العدد 5008 - الإثنين 23 مايو 2016م الموافق 16 شعبان 1437هـ

حوار الـBBC مع أمينة أبو عيّاش

رضي السماك

كاتب بحريني

قبل أيام قليلة أجرت الإعلامية اللبنانية بقناة BBC جيزيل خوري حواراً مع الناشطة الحقوقية المغربية الشهيرة أمينة أبو عياش، التي عيّنها الملك محمد السادس في فبراير/ شباط الماضي سفيرةً للمملكة المغربية لدى السويد ضمن مجموعة من الحقوقيين والحقوقيات عُينوا سفراء في الخارج في بادرة وُصفت بالجريئة للملك المغربي وغير المسبوقة في تاريخ البلد.

ويسلّط هذا الحوار الأضواء على جوانب من سيرة هذه الشخصية العصامية النسوية السياسية والحقوقية والتي تنحدر من عائلة فقيرة، والتي استهلت حياتها الحقوقية كواحدة من أبرز الناشطات في بلادها في حركة عائلات المعتقلين السياسيين في بلادها في أواسط سبعينيات القرن الماضي، على إثر اعتقال زوجها يونس المجاهد الناشط في منظمة «إلى الأمام» اليسارية المتطرفة، وشغلت منصب الكاتبة العامة للمنظمة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان إثر فوزها انتخابياً بهذا المنصب العام 2013، وقد تأسست هذه الفيدرالية العريقة العام 1922، وتتكون من أكثر من 164 منظمة حقوقية تنتمي إلى أكثر من 100 دولةً في العالم، وتتمتع بالعضوية فيها 30 منظمة حقوقية عربية .

وتعتزم أبو عيّاش التخلي عن هذا المنصب فور مباشرتها لمهامها كسفيرة في السويد، وهي عضو مجموعة الخبراء للدراسات الاستراتيجية للمنطقة في المفوضية العليا لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، كما ترأست منظمة حقوق الإنسان المغربية وهي من مؤسسيها، وشغلت منصب مسئولة مكتب الإعلام في حكومة عبد الرحمن اليوسفي في الفترة (1998- 2002)، وحصلت العام 2014 على الوسام الفرنسي «جوقة الشرف الوطني برتبة فارس جمهورية»، لدورها الريادي في الدفاع عن حقوق الإنسان، وحقوق وحرية المرأة. وتنطوي تجربتها كما روتها للـbbc على الكثير من الدلالات والعِبر المفيدة في الحقلين السياسي والحقوقي، وفي السمو على الأحقاد السياسية. ويمكننا أن نلخص أهم الجوانب التي أثارتها في الحوار في النقاط التالية.

النقطة الأولى: روايتها للفترة العصيبة التي مرت بها عندما اُعتقل زوجها في السبعينيات وعمرها لا يتجاوز 16 عاماً، بينما كان عمره 18 عاماً، على خلفية نشاطه في منظمة «إلى الأمام» اليسارية المتطرفة التي لا تخفي هدفها بالإطاحة بالنظام القائم، حيث شكّل هذا الحدث صدمة قوية لها هزتها من الأعماق، لاسيما أنه وأغلب رفاقه من الشباب قد تعرّضوا حينذاك للإختفاء القسري والتعذيب كما تقول، وانخرطت بسبب هذا الحدث في تجمع عوائل الدفاع عن المعتقلين.

النقطة الثانية: تبدو السفيرة الناشطة الحقوقية المغربية بوعياش شديدة الاعتزاز بتجربة «هيئة الإنصاف والمصالحة» التي شكلها الملك، وتفرّق في هذا الشأن بينها وبين التجربة الجنوب إفريقية، فالأخيرة تصفها ذات طابع ديني أساسها مجرد الصفح، بينما تجربة بلادها ذات طابع سياسي يحق من خلال إجراءاتها للمعتقلين السابقين المتضررين أو ذويهم، ومن ضمنهم ذوو الراحلين، تحديد المتورطين في عمليات التعذيب، أو الأجهزة الأمنية المسئولة عن ذلك إذا صعب تحديد أسمائهم، وذلك من خلال شهادات موثقة في جلسات استماع أو رسائل مرسلة للجنة.

النقطة الثالثة: وهي نقطة بالغة الأهمية في عِبرها ومغزاها لنشطاء حقوق الإنسان العرب، وتتمثل فيما ترويه أبو عيّاش بما مرّت به من مواقف تمكنت من خلالها أن تمارس بنزاهة دورها كحقوقية دون التناقض مع مبادئها السياسية. فهي كحال كل المغاربة، قيادة وحكومةً وشعباً، ضد انفصال الصحراء الغربية والتي يعتبرونها جزءاً لا يتجزأ من التراب المغربي الواحد، لكنها في أحداث مدينة العيون العام 2005 دافعت عن سجناء الرأي وسجناء الاحتجاجات الاجتماعية الصحراويين، ومن بينهم المطالبون بالانفصال، والانفصاليون كما تصفهم بوعيّاش كانوا مجرد قلة تقدرها بـ1% فقط، لكنها ترى أن الإعلام العالمي ضخّم عددهم، وكذلك «الجارة الشرقية» حسب تعبيرها، وأعطى الاحتجاجات الاجتماعية بُعداً سياسياً انفصالياً غير صحيح، بينما الاحتجاجات هي ذات محتوى اجتماعي معيشي عادي وشائع يومياً في كل مناطق ومدن المغرب.

النقطة الرابعة: تروي السفيرة أبو عياش باعتزاز شديد تجربتها مع زلزال مدينتها (الحُسيمة) الجبلية في الريف المغربي، وهي حسب رأيها من المناطق الأمازيغية المهمّشة، والذي خلّف خسائر فادحة في الأرواح والعمران، وكشف اهتراء البُنية التحتية، لكنها تبدي إعجابها الشديد بالموقف الذي وقفه الملك محمد السادس الذي زار هذه المنطقة الأمازيغية «المهمشة» على رغم تاريخها في الاحتجاجات السياسية ضد الدولة، حيت عاين ميدانياً الأضرار التي خلّفها الزلزال في المدينة، ونصب له خيمة بجوارها لمتابعة جهود إغاثتها يومياً عن كثب، ثم تكررت زياراته لها، وجعلها بعدئذٍ على رأس سلّم أولوياته والحكومة في الإعمار والتمويل لإعادة بنائها، وتم تجاوز مأساة الزلزال في بضع سنوات. وتصف مدينة «الحُسيمة» كوصفها لعروس من عروسات مدن البحر المتوسط غدت تيمّم وجهها إلى البحر بعدما كانت تدير ظهرها إليه، وتشيد أيضاً بالتفاف المغاربة على اختلاف فئاتهم وأعراقهم ومناطقهم، ووقوفهم في جهود فزعة الإغاثة وقفة رجل واحد مع هذه المدينة المنكوبة حينذاك.

النقطة الخامسة: تحدثت فيها أبو عياش عن تجربة زيارتها لسورية كمندوبة عن الفيدرالية الدولية غداة إعلان بيان «ربيع دمشق» العام 2006، والذي وقّع عليه نخبة من كبار مفكري سورية ومثقفيها واقتصادييها وحقوقييها، لكنه ووجه من قِبل النظام السوري بالقمع الشديد والاعتقالات والتعذيب. وتشرح كيف أن النظام السوري عرقل مهمتها لمقابلة من تعرفهم من نشطاء حقوقيين وخصّص لها النظام مرافقين يحيطون بها، ممن تصفهم بـ»رجال العناية المشددة»، في إشارة لرجال الاستخبارات الذين يلازمونها على مدار الساعة. وتمكنت بصعوبة من إجراء مقابلات مع أفراد من عوائل المعتقلين في أماكن خارج بيوتهم، بعيداً عن مرافقيها الأمنيين الذين أحاطوا بها منذ وصولها إلى مقر إقامتها بالفندق.

النقطة السادسة: وتتمثل في إعجابها وتأثرها بشخصية الملك المغربي وقدرته على الصفح والتسامي فوق روح الكراهية والانتقام، حيث حظيت بنيل ثقته بها مرتين، مرةً حينما عيّنها في لجنة مراجعة الدستور، حيث أعربت عن تأثرها الشديد للحفاوة الإنسانية التي أحاطها بها كامرأة على رغم انتمائها لتلك المنطقة الريفية المهمشة، ورغم تاريخها السياسي المعارض هي وزوجها، كما تقول، في معارضتها لوالده المرحوم الملك الحسن الثاني، والمرة الثانية حينما عيّنها سفيرةً لبلادها في السويد.

وأخيراً، وعلى عكس الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس السوري بشار الأسد، عُرف الملك المغربي الشاب محمد السادس بحنكته السياسية عندما أجرى إصلاحات استباقية في الوقت المناسب في بدايات الربيع العربي، وجنّب بلاده شرور الاضطرابات والقلاقل الأهلية الداخلية، والتي قد تعطي فرصة لأعداء المغرب المتربصين به فرص التدخل في شئونه الداخلية وإذكاء نيرانها .

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5008 - الإثنين 23 مايو 2016م الموافق 16 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً