العدد 5002 - الثلثاء 17 مايو 2016م الموافق 10 شعبان 1437هـ

هل تنقذنا تدابير صندوق النقد الدولي؟

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

درج «صندوق النقد الدولي»، وهو منظمة عالمية متخصصة تهتم بتطورات الاقتصاد العالمي واتجاهاته واستشراف مساراته، على وضع تقارير تحليلية يعدها خبراء متخصصون من «الصندوق»، يقومون بزيارة البلد العضو لجمع المعلومات الاقتصادية والمالية اللازمة، وإجراء مناقشات مع المسئولين الرسميين؛ وذلك استناداً إلى المادة (4) من اتفاقية تأسيسه التي تشير لإجراء مناقشات ثنائية سنوية.

«الصندوق» إضافةً لذلك، يعد دراسات محكمة تعتمد المنهج العلمي الاقتصادي التنبؤي بشأن التطورات والسياسات الاقتصادية لهذا البلد أو ذاك من الأعضاء، والتي يعتمد على نتائجها وخلاصتها متخذو القرار ورجال الأعمال والمستثمرون والباحثون وغيرهم، لما تحتويه تلك الخلاصات من رصد ودراسة لأبرز المتغيرات والتطورات والسياسات والتوصيات المتعلقة بالمشكلات الاقتصادية.

في سياق تقارير «الصندوق» الأخيرة وانخفاض أسعار النفط، تناول المحللون الاقتصاديون المخاوف من إفلاس الدول المنتجة للنفط بما فيها دول الخليج، وأثاروا الهواجس بشأن خطط التنمية والعجوزات والإيفاء بسداد الالتزامات، ويقصد به هنا رواتب العاملين في القطاع العام والإنفاق على الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والصحة والتعليم وشبكات الطرق والجسور والسلع الأساسية والخبز وتمويل المشروعات الكبرى والأمن والدفاع.. إلخ.

إن مصدر الخوف والهواجس حتماً يدور كون النفط فقد أكثر من 60 في المئة من قيمته خلال الأعوام الماضية، وهو لا يزال يمثل مصدراً رئيساً لإيرادات دول الخليج على رغم تمتع بعضها بصناديق سيادية تقدّر بتريليون دورلار، منها 600 مليار دولار للسعودية وحدها، فيما يتوزع الباقي على الدول الأخرى.

حالتنا الاقتصادية

في هذا الشأن، وتبعاً لبيانات «الصندوق»، تواجه الدول المصدرة للنفط في المنطقة العربية، وضعاً مالياً صعباً، خصوصاً وأنها خسرت 390 مليار دولار من عائداتها حتى 2015 بسبب انخفاض الأسعار، كما يتوقع انخفاض العائدات -أي ارتفاع الخسارة- لأكثر من 540 مليار دولار هذا العام، وأن يصل إجمالي عجز الموازنات العامة الخليجية نحو 900 مليار دولار بين 2016-2021 طالما استمر انخفاض الأسعار.

هذا العجز - حسب «الصندوق»- سيترجم على تباطؤ النمو الاقتصادي بسبب الاعتماد على النفط في تمويل الإنفاق، وعلى رغم خطط إصلاح الاقتصاد التي اعتمدها بلد كالسعودية، إلا أن النفط لايزال يمثل 72 في المئة من إجمالي إيراداتها في 2015، وبدوره النمو الاقتصادي لدول المجلس سيتباطأ من 3.3 في المئة في 2015 إلى 1.8 في المئة، وحذّر من أن إصلاحات الميزانية لدول المنطقة لاتزال غير كافية، وقد تضطر إلى السحب من احتياطياتها النقدية في ظل تراجع الإيرادات، ما قد يؤدي إلى خفض الودائع الحكومية أو المرتبطة بالحكومة.

كذلك وجد تقرير «الصندوق» في مارس/ آذار 2016، بأن انخفاض أسعار النفط أثر تأثيراً سلبياً على الأرصدة المالية في البحرين وحساباتها الخارجية، ودفع باتجاه تباطؤ نمو إجمالي ناتجها المحلي بمقدار 2.3 في المئة في 2015 مقارنةً بـ5.4 في المئة عام 2014، مشيراً إلى أنه على رغم توافر هوامش وقائية محدودة في الميزانية والحسابات الخارجية، إلا أن مواطن الضعف في ازدياد، خصوصاً المتعلق منها بتراجع الاستثمار وتباطؤ نمو الودائع المصرفية وانخفاض السيولة، وتوقّع أن يسجّل التضخم ارتفاعاً محدوداً في 2016 مع زيادة أسعار الطاقة، وضعف النشاط الاقتصادي.

في التقرير أيضاً، تبين انخفاض الإيرادات إلى 18.7 مليار دولار عام 2016 مقارنةً بأعلى ما وصلته عام 2012 وهو 26.4 مليار دولار، أي بفارق نحو 7.7 مليار دولار، ويكشف بالفعل أن النفط يمثل 9.1 مليار دولار من تلك الإيرادات، أي قرابة النصف في 2016، فيما يمثل 23 مليار دولار، أي بنسبة 87 في المئة من الدخل عام 2012، ما يدلل على مستوى الاعتماد على الإيرادات النفطية كمصدر رئيسي، ويخلص إلى إنه وعلى رغم التدابير المتخذة، إلا أن انخفاض أسعار النفط يتوقع أن يخلف عجزاً في الموازنة قد يصل إلى 5.19 في المئة من إجمالي الناتج المحلي عام 2016.

تدابير وأي تدابير؟

لمعالجة الاختلال البنيوي في اقتصادياتنا، حثّ «صندوق النقد الدولي» دول المنطقة على إجراء إصلاحات واتخاذ قرارات صعبة بشكل مستدام، تتركز على عناصر مهمة منها:

أولاً: تنويع مصادر الدخل والإنتاج من خلال خطط وبرامج تحرر الاقتصاد من الاعتماد على النفط. هنا حذّرت مديرة الصندوق كريستين لاغارد، من استمرار انخفاض الأسعار لفترة طويلة، داعيةً دول الخليج إلى تقوية إطاراتها المالية، وإعادة هندسة أنظمتها الضريبية عبر خفض الاعتماد على النفط وتغيير مصادر الدخل، واعتماد سياسات للتوسع في دور القطاع الخاص. في هذا الشأن وجه «الصندوق» ومنذ 2014 البحرين إلى تنفيذ إصلاحات في أسعار الطاقة والالتزام ببذل جهود إضافية لتحقيق المزيد من خفض العجز في الميزانية، وتنويع الاقتصاد عبر تدابير إضافية كبيرة ومركزة لتصحيح الموازنة على نحو يضع الدين العام في مسار تنازلي على المدى المتوسط. والسؤال: ما الذي تحقق بهذا الشأن؟

ثانياً: خفض الإنفاق العام على برامج الرعاية الاجتماعية التي أدمنها سكان الخليج حسب قولهم، وتنفيذ المزيد من إجراءات التقشف كإلغاء دعم بعض السلع، ورفع الدعم وتقييد فاتورة أجور القطاع العام وتخفيض دعم الطاقة وزيادة أسعار الوقود والمياه والكهرباء... إلخ، التي باشرت دول المنطقة تنفيذ بعضها بالفعل، حيث نوّه «الصندوق» بما نفّذته البحرين من تدابير كبيرة لضبط أوضاع الميزانية، بما فيها رفع الدعم عن اللحوم ورفع أسعار الطاقة كالبنزين بما يقارب 60 في المئة، ولا يزال يجري تعديل أسعار الديزل والكيروسين والغاز الطبيعي وتعرفات الكهرباء والمياه بالتدريج على المدى المتوسط. كما زادت الضرائب المفروضة على بيع التبغ والمشروبات الكحولية.

