يترددن في الكشف عنها، وبالتالي الدخول في دائرة العذاب النفسي تحت يافطة «دفن السر». وعلى ما يبدو من صياغة المرئيات فهي تقدّم المادة (353) كملاذ لإعادة تأهيل الضحية في البيت الزوجي الذي ستعيش فيه مع «المجرم المغتصب»، والذي تم بالفعل تبرئته من فعله الإجرامي. إن هذا الزواج ما هو إلا مكأفاة على الجريمة التي سيتم تكرارها وبشكل مشرعن.

باختصار: وجود المادة (353) في قانون العقوبات غير سليم ويكرّس الحصانة القانونية للجاني. لقد تطور وضعنا في البحرين وصار أكثر نضجاً وتهيئاً لوجود قوانين ضبط ومعاقبة متأسسة على المواطنة والمساواة الحقوقية التي تحمي النساء والقاصرات والأطفال من كل أنواع التحرش الجنسي والاغتصاب في المحيط الأسري وفي الفضاء العام، ويجب أن نرتقي إلى مصاف الدول التي ارتقت بقوانينها الوطنية الخاصة بحقوق المرأة والطفل، وبما يتماشى والمعاهدات الدولية التي تجرّم الاغتصاب. إذن لنلغِ المادة (353) ودون تلكؤ.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4999 - السبت 14 مايو 2016م الموافق 07 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 9:31 ص

      قال الدعي كما يقال إبن الدعي أي من يدعي ما ليس فيه
      فلا العوام أي عامة الناس كما الخواص أي من خاصة الناس. عارف القانون يعرف ويعلم جيداً أن الله حقّ وأن الموت حقّ وللناس حقوق. فمن البديهي أن القانون له حدود كما للخرائط حدود أيضاً. فحريتك تنته عندما تبدأ حريت أو تنتهي حريتك متى ما بدأت حية الآخر. هذه المحدات قد لا يختلف فيه إثنان ولكن عامل الناس مثلما أو كما تحب أن يعاملوك. هنا "الِمثْلُ" "بالمِثْل". فلا أحد يحب أن يعتدى عليه إلّا أن اليوم من سوء الأخلاق أو عدمها أن يعتدى على الآخرينِ

    • زائر 6 | 9:09 ص

      جريمة. فاحشة. ذنب. جنحه
      كما تعددت الأسباب تتعدد المصائب. فمن المصائب مصيبة العمى ومنها أي المصائب أن بعض الناس قد لا يعلم ولا يفقه ولا يعرف ولكن يدعي العلم كما يدعي المعرفة والفقه و... فقبل المعاهدات الدولية هناك عهد عند ما يتشهد الناس. فمتى ما شهد إنسان بالشهادة الأولى أي أن لا إلاه إلّا الله وجب عليه أن لا يقبل بغير الله كما لا يقبل بحكم غير حكم الله. فهل الإعتداد ليس منالفواحش؟

    • زائر 4 | 4:40 ص

      بخصوص تعديل الماده (353) من قانون العقوبات أن تكون مبنية على دراسة ميدانية لحالات الاغتصاب وان يؤخذ فيها مصلحة الضحية في الدرجة الأولى ومنها إضافة نص للمادة الموجودة بتحريك المساءلة الجنائية في حالة طلاق الضحية لسبب ليس لها يد فيه
      والغرض هو تحميل المغتصب المسؤلية بدلا من مكافاته

    • زائر 2 | 2:53 ص

      الاغتصاب عقوبتة الإعدام ، عدموا واحد اثنين محد بيتجاسر يسوي شي ، لكن ٣ سنوات في السجن كلش شوية

    • زائر 3 زائر 2 | 4:39 ص

      الإعدام ممنوعا عالميا

اقرأ ايضاً