العدد 5001 - الإثنين 16 مايو 2016م الموافق 09 شعبان 1437هـ

البحرينيون والعرب... ومستقبل الترجمة

رضي السماك

كاتب بحريني

شاركتُ خلال الفترة ما بين (5 و7 مايو/ أيار الجاري) في المؤتمر الدولي الخامس للغة العربية، الذي ينظمه المجلس الدولي للغة العربية، والذي انعقد في فندق البستان روتانا بدبي تحت رعاية نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، حاكم دبي سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وقدمت فيه نخبة متميزة من كبار الباحثين والأكاديميين العرب والأجانب 1167 بحثاً ودراسة، وقد وفدوا من 72 دولة عربية وإسلامية وأجنبية، وكانت دراساتهم وأبحاثهم قيّمة وعظيمة المنفعة، تناولت مختلف الموضوعات والقضايا الراهنة التي تتعلق باللغة العربية وتمس حاضرها والتحديات التي تواجهها وتستشرف مستقبلها.

وكان لموضوع الترجمة، نظريّاً وواقعاً، نصيب كبير في الدراسات المقدمة للمؤتمر، وللأسف فقد كان غياب الباحثين والمتخصصين في اللغة العربية والترجمة من دول مجلس التعاون التي احتضنت إحدى دوله المؤتمر مخجلاً، وربما الاستثناء الوحيد السعودية التي شارك منها 62 باحثاً وأستاذاً جامعيّاً، ثم تأتي في المرتبة الثانية عُمان (19 باحثاً واستاذا جامعيّاً)، أما بقية دول مجلس التعاون، فقد جاءت أعداد المشاركين ضئيلة، أفضلها حالاً الإمارات التي شاركت بعشرة باحثين وأكاديميين، وأقلها الكويت التي شارك منها باحثان فقط. وهذه الأرقام بناء على معطيات سجل المشاركين مبدئيّاً قبل انعقاد المؤتمر، ولربما الأعداد تقل عن ذلك، إذا أُخذ في الحسبان المتغيبون عن الحضور، ومنها البحرين التي لم يشارك منها سوى ثلاثة باحثين من أصل خمسة سجلوا رغبتهم في المشاركة مبدئيّاً .

من المفارقات المؤلمة أن البحرين التي كانت في عصرها الذهبي تتصدر أقطار الخليج العربي في التعليم والثقافة والأدب والشعر، وفي النسبة المرتفعة من المتقنين والملمين باللغة الانجليزية، باتت اليوم خليجيّاً وعربيّاً ربما في ذيل أعداد المترجمين من الإنجليزية إلى العربية ومن الأخيرة إلى الأولى؛ بل حتى أعداد المترجمين النشطين البارزين فيها والذين لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين في أحسن الأحوال معظم الأعمال التي قاموا بترجمتها دون المستوى المتوسط، على رغم بروزهم الإعلامي الطاغي، أما من قارب المستوى المتوسط فلا يتجاوز عددهم عن مترجم واحد أو اثنين، وذلك مقارنةً بالمستويات الراقية الرفيعة لأعمال المترجمين العرب، وبخاصة في مجال الشعر والرواية والقصة والمسرح، دع عنك ترجمة الأعمال السياسية والثقافية والعلمية والمعرفية المختلفة الأخرى.

والمؤسف حقّاً ألا تجد ولا مترجماً بحرينيّاً واحداً شارك في أي من المؤتمرات الخمسة للمجلس الدولي للغة العربية في السنوات السابقة بما فيها المؤتمر الأخير موضع حديثنا، دع عنك أساتذة الجامعات والأدباء.

ولعل واحداً من الأسباب الرئيسية التي تقف وراء عزوف المترجمين والأساتذة اللغويين والمبدعين في الشعر والرواية والقصة والخط العربي البحرينيين، وكلهم يشكل المؤتمر فرصة ثمينة لهم بالنظر إلى الدراسات والبحوث القيّمة المطروحة على جدول أعمال المؤتمر، والتي تدخل في صلب تخصصاتهم واهتماماتهم هو السبب المالي؛ لأن المشاركين في المؤتمر ملزمون بتحمل نفقات السفر والإقامة، ورسوم المشاركة للجهة المنظِمة، وإذا ما استثنينا ربما قلة ضئيلة للغاية غير مقتدرة على تحمل نفقات المشاركة أو لأسباب قسرية قاهرة أو طارئة مجهولة فإن الغالبية العظمى، على رغم اقتدارهم المالي، يبدو غير مستعدين لصرف فلس واحد للمشاركة في مؤتمر لا يستضيفه بالكامل حتى لو كان مؤتمراً يعود عليه بالنفع في تطوير قدراته في الترجمة، أو في الأعمال الإبداعية التي تخصص فيها وعلى تعزيز الرصيد الثقافي والعلمي لوطنه، هذا علاوة على الإهمال والكسل ونزعة عدم الاكتراث بأهمية مثل هذه المشاركات، على رغم الإكثار في حُب البروز الإعلامي، بينما المستويات الفردية تكاد تراوح مكانها دون تطور يُذك، اللهم إلا في أضيق الحدود.

قبل بضعة أشهر وتحديداً في (نوفمبر / تشرين الثاني الماضي) ألقيت محاضرة عن الترجمة في ملتقى كانو الثقافي بعنوان: «الترجمة لدى العرب بين الماضي والحاضر» هي عبارة عن دراسة علمية استغرق مني انجازها ثمانية أشهر كاملة، وجاء عدد الحضور ليس مخيباً للآمال فحسب؛ بل غاب عن الأُمسية أشهر الأسماء اللامعة إعلامياً في الترجمة، باستثناء الصديق مهدي عبدالله والذي كان أصلاً عريفاً للمحاضرة. وبطبيعة الحال لستُ متخصصاً في نقد الأعمال المترجمة، ولست ضليعاً أيضاً في اللغة الانجليزية، ولذلك كان الجزء الأعظم من محاضرتي تاريخياً، والجزء اليسير الثاني اجتهادياً يتناول الواقع الراهن البائس والمتدهور لحركة الترجمة العربية. ولم اكن أبتغي من الدراسة المحاضرة سوى تحريك المياه الراكدة، وإطلاق شيء من العصف الذهني والفكري لواقع الترجمة على الصعيدين البحريني والعربي. أرسلت بعدئذٍ نصها الكامل لأحد الاخوة من مشاهير الشعراء المترجمين، وطلبتُ تعليقه لعله يبدي لي رأيه فيها، فرد علي بصمته الشاعري الرومانسي دون أن ينبس بكلمة واحدة لا هجاءً ولا تقريظاً!

في إحدى ندوات المؤتمر التي شاركت فيها، والتي ناقشت واحدة من الدراسات المتعلقة بالترجمة، أشرتُ في مداخلتي التي لقيت -ولله الحمد- استحساناً كبيراً بالتصفيق ،إلى « انه ما لم يكن المترجم العربي ضليعاً بما فيه الكفاية بلغته العربية، وملمّاً بالحد الأدنى بخواصها وأسرارها، فضلا عن إلمامه بحقل الموضوع المترجم أو الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه النص المُرادة ترجمته، علاوةً على إلمامه المعمق باللغة الأجنبية التي تترجم النص الذي ينتمي اليها، بما في ذلك مواكبته وتتبعه لتطورات هذه اللغة الأجنبية وخواصها وأسرارها والتي تتباين نسبياً حتى داخل اللغة الواحدة، كالإنجليزية، من دولة أو منطقة جغرافية إلى دولة ومنطقة جغرافية أخرى، فإن المترجم وفي أحسن الفروض، ومهما اجتهد وبذل جهداً لن يتجاوز الحد الأدنى المقبول دون المستوى المتوسط».

وفي الوضع الحالي الذي تمر به حركة الترجمة العربية، فإذا ما استثنينا عدداً محدوداً من المترجمين المُبدعين من فئة الشباب الثلاثيني والأربعيني في أعمارهم، فإن غالبية جيل الروّاد في الترجمة هم من جيل أواخر الخمسينات من أعمارهم فما فوق، وهم الذين سيغادرون دُنيانا تباعاً خلال عقدين أو ثلاثة، وبالتالي فإذا ما أدركنا الوضع الحالي المزري الذي تمر به حركة الترجمة على مستوى العالم العربي، ليس فقط لسبب إحباط وكسل المترجمين الروّاد المتمرسين، وتقدم الكثير منهم في السن، أو لقلة الدعم الممنوح لهم رسميّاً أو لمشاكل ارتفاع أسعار مستلزمات النشر، بل والأهم من كل ذلك تدهور وضع ومكانة اللغة العربية ومناهجها في كل الدول العربية، إن في الحياة الدراسية بمختلف مراحلها وصولاً إلى التعليم العالي، وإن في الحياة الثقافية والإعلامية، وإن داخل الحياة الإدارية العامة الرسمية حيث غدت مهمشة في المراسلات والوثائق وتعج نصوصها بالأخطاء، وإن على صعيد الحياة الاجتماعية كافة، ومن ثم فلا غرو بعد أن ظهر لنا خلال العقود الثلاثة الأخيرة تقريباً أكثر من جيل شبابي، مغترب عن لغته ومهووساً بالرطن بمفردات اللغة الأجنبية في مختلف مناحي حياته الخاصة، غير مبال بلغة أهله ووطنه، فإن المستقبل الذي ينتظر حركة الترجمة في عالمنا العربي، كنشاط لابد منه؛ لتتجاوز الأمم والدول وهدتها الحضارية، هو بلا ريب مستقبل قاتم للغاية.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5001 - الإثنين 16 مايو 2016م الموافق 09 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:00 ص

      ان كانت الوزاره المعنية بتعليم الجيل الجديد تفضل لغة اجنبية على لغتها فماذا تتوقع ؟

    • زائر 2 | 12:05 ص

      مقال ممتاز. الاسف يتكرر فيه. الخيبة مذكورة مرات. الالم ينتج من قراءة المقال. الأفضل ان يمتنع عن قرائته الأكثرية ذي الأحاسيس المرهفة التي تهوي الراحة و عدم انشغال الفكر و إهمال تطور المجتمع و الأجيال القادمة. ارتاحوا شلكم بالدراسة و البحث و الترجمة.

    • زائر 1 | 10:46 م

      توصيف واقعي لحال اللغة العربية في مواطن تداولها، بوصفها اللغة الام، وحال الترجمة المزري بصفتها جيرا للعبور الثقافي والحضاري للتقارب بين الامم؛ لبد عملت جهدي مع الفريق العامل معي بإدارة المناهج، عندما كنت اختصاصيا اول للغة العربية للتعليم الثانوي، على تدشين مقرر خاص بالترجمة، ضمن مقررات منهج اللغة العربية المطور للتعليم الثانوي، 2005/ 2096 إلا أن هذا المقرر اصطدم بلاوعي القائمين على تنفيذ المنهج و انعدام الدراية لديهم بأهدافه الحضارية، ،فذهبت جهودناأدراج الرياح! شكرا لمقاربتكم لهذا الموضوع.

اقرأ ايضاً