ثالثاً: فرض الضرائب: معلوم إن دول الخليج لا تفرض ضرائب مباشرة على الأفراد، وهذا شكّل عامل جذب لملايين العمالة الأجنبية، كما لايزال التداول جارياً بشأن اعتماد «ضريبة القيمة المضافة»، لمواجهة تداعيات أزمة انخفاض أسعار النفط والانكماش الاقتصادي المتوقع، باعتبار إنها الحل الأمثل حتى وإن كانت بقيمة منخفضة (أقل من 10 في المئة)، والتي قد تؤدي إلى نمو الناتج المحلي بأكثر من 2 في المئة، حسب توقع «الصندوق»، على أن تطبق على المواطنين والأجانب، إلى جانب الحثّ على فرض ضرائب دخل على الشركات والعقارات والسلع..

إلى هنا نتوقف ونقول: لاشك أن أهمية تقارير «صندوق النقد الدولي» تنبع من كونها تقرع أجراس الإنذار بشأن «الكارثة» المتوقع إقبال المنطقة عليها إذا لم تسترد أسعار النفط عافيتها، وهي تقترح إعادة هيكلية الاقتصادات الوطنية وتنويعها بما يوقف الاعتماد المفرط على النفط الذي تنحدر أسعاره؛ وهي تجد أن التنويع مدرٌّ لإيرادات غير تقليدية قد يؤدي إلى تنويع محفظة الأصول الوطنية وبما يرفع مستوى الأداء الاقتصادي، بيد أن السؤال المعضلة يدور عمّا إذ كان التنويع كافِياً بحد ذاته لتحقيق الأحلام والمستويات المنشودة في تجاوز الأزمات الاقتصادية وتقدم الأداء؟

حقاً، إن إشكالية نصائح «خبراء الصندوق» ورغم اعترافهم بأن تنفيذ التدابير المقترحة قد تواجه تحديات سياسية تتطلب وضع برامج قوية لرفع الوعي العام وزيادة التأييد الشعبي لهذه التوجهات، بيد أن ما لم يكشفوا عنه في تدابيرهم وبشفافية، حجم الفاتورة التي يفترض أن يسدّدها المتنفذون والفاسدون ممن استولوا على المال العام في هذه المجتمعات، ما لم يتناولوه الخطط العملية لتحميلهم نصيبهم من فاتورة الضرائب التي يدفعها المواطنون الذين لم يعودوا يأمنون على قوت يومهم في إيجاد فرص للعمل مع هذا التخبط ومزاحمة الأجنبي واستيلائه على الفرص، ولم يعودوا يأمنون على مدخراتهم في صناديق التقاعد التي يُخطّط لقضمها والنهش في محتوياتها.

إن تصحيح الأوضاع يتطلب استراتيجية صلبة توقف فوراً الفساد وسرقة المال العام وهدره. يتطلب الشفافية وتقوية نظام الرقابة الشعبية وإجراء الاصلاحات الهيكلية التي لا تصل لأفواه المواطن وجيبه. والأهم من هذا وذاك إجراء مصالحة عقدية بين حكومات المنطقة وشعوبها، ترتكز على مفهوم الحق والعدالة والمواطنة والديمقراطية والحرية والشفافية.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 5002 - الثلثاء 17 مايو 2016م الموافق 10 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 3:50 ص

      صندوق النقد هو ساس المشكلة

    • زائر 5 | 3:08 ص

      المشكلة ان صندوق النقد لا تهمّه مصلحة البلد وان هناك في البلد من لا يسعى بصورة جدّية لانقاد البلد.
      لأنّ انقاد البلد يتطلّب المسّ وملامسة أهمّ الملفّات ...

    • زائر 4 | 2:02 ص

      سيكون الناتج المحلّي لخدمة الدين أي لتسديد فوائد الديون فقط وهي تتفاقم يوما بعد يوم

    • زائر 3 | 2:01 ص

      بل ستركس البلد الى القاع : هذه حقيقة يعرفها اهل الاختصاص وما من بلد خضع لهذه الضوابط الا وابتز حتى يفلس

    • زائر 2 | 1:03 ص

      لا .

    • زائر 1 | 10:04 م

      وقف الفساد ومحاسبة المفسدين ( و وقف تبخر أموال الإيرادات التي لا تدخل الميزانية) وحل الأزمة السياسية و وقف التجنيس وخفض ميزانية الأمن والدفاع فيها حل للمشكلة

اقرأ ايضاً