العدد 5017 - الأربعاء 01 يونيو 2016م الموافق 25 شعبان 1437هـ

موجات مقبلة بلا ضمانات

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

ما وقع في العام 2011 أدخل الحالة العربية في مناخ جديد لن تخرج منه في أي مدى قريب، بل ويتضح أن الأمر سيتجاوز العقد، وعند مراقبة الحالة العربية قبل 2011 سنرى أن وضعاً ثوريًّا عاصفاً نشأ في الإقليم.

كانت المقدمات لهذا الوضع كثيرة، وكان أوضحها في مصر تحديداً، وفي بعض الحالات مثلت حالة السكون التي سادت بعض الحالات العربية كسورية مثلاً إحدى علامات ما هو قادم، فالصمت، في ظل أوضاع مختلة، مقدمة للمفاجآت. أهم ما جاء به الربيع العربي بالإضافة إلى تغير رؤساء وإعلاء مطالب الشارع العربي هو عودة للعمل السياسي بين المجتمعات والشعوب العربية من أوسع أبوابه.

لكن ردة فعل النظام العربي الذي فاجأته الأحداث هو الآخر شكّل جزءًا من المنحى الذي سارت عليه الأمور، فلقد وضع الوضع العربي الكثير من الموانع والجدران والقوانين، وشغّل آلة القمع بصورة غير مسبوقة. فجأة أسقطت «الليبرالية الشكلية» التي تبنتها الكثير من الأنظمة العربية «شعار دع الناس تقول ما تريد لكننا سنعمل ما نريد»، وأصبح دخول الشبان والشابات إلى السجن بسبب التعبير عن آرائهم في دول كثيرة من طبائع الأمور. اختلط المشهد وتعقّد، لكنه بهذا التعقيد يمهّد لمصاعب قادمة.

إن قراءةً متأنّيةً للأوضاع العربية الراهنة في ظل الإجراءات الرسمية المتشدّدة، تؤكد أن الإجراءات ساهمت في استمرار العنف والانهيار، وتؤدي إلى تشكيل الحالة الثورية العربية القادمة. الوضع العربي الشعبي والاقتصادي والإنساني، بل والتعليمي والمؤسسي العربي، لا يحتاج إلى تعامل عنيف من قبل الدول والأنظمة بقدر ما يتطلب خططاً تنموية واستنهاضاً لقيم الشفافية والمحاسبة والحريات والعدالة. والواضح في المعادلة الجديدة منذ ثورات 2011 أن الإجراءات القمعية المبالغ بها ستدفع نحو الراديكالية والتطرف والتثوير. فمن سُجنوا في العالم العربي في السنوات القليلة الماضية يزدادون تطرفاً، لكن الذين يخرجون منهم من السجون نجدهم أكثر غضباً وراديكالية.

إن مؤسس «الدولة الإسلامية» الزرقاوي بالأساس تخرّج من سجن في الأردن. مدرسة العنف تتشكل أساساً في السجون، وفي ظروف التشدّد الرسمي كما يقع في سيناء اليوم وكما حصل في سورية والعراق واليمن وغيرهما.

إن عودة الربيع العربي بصورةٍ أكثر شراسة، أصبح أمراً حتمياً، وخاصة في ظل غياب بوادر للإصلاح العربي السياسي والثقافي والاجتماعي كما والاقتصادي المرتبط بالعدالة. هذه الحالة تشبه موجات البحر، فهي تأتي صغيرةً على مدى فترات متتالية، ثم تتحوّل إلى موجة كبيرة تتجاوز الموانع والحواجز والإجراءات والجدران. لكن الموجة القادمة في الإقليم ستكون أكبر من الموانع التي وضعها النظام العربي، وهذا سيكون أحد أسباب راديكاليتها وثوريتها وجذريتها.

الربيع العربي الذي وقع في 2011 شكّل موجةً عاتيةً، أما الربيع القادم بعد زمن فستكون موجته أعلى بكثير من الربيع الأول، وذلك بسبب حالة الغضب المتراكم وبسبب طبيعة الموانع الجديدة الأمنية والعسكرية التي شيّدها النظام العربي. وهذا يعني أن الموجة القادمة، التي لن تضرب كل مكان وستختار أماكن مختلفة لتوجيه حراكها، ستكون خليطاً من الثورة والعنف، وستمتلك قوة تدميرية.

كلّما تعمّقنا في محاولة فهم المشهد العربي، سنجد أن الشعوب العربية لم تتخلَّ عن حلم التحرّر الديمقراطي والمشاركة والتمثيل والمساءلة والحريات والعدالة الاجتماعية. مطالب 2011 مازالت قائمةً، والقوى التي لم تنجح في تحقيق أحلامها في 2011 لم تستسلم، بل نجدها تزداد تمسكاً بحلمها ومازال نبضها قوياً. ويخدم قضية التغيير في المنطقة العربية عجز النظام العربي الواضح حتى اللحظة في التعامل مع الأسباب والأوضاع التي أدّت إلى الثورات والربيع العربي. فالظروف التي أدّت إلى ربيع 2011 لم تتغيّر، بينما ازداد الوضع سوءًا في طول البلاد العربية وعرضها.

البعض يسأل: متى الموجة القادمة؟ هذه مسألة لن يستطيع أحد أن يتنبأ بها، لكن من يتابع ما يقع في قاع المجتمعات العربية يعي أن شيئاً يختمر في هذا القاع، وما «داعش» و»القاعدة» والعنف والحراكات السياسية وكثرة أعداد الشبان في السجون وتضاعف عدد المنفيين والملاحَقين، وبروز أفكار جديدة نقدية للنظام العربي... إلا مقدمة للمشهد القادم.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 5017 - الأربعاء 01 يونيو 2016م الموافق 25 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً