العدد 5032 - الخميس 16 يونيو 2016م الموافق 11 رمضان 1437هـ

الجهاد التكفيري العنفي وعلم النفس

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

أغلب محاولات فهم ظاهرة الجهاد التكفيري العنفي ركزت على خلفياتها وأسبابها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وانتهازيتها السياسية. لكن قليلة هي الكتابات عن الخلفيات والأسباب النفسية.

ذلك أن كثيراً من الممارسات الجنونية، المتعارضة مع التوازن العقلي والروحي ومع القيم الإنسانية، التي لا يمكن أن يفسرها المنطق أو الدين، والتي يرتكبها يومياً بحق الأبرياء أفراد وجماعات الجهاد الإسلامي التكفيري، لا يمكن أن تفسرها إلا مختلف النظريات والافتراضات التي قام عليها علم النفس.

إن أبا ومؤسس علم النفس، سيغموند فرويد، خلُص إلى أن الجزء الواعي من تصرفاتنا العقلية ليس أكثر من رأس جبل جليدي في مياه بحر أو محيط. أما الجزء اللاواعي، الذي يحدُد عملياتنا العقلية الواعية ويهيمن عليها ويوجهها، فإنه هو الذي يمثل الجزء الأكبر من جسم الجبل الجليدي الذي يبقى غير مرئي تحت سطح الماء. وإذاً، فجزء اللاوعي هو أساس شخصيتنا وتصرفاتنا مع محيطنا.

ما يهمنا بالنسبة لموضوعنا هو ما أسفرت عنه دراسات تكوُن ذلك اللاوعي الغامض، سواء من قبل فرويد أو الكثير من كبار علماء النفس الآخرين، والتي أظهرت أن في الإنسان نوازع حيوانية متوحشة، وغرائز عدوانية وأحاسيس داخلية تهيئه ليصبح قاتلاً وعنفياً سادياً، ولتصبح الجماعة مدمُرة شيطانية. في ذلك المكان من نفس الإنسان، المظلم المليء بالأسرار والتناقضات، تقبع غريزتا الحياة والموت جنباً إلى جنب.

وإذاً، فإن تلك النوازع والغرائز والأحاسيس المدمُرة القابلة للانفجار في أية لحظة، تحتاج إلى معايير ووسائل ضبط لها من مثل ضوابط القيم الثقافية أو سلطة القانون أو أعراف المجتمع، أو أنها تحتاج إلى تحليل وعلاج نفسي لإخراجها من ظلام اللاوعي المريض إلى نور الوعي العقلاني المتشافي.

السؤال الأساسي هو: ماهو الدور الذي يلعبه الشحن الديني اللاعقلاني المتزمت، المنطلق من فهم خاطئ للقرآن والأحاديث النبوية والتراث الفقهي، في تأجيج وشيطنة أسوأ ما في منطقة اللاوعي تلك، وفي قلب الإنسان من إنسان معقول أخلاقي سوي إلى إنسان حيواني متوحش وشرير؟

وبالطبع يمكن قلب ذلك السؤال إلى سؤال آخر معاكس: هل أن كل ما في منطقة اللاوعي من أحاسيس ورغبات خطرة تنفجر عند الجهاديين من وراء قناع الدين، وباسم الدين، حتى لا يشعر هؤلاء بالخزي والعار من جراء تصرفاتهم؟ أي؛ هل أن الدين استعمل لإزالة كل العوائق والمحددات الثقافية والقانونية والأخلاقية التي فرضها التحضر على الإنسان من أمام الغرائز لتعبر عن نفسها بلارقيب أو حسيب؟ إذاً، من الذي يستعمل من؟ الدين الخاطئ يستعمل كل ما في منطقة اللاوعي لتبرير وجوده ونشر تعاليمه وتحقيق الأغراض الدنيوية لقادته على الأخص، أم أن اللاوعي يستعمل صفاء الدين وسمو مكانته في عقول وأرواح البشر من أجل تبرير انفجاراته المجنونة اللاعقلانية؟

أياً تكن الإجابة على السؤالين فإنه ستبقى فرضية الارتباط الوثيق بين ظاهرة الجهاد الإسلامي التكفيري الإرهابي المجنون في كثير من تصرفات قادته وأتباعه، وبين الكثير من الفرضيات والتفسيرات لعلم النفس الحديث.

هذا الارتباط يفسر إلى حد ما مالاحظه الكثيرون؛ انخراط جزء من الشباب في حركات الجهاد التكفيري، ورفض جزء من الشباب الانخراط، مع أنهم يعيشون في نفس البيئة ويعانون من نفس المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. نحن أمام قابلية نفسية عند البعض، وعدم قابلية نفسية عند البعض الآخر.

هنا نصل إلى استنتاج أساسي: لقد استعملت فرضيات ودراسات علم النفس بشأن وجود أحاسيس وغرائز مكبوتة في منطقة اللاوعي عند الإنسان... استعملت في شتى الحقول، من مثل السياسة لتحسين صورة الأحزاب والأفراد أثناء الانتخابات، أو من مثل الاقتصاد في الترويج لبعض البضائع، أو من مثل الحقل العسكري لإقناع الجنود بالموت في سبيل الوطن.

فالغريزة الجنسية المكبوتة جرى إيقاظها واستعمالها لبيع الثياب والسيارات والعطور والسجائر وغيرها. وغريزة العنف المكبوتة جرى التلاعب بها من قبل الحركات الفاشية لإثارة كره هذه الجماعة أو تلك. وغريزة الموت المكبوتة جرى الاستفادة منها لجر الشعوب إلى مغامرات عسكرية عبثية.

إنها قصص طويلة لاستعمالات انتهازية ونفعية، وأحياناً تدميرية مفجعة، لكل ماتوصل إليه علم النفس الحديث. والغريب أن بعضاً من أفراد عائلة مؤسس علم النفس هم الذين لعبوا أدواراً بارزة في الاستعمالات الخاطئة الانتهازية المضرة لعلم النفس، وخصوصاً في عالمي التجارة والسياسة. لقد ساهم هؤلاء في إيقاظ الرغبات المكبوتة وفي خلق الرغبات الجديدة وفي استعمال الرغبات من أجل المصالح النفعية.

وإذاً، فلن يكون غريباً أو بعيداً أن جزءاً مهماً من لعبة الجهاد التكفيري المجنون، هو استعمال الدين لتأجيج الرغبات المكبوتة، ولخلق رغبات جديدة، حتى ولوكان ذلك الدين المستعمل لا دخل له مع دين الإسلام، بمقاصده القيمية الكبرى، وتحريره الإنسان من كل أنواع العبودية، ودعوته للمساواة والرحمة والسلام.

هذا موضوع يحتاج لأن يدرسه ويقيمه علماء النفس العرب؛ ليكتمل فهم هذا الجنون الذي أدخل العرب في جحيم تاريخي مرعب ومدمر.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 5032 - الخميس 16 يونيو 2016م الموافق 11 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 8:11 ص

      لا تعليق

      لسنا في حاجة إلى مزيد من الاجتهاد للسبب معروف والمصدر معروف فلا تنشغل بالبحث هنا وهناك كل ما في الأمر اننا لانملك الشجاعة ونامي الأشياء بما سميت.

    • زائر 9 | 8:06 ص

      هذا هو تاريخ الاسلام وبدايته. كفاح من اجل الحق والحرية والعدالة الاجتماعية

    • زائر 7 | 6:45 ص

      لا تعليق

      لسنا في حاجة إلى مزيد من الاجتهاد للسبب معروف والمصدر معروف فلا تنشغل بالبحث هنا وهناك كل ما في الأمر اننا لانملك الشجاعة ونامي الأشياء بما سميت.

    • زائر 5 | 3:10 ص

      جلد الذات
      الجهاد التكفيري العنفي قتل عشرات الألوف ؛ فكم قتلت... الاستبدادية بعد عهد التحرر ، في غير ساحات القتال (يعني في السجون ، و ليس لتكفيريين أو مقاتلين بل مفكرين و كسبة و صيادين ) ؟ هل العبرة بطريقة القتل و كونه في العلن ؛ أم بمبدأ القتل؟
      الجهاد التكفيري نتيجة و ليس حالة طبيعية. فقبل الاحتلال الإسرائيلي لم يكن بيننا فدائيين و حزب الله، وقبل قدوم الروس إلى أفغانستان لم يكن بيننا مجاهدين، وقبل قدوم الأمريكان إلى العراق و أفغانستان لم يكن بيننا مجاهدين تكفيريين!

    • زائر 3 | 3:07 ص

      الطائفية مرض ابتُلينا به بعد علم .. و للتخلص من هذا المرض يجب علينا منع رجال الدين السنه و الشيعه من التدخل في السياسة

    • زائر 2 | 2:05 ص

      لو وجدت إحصائية دقيقة لدول هؤلاء التكفيريين لامكن الجزم بالسلب مع وجود مؤشر إلى أن أعداد كثيرة من وسط معين وبلدان معينة ذات فكر واحد وأعتقد واحد ومدرسة دينية واحدة
      علما بأنها اقتصاديا من أغنى دول العالم إذن السبب واضح إلا وهو بعث الروح الشيطانية بواسطة المعتقد وبداخلها السياسية المحركة للمعتقد.

    • زائر 1 | 12:39 ص

      يا دكتور نريد مقالا عن الفكر الثأر ي الذي يدعو الي الثأر مإذ 1400 سنه

اقرأ ايضاً