العدد 5008 - الإثنين 23 مايو 2016م الموافق 16 شعبان 1437هـ

ماذا بعد مذبحة النخيل؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل عشرة أعوام عمد بعض ملاك المزارع إلى قتل النخيل بقطع المياه عنها، وعمد آخرون إلى صب الزيوت المحروقة عليها للإسراع في قتلها، تمهيداً لتجريف الأراضي الزراعية وبيعها قسائم سكنية.

اليوم عملية القتل تجري جهاراً نهاراً، في آخر مرحلة، للإجهاز على ما تبقّى من رقعةٍ زراعيةٍ دامت في العطاء آلاف السنين، بعد رفع الغطاء عن الحزام الأخضر لتدميره.

نحن نعيش في منطقة قاحلة تعاني من شحّة الأمطار وقلة المياه، والبحرين كانت تعاني أصلاً من ظاهرة التصحّر في العقود الأخيرة، وكان العاملان يساهمان في تدهور الوضع الزراعي تدريجياً، إلا أن ما يجرى حالياً هو عملية تسريعٍ لقتل الزراعة والتخلص منها نهائياً.

والسؤال: ماذا أعددنا لليوم التالي بعد أن نقضي على الزراعة ونجلس على تلتها؟ وما هي تبعات ذلك؟

أول التبعات هو زيادة تدهور البيئة، وارتفاع معدلات الحرارة، في هذه الجزيرة الصغيرة التي تعاني من ارتفاع معدل التلوّث بسبب كثرة أعداد السيارات، في بلدٍ صغير المساحة جداً. وقد ورد مؤخراً في تقرير دولي، اسما مدينة حمد وقرية النويدرات، ضمن أكثر عشر مناطق تلوثاً في العالم. فإذا أزلت الغطاء النباتي الذي يمثل رئةً للتنفس وتحسين الجو والهواء، فأنت تسهم في مزيدٍ من التدهور والانحطاط.

إن ما تقتله من أرضٍ زراعية، كما دلّت التجارب في كثير من الدول، لا يمكن إعادته إلى الحياة، إلا بتكاليف باهظة ومضاعفة، ونحن اليوم نتخلّص من الزراعة، ونقضي على الأراضي الخصبة، ونحوّلها إلى قسائم سكنية وتجارية، جشعاً وطمعاً في الأرباح، مضحّين بالمصلحة الوطنية العليا، في الحفاظ على الرقعة الزراعية المتبقية التي حافظت عليها الأجيال.

حالياً، تلبّي الزراعة المحلية بوضعها الحالي، جزءًا من احتياجاتنا الغذائية اليومية، (يقدّره البعض بـ10- 15 في المئة)، ورغم ما يعانيه هذا القطاع من صعوبات، إلا أنه مازال منتجاً، كما شاهد الجميع ذلك في «معرض المزارعين» خلال الأعوام الأخيرة. وبعد قضائنا على هذه الزراعة، سينزل الإنتاج عموماً إلى صفر. هل هناك بلدٌ يقضي بيديه على أحد مصادر الإنتاج التقليدية وإخراجه تماماً من الدورة الاقتصادية؟

ثم إن هذا القطاع يضم أعداداً من العمالة البحرينية، ربما يتجاوز المئات إلى بضعة آلاف، إذا احتسبنا أعداد من يعولهم هؤلاء العاملون من أسر، فضلاً عمّا يرتبط بهم من محلات وأسواق ومنافذ بيع تسوق منتجاتهم... فأنت تقطع شرايين كلّ هذه الدورة الاقتصادية وتجفّفها.

النتائج الوخيمة لهذه السياسة ستظهر على مرحلتين: سريعاً ستظهر في اختفاء المنتجات الزراعية اليومية التي توفّرها هذه المزارع. ولاحقاً، ومع تقلّص هذه المنتجات واختفائها من الأسواق، سنعتمد بالكامل على المنتجات المستوردة، وسيُضاف عبء إضافي على الموازنة العامة لصالح الاستيراد. حتى الرطب الذي كان يتوفّر في الصيف بأسعارٍ معقولة، سترتفع أسعاره مرتين أو ثلاث مرات، بحيث لن يكون في متناول الكثيرين.

النخلة في ثقافتنا مصدر الخيرات، وتشكّل أحد رموز هذه الأرض، ودخلت عميقاً في إصداراتنا الثقافية والأدبية نثراً وشعراً، قصةً ورواية ومسرحاً ونقداً، وقد أوصانا الرسول (ص) بإكرام «عمتنا» (النخلة)، وها نحن نشاهد من يتباهى اليوم بقتلها، وتجريف ما تبقى من أراضٍ زراعيةٍ خصبة، ونجلس على تلتها سكارى نشاهد أحد مشاهد انتصارات الرأسمالية الوحشية الجشعة.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5008 - الإثنين 23 مايو 2016م الموافق 16 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 23 | 10:36 ص

      وين نخيل سلماباد وعين ساب المالح .. راحت مع الطيبين الذين رحلوا عن الدنيا ... ايام لول راحت بدون راجعه .. مابقى شي ما نسرق

    • زائر 21 | 8:04 ص

      هناك مساحات واسعة في البحرين متصحرة جاهزة لبناء وحدات سكنية، ما يحتاج نجرف المزارع علشان بيوت

    • زائر 20 | 6:54 ص

      الكاسر

      ما ينعرف ليكم تصيحون تبون ابيوت
      لما يهيئون ليكم اراضين
      تقوم القيامة
      الحين تبون ابيوت لو تبون نخيل
      حددو بالضبط

    • زائر 22 زائر 20 | 8:41 ص

      نريد الاثنين بيوت ونخيل
      يجب ان تبنى البيوت في البر وليس في المناطق الزراعية

    • زائر 19 | 5:54 ص

      بختصار لا مصدر رزق إلا وهو تحت يد المتنفذ وإما تطيعوني او تموتو من الجوع

    • زائر 18 | 5:07 ص

      " هل هناك بلدٌ يقضي بيديه على أحد مصادر الإنتاج " ؟ نعم البلد التي تنتمي اليها .

    • زائر 17 | 4:46 ص

      وقد أوصانا الرسول (ص) بإكرام «عمتنا» (النخلة)
      ونحن قتلناها

    • زائر 16 | 4:10 ص

      البركه راحت في البحرين السبعينات زمن الخير والبركه بعدها اشوي اشوي خلصت بيصير حرب على الماي وحتى المطر بيخف

    • زائر 15 | 3:01 ص

      أخي زائر 6 ويلي على بربورة
      \nتم تجير أهالي تلك المنطقة فكانت مزارع فصارت أرض بور وتم بيعها للإسكان بأن تكون إسكان لنويدرات وسند والعكر والمعامير وتم ...وإعطائها لأهالي ....والجدد ...وجلهمم جدد.

    • زائر 14 | 2:57 ص

      دمروا البحر والآن جاء دور تدمير البر والزراعة

    • زائر 13 | 2:26 ص

      سيد وضع البحرين مبكي ويعوّر القلب ويمرض النفس بما تعني الكلمة من معنى ـ فمن جنّة دلمون ذات عيون سيّالة وسيبان تشابه الانهار في جريانها كلها تركت للاندثار والغور حتى ذهبت كلها واصبحنا بلد مقفر الا من بعض الواحات . جاري التخطيط لإهلاكها

    • زائر 12 | 2:08 ص

      زراعة (ريا ) التارخية اصبحت اثر بعد عين وكذلك ( الجارم ) التي زرتها قبل سنوات خربت

      وهذا المفروش تصير مناطق سياحية ممتازة ويحافظ عليها وياض علذها بالنواجذ وخصوصا ريا ثةطية مصيف منذ زمان وتي وفيرة بانواع النخيل واللوز والرمان والتين والبرسيم والفجل والرويد والبربير وقد ساهدنا كيف تذبح النخلة بالذات على مذبح الجني السريع والجشع ووو.......؟!

    • زائر 10 | 1:43 ص

      مواطنون يهجّرون ويبعدون عن وطنهم الحين جاية المسألة على النخيل ليش بقى شي في البلد ما صاده >>>

    • زائر 9 | 1:39 ص

      ماذا تساوي الأرض مقابل الإنسان الذي فوقها؟ واذا كان الانسان البحراني هو عرضة لمثل ما حصل للنخيل فهل تستبعد ان يحصل ما حصل للنخيل

    • زائر 8 | 1:07 ص

      تخاطب من يا حلو
      اذون من طين واذون ن عجين
      ناس تذبحوا ولعنوا اختينهم وشققوا ابدانهم وماافتكروا فيهم تبغيهم يفتكرون في النخيل عصااااابة قلناهاااا عصاااابة قطاع طرق

    • زائر 7 | 1:04 ص

      حماية البيئة والحياة الفطرية يعني القضاء على النخيل والحفاظ على البر

    • زائر 6 | 12:58 ص

      آه ويلي عليش يابربوره

    • زائر 4 | 11:41 م

      تصحير كرزكان الخضراء و تحويلها لقطع سكنية و الصحاري لا تمس

    • زائر 5 زائر 4 | 12:32 ص

      اراضي زراعية ب الكيلومترات في كرزكان مسحت باﻻرض و شركات العقاريه تعرض مساحات للبيع و ﻻ يوجد مشتري

    • زائر 3 | 10:53 م

      الوزير ومصنع النخيل
      المقابل ﻷنصار جلري يجري العمل لتجفيف تلك النخيل لقتلها لبناء المتاجر فكانت قبل سنيات كأنها غابة وحتي الفسيل تثمر وتتلى العدوق على الأرض والآن يتم تخريبها وماعليك إلا إلقى نظرة على بؤسنا قبل بؤس تلك النخيل.

    • زائر 2 | 10:28 م

      اعتقد ان التقرير العالمي

      اشار الى المعامير وليس النويدرات

    • زائر 1 | 9:56 م

      استراليا قارة. فيها مزارع كل واخدة أضعاف مساحة البحرين. لا يسمح بالبناء علي الاراضي الزراعية تحت اية مسمي. السبب رؤيا مستقبلية و تخطيط لمنع الكوارث البشرية.

اقرأ ايضاً