العدد 5023 - الثلثاء 07 يونيو 2016م الموافق 02 رمضان 1437هـ

هل انتهت «أوبك» كمنظمة موحّدة؟

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

من الناحية العملية يبدو الأمر كذلك، فعلى الرغم من نجاح منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) في آخر اجتماع لها في فيينا باختيار أمين عام جديد هو النيجيري محمد باركندو خلفاً لأمينها العام الليبي عبدالله البدري المنتهية ولايته منذ عام 2012، إلا أنها أخفقت في التوصل إلى إحداث أي تغيير نحو الاتفاق على تحديد سقف جديد للإنتاج تبعاً للرغبة السعودية المطروحة.

بقاء الوضع دون تغيير لم يكن مفاجئاً للمتابعين أو خارج توقعات المتعاملين في الأسواق، لماذا؟ لأسباب عديدة يأتي على قمتها الخلاف السعودي-الإيراني المتمدد إقليمياً، ومع ذلك يرى بعض المراقبين أن طهران والرياض قد ساهمتا في خفض نسبة التوتر وتحييد خلافاتهما، بيد إن الخلافات الجوهرية بشأن تحديد سقف الإنتاج ظلت على ما هي عليه وتم ترحيلها كما ارتأت الدول الأعضاء.

يأتي إخفاق قمة فيينا في سياق فشل دول من منظمة «أوبك» وخارجها للتوصل إلى اتفاق في اجتماع الدوحة أبريل/ نيسان الماضي فيما يتعلق بتجميد إنتاج النفط عند مستويات محددة؛ حيث تصر السعودية بأن يشمل هذا الاتفاق كل دول «أوبك» بمن فيها إيران التي امتنعت عن حضور ذلك الاجتماع. ومنه لن يختلف اثنان بأن الفشل المتكرر في التوصل إلى هكذا اتفاق قد يساهم بهذا الشكل أو ذاك في تدني أسعار النفط، وجعل الدور الحاسم والنهائي الذي طالما لعبته المنظمة على مدى عقود في التأثير على أسواق النفط يتآكل ويضمحل. ومع أن الإخفاق في التوصل إلى اتفاق على سياسة مشتركة فاقع، إلا أن بعض الأطراف أبدت تفاؤلاً ورأت بأنّ السعودية وإيران قد حصلتا على ما تريدانه من الاجتماع؛ كيف؟

خفض الإنتاج أولاً

من جهة السعودية وفي أعقاب قمة فيينا صرّح وزير الطاقة السعودي «بأنهم سينتهجون أسلوباً ناعماً وسيحرصون على عدم التسبب في صدمة للسوق بأيّ شكل»، وقبلها ذكر أيضاً «بأنّ المنظمة راضية جداً عن سوق النفط وأنّ أسعار النفط عادت إلى التوازن مما سيساعد على دفع الأسعار إلى الارتفاع»، مؤكداً «إن الطلب صحّي وقوي وإمدادات الدول غير الأعضاء في أوبك تنخفض، وستستجيب الأسعار لعودة التوازن إلى السوق دون الكثير من الإجراءات التدخلية» لكن ما يقلق حسب متابعي الأسواق قوله «بأنّ أوبك قد لا تعود إلى أسلوبها السابق في إدارة سوق النفط» ويقصد به اللجوء إلى خفض الإنتاج لدفع الأسعار إلى الارتفاع، إذ من الصعب جداً من وجهة نظره «الاتفاق على كمية الإنتاج، ولكن في الوقت ذاته، فإنّ الكمية التي ننتجها الآن معقولة بالنسبة للسوق التي تتقبلها».

حصص الإنتاج أولاً

معلوم أن إيران لم تشارك في اجتماع الدوحة السابق، وهي تصر على زيادة إنتاجها لاستعادة حصتها السوقية المفقودة منذ سنوات العقوبات التي انتهت يناير/ كانون الثاني الماضي، إذ سرعان ما زادت من إنتاجها منذ سريان الاتفاق النووي في 2015 وهي غير مستعدة لوقفه. في هذا الشأن يشير وزير النفط الإيراني إلى «أن زيادة صاردات إيران النفطية بمقدار الضعف عقب رفع العقوبات عنها لم يؤثر سلباً على أسواق النفط العالمية»، وتحديد سقف مشترك لإنتاج دول المنطقة «لا يعني شيئاً» دون الاتفاق «على حصص إنتاج الأعضاء»، وهذا ما تؤيده الجزائر والعراق وفنزويلا التي يعاني اقتصادها من التضخم المتوقع وصوله لـ «700 في المئة» في 2016، فقد أبدت هذه الدول وغيرها استعدادها لفرض سقف على إنتاج كلٍّ منها، وأكد الوزير «أن بلاده لن تدعم أي سقف جماعي جديد للإنتاج وإنها تريد تركيز النقاش على حصص الإنتاج لكل دولة على حدة، فمن دون الحصص لا يمكن لأوبك التحكم في أي شيء»، هكذا يقول ويصر على أن طهران تستحق مستويات إنتاج تاريخية قائمة على حصة تبلغ نحو «14.5 في المئة» من الإنتاج الكلي لـ «أوبك».

وعليه فاجتماع فيينا الأخير يحمل دلالات حرجة لإيران أو غيرها من الدول الأعضاء في «أوبك»، وخصوصاً أن تجميد الإنتاج عند سقف مُعيّن يمسُّ المصالح الإيرانية في الصميم، لمَ لا وهي العائدة إلى السوق النفطي بعد طول غياب وتريد استرداد حصتها السابقة قبل فرض العقوبات، وحسب بعض المحللين هي متأثرة سلباً من انخفاض أسعار النفط ولن تقبل الآن بتجميد إنتاجها على أمل أن ترتفع الأسعار عالمياً. طهران تسعى للوصول إلى عتبة إنتاج «4 ملايين» برميل يومياً مقارنة بمستوى «3.5 ملايين» برميل حالياً، وبرغم توقعاتها بأنّ صادرتها النفطية للغرب سترتفع إلى نحو نصف المستويات التي كانت عليها قبل العقوبات، وأنها ستستعيد حصتها السوقية بوتيرة أسرع مما يتوقعها المحللون؛ إلا أن هناك مَن يُشكّك ويرى أنها تواجه تحديات كبيرة ليس أقلها المنافسة على الزبائن من قبل السعودية التي خفضت أسعار الخامات التي تسوقها بنحو «15 في المئة»، إضافة إلى حاجتها إلى بذل المزيد من الجهد للعمل مع الاقتصاديات الآسيوية والاستثمار في محطات التكرير بأسواقها، الأمر الذي يتعذر عليهم عمله في ظل محدودية الموارد وما تبقى من عقوبات، وأضيف من عنديّاتي؛ بسبب ما يقع عليها وعلى غيرها من أعباء تمويل الحروب التي تخاض بالوكالة في المنطقة.

النفط سلاح الحروب

في حقيقة الأمر ومنذ انحدار أسعار برميل النفط في 2014 وحتى وصوله لمستويات «25 دولاراً» قيل الكثير من قِبَل المحللين؛ بأنّ هناك مخططاً للضغط على موسكو التي تتبع سياسات إقليمية غير مؤاتية لدول إقليمية ولاسيما في سورية والعراق وإيران وغيرها، لكن النتيجة أن دول المنطقة في وضع غاية الحساسية بسبب تداعيات انخفاض أسعار النفط، فهناك من يقترض مبالغ ضخمة لتوفير سيولة للخزينة التي بدأت تظهر عجوزاتها، وتعاني بعض دول المنطقة من تآكل احتياطاتها النقدية وإنفاقها بدون سقف لمواجهة الحروب الطاحنة وعدم الاستقرار الأمني، ومهما غالبت هذه الدول نفسها، فالأمر الذي لا جدال عليه أنها بحاجة إلى ارتفاع أسعار النفط لأكثر من «100 دولار» للبرميل كي تصل لنقطة التعادل في ميزانياتها والبدء بتكوين الفوائض، ولاسيما هي دول «رعوية غنائمية» تتميز بالإنفاق الكبير على القطاع العام والخدمات مع استمرار الفساد والتضخم المخيف في النمو السكاني وتمدُّد حجم العمالة الأجنبية.

الأسوأ أن دول المنطقة تمثل «20 في المئة» من إنتاج النفط العالمي و«34 في المئة» من احتياطياته، واقتصادياتها تعتمد كلياً على النفط والغاز كمصدرين للطاقة حيث يمثل هذا القطاع «40 في المئة» من إجمالي ناتجها المحلي و«80 في المئة» من عائدات التصدير والإيرادات الحكومية، وهذا القطاع يؤثر على القطاعات غير النفطية وخصوصاً الإنفاق الحكومي منها، صحيح أن النفط يتأثر سعره بعوامل مختلفة، كالعرض والطلب والموقع الجغرافي لمنافذ التصدير وسعر صرف الدولار وأسواق المنتجات النفطية وفائض طاقة «أوبك» الإنتاجية ومخزون النفط الخام لدى الدول المستهلكة وعوامل اقتصادية وجيوسياسية أخرى، لكن الصحيح أيضاً أن هذه السلعة الاستيراتيجية التي أصبح التحكم فيها ضرورة وطنية وسيادية بدأت تفقد زخمها الاقتصادي وتستخدم بهذر في تمويل الحروب الطاحنة وتعديل موازين القوى الإقليمية وتحالفاتها، في الوقت الذي لا سلطة لشعوب المنطقة ولا كلمة لها في أي قرار له علاقة من بعيد أو قريب بهذه الطاقة وعائداتها.

الأنكي وبرغم رؤى دول المنطقة لعام 2030 التي يدور أغلبها حول مرتكزات التنافسية الاقتصادية والاستثمار وتحفيز القطاع الخاص وتقليص النفقات ومكافحة الفساد والشفافية واستدامة التنمية وتخفيف الاعتماد على النفط والغاز بتنويع مصادر الدخل، إلا أنها لا تزال تراوح محلها في ظل الهزات الاقتصادية التي أثرت على مستويات التضخم وعجوزات الميزانيات.

إنّ متغيرات الظروف الاقتصادية والجيوسياسية المخيفة تفرض التفكير الجاد في البدائل؛ وأولها الانفتاح على الشعوب وإشراكها في القرارات المصيرية، ليس لإنقاذ «أوبك» التي تم نعيها وتحتاج لمعجزة دبلوماسية وتفاهمات تاريخية فقط، إنما لوقف النزيف الكارثي الحاد الذي تعاني منه مجتمعاتنا وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 5023 - الثلثاء 07 يونيو 2016م الموافق 02 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:06 ص

      مع الاسف بعض الدول لا تراعي ظروف الماديه لاطراف اخرى تريد فشل الاخريات ولكن كلهم في مركب واحد عندما سيغرق سوف يغرق الاولي والتالي

اقرأ ايضاً