العدد 5020 - السبت 04 يونيو 2016م الموافق 28 شعبان 1437هـ

معركة تحرير الفلوجة هل توحّد العراق؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كانت أول مدينةٍ يسيطر عليها تنظيم «داعش» قبل ستة أشهر من إعلان قيام «داعش»، وكان ينظر إليها على أنها عاصمة «داعش».

من هذه المدينة التي يبلغ تعدادها 50 ألفاً، كانت تنطلق العمليات الإرهابية والسيارات المفخّخة، لتهدّد العاصمة بغداد بملايينها السبعة. كانت أداة تمزيقٍ للجسد العراقي الجريح، فهل تتحوّل إلى أداة توحيد وتضميد؟

تنظيم «داعش» لم ينزل من السماء بالمظّلات، وإنّما هو نتاج زواج بقايا عناصر النظام البعثي المنحل، وبقايا تنظيم «القاعدة» الإرهابي، الذي تحوّل باتجاهٍ أكثر دمويةً ووحشيةً، مع استقطاب عناصر جديدة، من أكثر من خمسين دولة، تم تمويل حركة تنقلاتهم وتسهيل دخولهم إلى الأراضي العراقية، لتنفيذ أجندات دول كبرى، ضمن المشروع الذي بشّرنا به الأميركيون قبل 12 عاماً، ولم تتبيّن ملامحه شعوب المنطقة إلا بعد انتشار كل هذه «الفوضى الدموية الخلاقة» قبل عامين.

الوضع العراقي المعقّد، والسياسات المتخبّطة على يد النخبة السياسية الفاشلة، شيعةً وسنةً وأكراداً، وتقاتل السياسيين الجدد على المصالح والنفوذ، أوصل الشعب إلى الكفر بالعملية السياسية برمتها. وحين ضرب «داعش» ضربته قبل عامين، تفكّك الجيش العراقي وانسحب دون قتال، لتسقط ثلث أراضي الدولة خلال يومين.

واستلهم التنظيم الإرهابي اللقيط، أسلوب «الصدمة والترويع»، الذي اتبعته الولايات المتحدة في احتلال العراق، لإرعاب الأطراف الأخرى وشلّ حركتها، مستخدماً أبشع طرق القتل والذبح والسحل والإغراق والحرق بالنار، مع الحرص على تصوير كل هذه الجرائم البشعة، وبتقنية عالية، لتأخذ طريقها لوسائل الإعلام وتؤتي مفعولها في الحرب النفسية. وهو ما نجح فيه في الأسابيع الأولى إلى حد كبير، حيث بات يهدّد بإسقاط بغداد خلال فترة وجيزة، لولا قرار المرجعية الدينية بإعلان الحشد الشعبي الذي أنقذ الوضع وحافظ على كيان الدولة العراقية ووجودها، وإلا كان السيناريو الآخر: سيطرة «داعش» على العراق، وتمدّده ليهدّد الأردن ودول الخليج. وهو السيناريو الذي كان مطروحاً، من الأسبوع الثاني من غزوة «داعش»، حيث أرسل «داعش» جنوده جنوباً وغرباً، على الحدود السعودية والأردنية، ما دعا الدولتين العربيتين لاتخاذ خطوات عاجلة لمواجهة هذا الخطر الداهم.

كانت الفلوجة تمثّل الخاصرة الرخوة للعاصمة العراقية، فهي لا تبعد أكثر من خمسين كيلومتراً عن بغداد، وكان يقيم فيها عتاة قادة «داعش»، ووجدت حاضنةً شعبيةً، وتغطيةً إعلاميةً قدّمتهم كثوار عشائر عربية، منذ بداية إعلان ما سُمّي بـ»الدولة الاسلامية». ونُشر على «اليوتيوب» اجتماع بعض شيوخ المدينة وهم يبايعون التنظيم علناً، وبعضهم أعلن تبرعه بالسلاح والعتاد للتنظيم.

كان تحرير هذه المدينة أولويةً للأمن القومي العراقي وحفظ كيان الدولة، ويعتب كثير من المراقبين العراقيين على حكومتهم تأخير هذه الخطوة، لما تسبّبت فيه من استمرار سفك دماء آلاف المدنيين الأبرياء. في المقابل، كانت هناك رغبة أميركية أكيدة للإبقاء عليها كورقة ضغطٍ على الحكومة العراقية، ضمن مسرح عمليات إقليمي كبير، تظلّله مشاريع تقسيم جديدة لبلدان المنطقة على أسس طائفية باتت شبه معلنة. وحتى حين أعلنت الحكومة العراقية قرارها بتحرير المدينة، عارضتها أميركا، وتذرّعت بأن الأولوية لتحرير الموصل، لتظل شوكةً في خاصرة العراق.

من هنا، كان تحرير الفلوجة قراراً عراقياً بحتاً، وقد أحسنت القيادة العراقية صنعاً بإدارة المعركة حتى الآن، حيث ظهر توافق وانسجام تام بين رئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس مجلس النواب الجبوري، على ضرورة إكمال المعركة، التي برزت خلالها أسماء سياسية جديدة، دينيةً ومدنيةً، أظهرت إخلاصاً للوطن، وتمسّكاً بالهوية العراقية الجامعة، بعد 13 عاماً من التشرذم والضياع والتفريط بالثوابت الوطنية.

من أهم ما كشفت عنه المعركة حتى الآن، وجود تحوّل في قناعات الشارع الذي اكتشف تلاعب ساسة المناطق المنكوبة بـ»داعش»، بمصير مواطنيهم. حتى الحاضنة الشعبية تغيّر موقفها بعد تجربة العيش تحت حكم «داعش»، لما لاقوه من أحكام تعسفية ومرارة وشظف عيش واستبداد على طريقة «طالبان». وفي المقابل، أحسنت قيادات الميدان بالتواصل مع السكان، والمحافظة على أرواحهم، وبعث رسائل طمأنة، مع إشراك الأهالي في الحشد الشعبي لاسترجاع مناطقهم من براثن التنظيم الدموي.

في السابق، كان العراقيون يدخلون معاركهم دون غطاءٍ إعلامي، وكان التهويش الإعلامي الخارجي الهائل يضعف معنوياتهم ويؤثر على أدائهم، أما هذه المرة فقد أعدّوا لذلك عدته، فغادروا منصة «الفيسبوك» المحدودة إلى عالم «التويتر» الواسع، ليعبّروا عن أنفسهم وقضيتهم بكل ثقة وإيمان.

إنها أفضل فرصةٍ منذ 13 عاماً، تتاح للعراقيين لتوحيد الكلمة والاجتماع على مصلحة عراقية واحدة، وتصحيح المسارات الخاطئة التي أغرقت العراق في مستنقع الخلافات والتشظيات والمصالح الحزبية للساسة الفاسدين، لينهض الحصان العراقي الجريح معافى من جديد.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5020 - السبت 04 يونيو 2016م الموافق 28 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 36 | 7:53 ص

      العراق ماراح تتوحدولا عمرها راح تتوحد

    • زائر 33 | 5:36 ص

      الفلوجة تمثل رأس الإرهاب .. فقد أثبتت الكثير من مخلفاتهم دعم دول .. للدواعش بسخاء ومن دون أي حذر .
      الفلوجة كشفت وستكشف الكثير من الاوراق لذلك النياحة مستمّرة في دول .. والتهويل والعويل على تحريرها فهي بؤرة الشرّ التي يرسل لها الكثير من اتباعها من ...دعمهم وتبرعاتهم وستثبت الأيام هذا الكلام وانتظروا انا منتظرون

    • زائر 32 | 5:35 ص

      انه استغرب من اناس يدافعون عن الدواعش هؤلاء الدواعش كفرة ولايخافون الله ودمرو الاسلام باسم الاسلام هل الاسلام جوز اليهم الزواج كلهم بامراة واحد فى نفس الوقت هل امرهم الاسلام بقطع الرؤووس وحرق الجثث لماذا لايئنبكم ضميركم من افعالهم هل انتم عقلاء ام الجهل يسرى فيكم المشتكى لله وقاتل الله الجهل صدق الجهل عاد للناس الاغبياء الي همها علفها الله يهلك الدواعش واتباعهم

    • زائر 31 | 5:07 ص

      شكرا للحياديه يا الوسط

      أي شخص ينتقد الوسط هذا إنسان جاحد وأعمى بصيره ، أثبتت الوسط اليوم وبهذا المقال الرائع وأعطت عشاق الدواعش أن يعبروا بآرائهم بكل حريه والقارئ عرف الآن بأن دواعشنا ما زالوا يتنفسون وخرجوا من جحورهم ليشموا الهواء العليل !!! شكرا للوسط و أما عن فلوجتكم سيتم تطهيرها من قذارة داعش.

    • زائر 30 | 3:20 ص

      رد على 11لو ما كان قاسم سليماني وبشهادة العراقيين طبعا مع دولة ايران الحين كلناا في خبر كان من داعش وفعايلهم

    • زائر 28 | 3:00 ص

      شكله مانعين الاعلام يتكلم عن اغلاق التلغرام

    • زائر 26 | 1:23 ص

      إنها أفضل فرصةٍ منذ 13 عاماً، تتاح للعراقيين لتوحيد الكلمة والاجتماع على مصلحة عراقية واحدة، وتصحيح المسارات الخاطئة التي أغرقت العراق في مستنقع الخلافات والتشظيات والمصالح الحزبية للساسة الفاسدين، لينهض الحصان العراقي الجريح معافى من جديد.

    • زائر 25 | 1:22 ص

      الصراخ على قدر الألم
      بهالطريقة راح تعرفون مصدر داعش الحقيقي والمتعاطفين معه والمدافعين عنه بكل حرقة. داعش ستزول حتماً وقريباً جداً.

    • زائر 21 | 12:43 ص

      ما اعتقد

    • زائر 19 | 12:40 ص

      هل القضاء على القاعدة والزرقاوي المجرم وحد العراقين حتى يكون القضاء على داعش المجرمة يوحدهم أم سبب تمزقهم هو اسحضار الهويات الفرعية المضادة والتحارب مع بعض وتخلي السياسين عن الهوية الوطنية الجامعة

    • زائر 15 | 12:19 ص

      داعش يدعسونه في الفلوجة ويدعسونه في الرقة. ان شاء الله ايامهم قربت. وخل بعض من الناس يولولون وينوحون . ترى عندهم انصار واجد من الفجر يعلقون على مقالاتكم.

    • زائر 13 | 12:16 ص

      سيهزم الجمع ويولون الدبر

    • زائر 12 | 11:47 م

      ردا علي سؤال عنوان المقال؛ كلا.

    • زائر 11 | 11:38 م

      ما دام قاسم سليماني موجود معهم فلن يتوحد العراقيين ما دام جزء كبير من الشعب العراقي يتبع ايران فلن يتوحد العراقيين

    • زائر 14 زائر 11 | 12:19 ص

      أتفق معك 100% مشاركة ايران في تحرير الفلوجة خطأ استراتيجي.
      السنة قدموا أولادهم خلال حرب الثمان سنوات ضد قاسم سليماني و أضرابه من جنرالات الحرس الثوري الإيراني، و بعدها يأتي و يدخل مدينتهم و يرفع صور الخميني و خامنئي .. لا أظن سني يقبل بذلك.

    • زائر 18 زائر 11 | 12:38 ص

      الجهل البشري و فقدان الانسانية تقود للمآسي. ماذا تعرف عن الفلوجة و قاطنيها؟ اكثر شباب و رجال محافظة الرمادي كانوا يكونون العنصر الأساس في قوات الجيش و الشرطة و الأمن العراقي قبل سقوط الطاغية و لفترة تزيد عن ٥٠ عاما. فعلوا الأفعال في العراقيين بكل طوائفهم و مللهم. لم يتصوروا غدر الزمان و إمكانية تكرار ما فعلوه بغيرهم في انفسهم. هل تنكر يمهل و لا يهمل؟ ماذا تعرف عن العلاقة بين الجارين منذ فجر التاريخ؟ من بني البصرة و الكوفة و اكثر مدن العراق؟ سليماني بشر سيزول. لكن البلدين سيبقيان جارين.

    • زائر 23 زائر 18 | 1:00 ص

      يا سلام، تقول لي أهل الرمادي فعلوا الأفاعيل في العراقيين، يعني واضح عليك ..

    • زائر 29 زائر 23 | 3:10 ص

      نعم . أغلبية قوات الجيش , الشرطة و الأمن كانوا من العانه : العانى , الراوة : الراوي, الهيت, الهيتي ، الرمياح : الرميحي، المروانية : المرواني , الحديثة : الحديثي. هم الذين رموا القنابل الكيمياوية و شردوا أهل وطنهم و اجبروهم على الفرار الي ايران و نهبوا أملاكهم و لم يتوانوا من إرتكاب أية جريمة لإرضاء الطاغية. اليوم يذوقون ما أذاقوه الى غيرهم. أثبت عكس ما كتبت.

    • زائر 10 | 11:34 م

      يا استاذ قاسم مصادرك انت فقط تاتي بها من مصادر الحكومة العراقية ام مصادر اهالي الفلوجة المذبوحين من قبل الحشد الشعبي فغي ماتقول لان الان لا ييوجد من اهالي الفلوجة المدنيين الا القليل فهم اما قتلوا او شردوا او قبض عليهم بحجة انهم من داعش . غرض الحكومة العراقية تهجير اهالي الفلوجة وتبديلهم بآخرين واما داعش فهي ليست الا صنيعة امريكية وايرانية واسرائلية وهم المستفيدين الوحيدين لاغير

    • زائر 16 زائر 10 | 12:22 ص

      يكفينا ......لم نسمع عن ايراني واحد بين صفوف داعش ولم نسمع عن ايراني ..

    • زائر 9 | 11:28 م

      هل داعش المجرمة هي من فرقة العراقيين حتى يكون القضاء عليها سبب توحدهم أو ابتعاد ساستها عن الهوية الجامعة واستحضارهم الهويات الفرعية

    • زائر 7 | 11:04 م

      ثق تماما ان هذه المعركة

      اثبتت ضعف وفشل الحشد في القضاء على داعش الجيش الامريكي معهم والجيش العراقي وغطاء جوي وفي النهاية خسروا .

    • زائر 6 | 11:02 م

      الجيش العراقي والحشد

      ما حدث خسروا كثيرا من قتلى وجرحى مما ادى بالرئيس العراقي حيد العبادي اقالة قائد عمليات الفلوجة المساعدي.

    • زائر 5 | 11:00 م

      للاسف الحشد الشعبي

      اساء التعامل مع ابناء الفلوجة مما ادى الى اصدار المرجعية بيان بحسن التعامل معهم .

    • زائر 3 | 9:58 م

      عاد 166 داعشيا ..... تم القبض عليهم في نفق ومعاهم بعض من جنسيات أخرى عندكم وياهم إعطوهم جزاءهم.

    • زائر 2 | 9:43 م

      رمضان على الأبواب، و من خلال خبرتي بالعراقيين و بجمبزتهم، أدري راح يأجلون المعركة لبعد العيد! بعدين راح يحررون كم قرية و يحصلون سبب يوقفون الحرب (القتلى المدنيين مثلا)، بعدها راح يجي محرم و صفر، و هم راح يأجلون الحرب بسبب العشرة و الأربعين!

    • زائر 1 | 9:36 م

      أنت أول خلها تتحرر و بعدها تكلم!
      ثاني شيء الفلوجة و لا شيء تحت الموصل ... صار له الحشد الشعبي 13 يوم يتكلم عن تحرير الفلوجة و ما شفنا شيء.
      ثالث شيئ الأكراد ما يبون وحدة أصلا ويا العراق، أول شيء هم أكراد ثاني شيء هم سنة ثالث شيء منطقتهم أمان.
      رابع شيء نور المالكي هو سبب أمراض العراق بسبب طائفيته البغيضة.

اقرأ ايضاً