العدد 5032 - الخميس 16 يونيو 2016م الموافق 11 رمضان 1437هـ

التطرف العربي... أسئلة بلا نهاية

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

عربي الأمس لم يكن ليمارس انتحاراً في عمل عسكري أو آخر، اذ كان يحرص على حياته وحياة الآخرين حتى في وسط القتال والمواجهات وخطف الرهائن. الفارق بين عرب الأمس وعرب اليوم كبير، فعندما خطفت مجموعة فلسطينية تابعة لأيلول الأسود أعضاء في السفارة الاسرائيلية في تايلند العام 1972 تبين أن ذلك اليوم كان عيد ميلاد الملك، قامت بإطلاق سراح الرهائن مقابل طريق آمن لمصر. في ذلك الزمن بعض أكبر العمليات العسكرية الفلسطينية كانت فلسفتها تقوم على أخذ رهائن مقابل إطلاق سراح سجناء، ولم تكن حالة الموت سلفاً، وبكل الاتجاهات جزءاً من الخطة. أما اليوم فالعنف لا حدود له ولا يوقفه ظرف استثنائي.

كل شيء تغير منذ جيل. فقد سقطت الوعود الطبيعية التي آمن العالم العربي بإمكانية تحقيقها، فلا الوعد بالوحدة أو التقدم أو فلسطين نجح، ولا الوعد بالرفاهية وبناء الطبقة الوسطى استمر، ولا الوعد بالتعليم النوعي تحقق. فنسبةً للخمسينات والستينات تراجع العالم العربي في كل مؤشر؛ لأنه ازداد عدداً، وضعفت فيه الحقوق، وتردت نوعية أنظمته، وانتشر الفساد، وسقط التعليم كما سقطت الصحة. في الخمسينات كانت صدقية الدول أعلى، والثقة بممثليها أثبت. مع الوقت ازدادت الطبقة العربية الشعبية كثافة، ازداد الفقر وانتشرت العشوائيات في مناطق كثيرة، وارتفعت نسب التهميش والبطالة. مع بدايات القرن الواحد والعشرين سقطت الأقنعة وعم الفساد.

في خمسينات وستينات القرن العشرين كانت طبيعة العربي تتميز بالمرونة والبراءة. عربي الخمسينات كان متفائلاً بقيادة عبدالناصر المنطلقة من مصر وبالوحدة والهوية العربية الصاعدة، بل كان متفائلاً بالاستقلال عن الغرب، ثم تفاءل بنفس الوقت نسبيا بزعامة الملك فيصل في المملكة العربية السعودية. تلك الثقة جاءت أساسا من اقتناع شعبي بأن عرب الخمسينات والستينات وقادتهم لديهم همٌّ عربي يتضمن التصدي للاستعمار، وإيقاف تمدد إسرائيل بعد هزيمة ونكبة 1948 في فلسطين. ذلك العربي المتفائل تغير مع الوقت. لهذا كانت صدمته في حرب 1967 بلا حدود، فازداد غضبا واحتقانا، فحرب 1967 هزت ثقة العربي بالأنظمة، مما أسس لرحلة شك في المستقبل.

لكن التطرف سيبدأ بالنشوء؛ لأن العربي سيشعر بالخطر يحدق بقضاياه بل وبوجوده. لنتذكر حرب 1982، وكيف احتلت إسرائيل عاصمة عربية (بيروت) وأنهت الظاهرة الفلسطينية وتوجتها بمجازر صبرا وشاتيلا.

1982 علامة فارقة لنمو القساوة في الساحة العربية. تلك القساوة جاءت من الغرب ممثلة بإسرائيل، لكنها جاءت من أقطاب رئيسية من النظام العربي الاستبدادي السلوك. نسأل عن القساوة لنجد مصادرها كثيرة في سلوكيات دول وأنظمة عربية كما وفي سلوكيات الاحتلال الاسرائيلي، ثم نتساءل كيف نما التطرف وكيف تطورت الجهادية الإسلامية على أنقاض الاعتدال القومي واليساري في الساحة العربية؟

إن مستوى العنف الذي تمت ممارسته بحق فئات اجتماعية كبيرة وشعوب في الوطن العربي كان كبيرا، فالأنظمة العربية لم تقدر أنها من خلال القمع والاستئثار تمارس عنفا يرسم نفسه على أجساد ضحاياها. فقصص السجون والتعذيب والاختفاء، وقصص الاستئثار السياسي والاقتصادي لم تكن لتصل لهذا المستوى لولا الكثير من العنف في التعامل مع الشعوب والفئات. لا يوجد رصد دقيق لعدد من قتلوا في السبعينات والثمانينات والتسعينات في أحداث مختلفة في دول عربية شتى، ولا عدد من تم إلقاؤهم من الطائرات، أو تصفيتهم بصورة جماعية في سجون، أو مصادرة حقوقهم وإعدامهم. وينطبق المنطق ذاته على الهجمات والتصفيات بل والمجازر الجماعية التي قامت بها اسرائيل منذ العام 1967 حتى اليوم. لكن الواضح أن كل هذا دفع باتجاه توحش الشخصية العربية. التوحش اليوم مرتبط بتوحش الأمس وتراكماته.

لقد تغير العربي الوديع الذي عرفه عقد الخمسينات ثم عقد السبعينات، وجاء إلى الساحة نمط مختلف وحالة انتحارية تصل شظاياها إلى كل مكان. لا مخرج من هذا الوضع بلا سياسات عربية تعيد إلى الإنسان مكانته، وإلى الفكر قيمته وإلى العدالة جوهرها وإلى التسامح مركزيته.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 5032 - الخميس 16 يونيو 2016م الموافق 11 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً