العدد 5015 - الإثنين 30 مايو 2016م الموافق 23 شعبان 1437هـ

أهمية الإصلاحات السياسية للنهوض بلغتنا العربية

رضي السماك

كاتب بحريني

في مقال سابق بشأن الدراسات الكثيرة الخاصة بالترجمة التي ناقشها المؤتمر الخامس للغة العربية بدبي أوائل الشهر الجاري وغياب المترجمين والأدباء البحرينيين عنه، خلصتُ إلى أنه من دون تعميق إلمام المترجمين البحرينيين والعرب عامةً بلغتهم العربية واللغات الأجنبية التي يترجمون منها، وفي ظل ظهور أجيال شابة غالبيتها العظمى ذات جهل مطبق بالفصحى، فإن مستقبلاً قاتماً ينتظر حركة الترجمة العربية. وقبل المقال بأيام نشر الزميل جعفر الجمري في صفحة «ثقافة « تقريراً ترجمه عن «الغارديان» يفيد بأن الروايات المترجمة باتت تحقق مبيعات أعلى من الروايات الإنجليزية، وبطبيعة الحال ما كان للروايات المترجمة إلى الانجليزية من الإيطالية واليابانية والسويدية والألمانية والإسبانية والروسية واليابانية وغيرها، وليس من بينها العربية للأسف، أن تحقق ذلك الإقبال الكبير لدى البريطانيين لولا أن ترجماتها تمت بمستوى أدبي رفيع لغوياً وبلاغياً وفنياً يضاهي إلى حد كبير الروايات الإنجليزية، ولولا أيضاً أن اللغة الإنجليزية هي في تطور مستمر لكونها تنتمي لدول متقدمة متحضرة تتمتع بديمقراطية عريقة.

وهذا ما يقودنا إلى الوضع المأساوي الراهن للغتنا العربية الآخذ حثيثاً في الانحدار، فلا إصلاح إذاً للغة من دون إجراء إصلاحات سياسية في دولنا العربية، أو على الأقل تطوير تجاربها الإصلاحية الموجودة، ومن ذلك توسيع هامش حرية التعبير والنشر ليُمكن إصلاح المنظومة التعليمية العربية جذرياً، وتوسيع حق الحصول على المعلومات للباحثين كحاجة مُلحة، وهذا ما أشارت إليه لحُسن الحظ ولو على نحو عابر مقتضب وخجول الكثير من دراسات المؤتمر وتوصياته العشر التي لم تخلُ أي منها من المضمون السياسي، بدءاً من المطالبة باحترام الدساتير العربية التي تنص على أن العربية هي لغة الدولة الأساس في المؤسسات الحكومية والأهلية، واعتبارها فرض عين على كل مواطن كمعيار للمواطنة الصالحة والوحدة الوطنية والاستقلال، وتأكيدها أن مزاحمة اللغة الأجنبية للغة الوطنية أو رفع مكانتها فوق العربية أو تهميشها في المؤسسات الحكومية والأهلية يعرض السلم الأهلي والوحدة الوطنية للخطر، ومروراً بدعوة المؤتمر ما مؤداه بجعل اللغة العربية متطلباً من متطلبات الكفاءة للتوظيف في المؤسسات الرسمية والأهلية على حد سواء من دون الاقتصار على الأجنبية فقط، وانتهاءً بالدعوة لسن قوانين تُجرم المغرمين بمحاربة لغتهم وازدرائها وتهميشها. وكل هذه التوصيات الجميلة لن تقيل لغتنا من عثرتها، بل ستبقى حبراً على ورق من دون الشروع مقدماً في الإصلاحات الجذرية السياسية والاقتصادية وبالتلازم مع الأصعدة التعليمية والثقافية والدينية، ووضع آليات تنفيذية للعمل بها.

على أن ثمة دراسات قُدمت للمؤتمر عالجت جوانب مختلفة من المشكلات التي تواجه لغتنا وخاصة على الصعيد الإعلامي نذكر منها:

- دراسة الباحث حسين أحمد حسين، وهو البحريني الوحيد الحريص سنوياً على حضور مؤتمرات المجلس الدولي للغة منذ تأسيسه قبل 5 سنوات، عن «واقع اللغة العربية في اللوحات الإرشادية في البحرين»، وقد خلص في دراسته إلى الحاجة القصوى لخطة جادة لحماية اللغة العربية من تشويهها نحوياً وإملائياً في لغة الإعلانات بالشوارع، وأسماء المحلات التجارية، ووسائل الإعلام، وسن تشريعات صارمة لهذه الحماية، معززة بأجهزة رقابة فعّالة إدارياً وبلدياً بما في ذلك فرض غرامات على منتهكي هذه التشريعات.

- الدراسة المشتركة للباحثين العراقيين ناهض عبدالرزاق القيسي، وسهيلة مزبان لمراحل تطور الخط العربي منذ القرن السادس قبل الميلاد، وهي دراسة تتبع المنهج الوصفي للبحوث والنقوش والكتابات والتعريف بها من خلال الصور وذكر تواريخها، ودور القرآن في حفظ الخط العربي، وكذلك دور الرسول والخلفاء الراشدين في الحث على تجويد الخط العربي. وغني عن القول أن تجويد الخط وتطويره فنياً ليس منفصلاً عن وسائل الإعلام والإعلانات العامة.

- الدراسة التي أعدتها الباحثة اللبنانية سارة ضاهر التي تناولت الأخطاء اللغوية والنحوية التي تعج بها وسائل الإعلام العربية المرئية والمقروءة لضعف العاملين بالفصحى، ناهيك عن مخرجات تعليمية جامعية لا تكترث بمستوى الخريج اللغوي، فضلاً عن طغيان اعتبارات الربح الرأس مالي في المؤسسات التجارية على الاهتمام بسلامة اللغة العربية، ولذلك انضمت الباحثة لمشروع «بالعربية» على الموقع الإلكتروني roudy@ bilarbia.Com لتقييم قدرات الفرد، عربياً أم أجنبياً، في اللغة العربية، وبمقتضاه إذا ما كانت قدراته ضعيفة يُلحق بدورات تقوية. ومن خدمات المشروع كتابة وتصميم المواقع الإلكترونية العربية، والإعلانات والخطابات، وتدقيق النصوص اللغوية المختلفة وتنظيم دورات تقوية في اللغة العربية لموظفي الشركات.

- دراسة أمين مجلس جامعة ديالى، وأستاذ الدراسات العليا فيها، الباحث العراقي مكي نومان مظلوم، عن دور الاستشراق الألماني في إثراء العربية، وتنبع أهمية دراسته سياسياً أنها تنسف المقولة التعميمية الرائجة في كتاباتنا إعلامياً وبحثياً بأن كُل ما جاء به المستشرقون، على اختلاف جنسياتهم وانتماءاتهم الفكرية من دراسات وبحوث، هو استعماري مُغرض ضد العرب والمسلمين، وهنا يؤكد مظلوم في دراسته أن معظم بحوث المستشرقين الألمان اتصفت بالأمانة العلمية والموضوعية بعيداً عن الغايات الدينية والسياسية والاقتصادية، مشيداً بوجه خاص بالمستشرق الشهير زيغريد هونكه؛ صاحب كتاب «شمس العرب تسطع على الغرب»، وكارل بروكلمان؛ صاحب مؤلف «تأريخ الأدب العربي». ويخلص مظلوم إلى أن المستشرقين الألمان قدموا خدمات جليلة في تحقيق وإثراء تراثنا اللغوي، نشراً وفهرسةً ودرساً، وفق منهجية علمية موضوعية رصينة. وإن كان تقديرنا أن كل دارس لأعمال المستشرقين الروس في هذا الحقل التراثي اللغوي العربي تحديداً سيلمس بكل سهولة أن دورهم أعظم في عشق وإثراء التراث اللغوي العربي، وتسليط الضوء على تاريخه والأسماء الشهيرة في هذا المجال لا حصر لها.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5015 - الإثنين 30 مايو 2016م الموافق 23 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً