العدد 5034 - السبت 18 يونيو 2016م الموافق 13 رمضان 1437هـ

أين الشعوب الإسلامية من الإسلام؟... الإسلام ينبذ الإرهاب وقتل الأبرياء

صبحي غندور

مدير مركز الحوار العربي في واشنطن

في الإسلام مفاهيم وضوابط واضحة لا تقبل بأيِّ حالٍ من الأحوال قتْل الأبرياء - وهو مضمون المصطلح المتداول الآن (الإرهاب) - مهما تكن الظروف والأعذار، حتّى ولو استخدم الطرف المعادي نفسه هذا الأسلوب.

وفي قول ابن آدم (هابيل) لأخيه (قابيل) حكمةٌ بالغةٌ لمن يعيها: «لئِنْ بسَطْتَّ إليَّ يدَكَ لتقتُلني ما أنا بباسطٍ يدِيَ إليكَ لأقتُلَكَ إنّي أخافُ اللهَ ربَّ العالمين. إنّي أُريدُ أن تبُوْء بإثْمي وإثْمِكَ فَتكونَ من أصحابِ النّارِ وذلكَ جزاءُ الظالمين». (المائدة: 28 - 29).

وفي القرآن الكريم أيضاً: «منْ قتَلَ نفْساً بغيْر نفْسٍ أو فَسَادٍ في الأرضِ فكأنّما قتلَ النَّاسَ جميعاً، ومَنْ أحْياها فكأنّما أحيا الناسَ جميعاً» (المائدة: 32).

إنّ القتل العشوائي لناسٍ أبرياء هو أمرٌ مخالف لكلِّ الشرائع السماوية والإنسانية، وهو يتكرّر رغم ذلك في أكثر من زمانٍ ومكان، ولا نراه يتراجع أو ينحسر، وفي ذلك دلالة على انتشار الفكر المشجّع لمثل هذه الأساليب الإجرامية. ثمّ تزداد المأساة عمقاً حينما يعطي بعض المحلّلين السياسيين الأعذار لهذه الجماعات ولأعمالها، وكأنّ الحرام يصبح حلالاً لمجرّد وجود مشاكل اجتماعية أو سياسية في هذا المكان أو ذاك.

إنّ قتل النفس البريئة هو جريمةٌ بكلِّ المعايير، مهما ارتدى الفاعل المجرم من عباءات دينية أو طائفية أو وطنية. فلا تغيير المجتمعات يصحّ بالعنف الدموي، ولا تحرير الأوطان يبرّر قتل الأبرياء، ولا الردّ على التطرّف يكون بالتطرّف أيضاً.

إنّ اتّساع دائرة العنف الدموي باسم الإسلام أصبح ظاهرةً خطرة على صورة الإسلام نفسه، وعلى المسلمين في كافّة المجتمعات التي يعيشون فيها. وهذا أمرٌ يضع علماء الدين أولاً أمام مسئولية لا يمكن الهروب منها، فهم المعنيون بالترشيد الديني السليم في كلّ المجتمعات، بينما، للأسف، نجد بعضهم يُشجّع على مثل هذه الأساليب الإرهابية، وهذه مصيبةٌ كبرى.

العنف أصبح يمارَس بلا ضوابط دينية أو اخلاقية أو إنسانية، وهذا نراه يحدث أيضاً في المجتمعاتٍ العربية التي كان شعار «إسقاط النظام» هدف انتفاضاتها الشعبية فإذا بها تنتهي، بسبب استخدام العنف المسلّح، إلى إسقاط أوطانها ووحدة شعوبها. فالتغيير القائم على العنف المسلّح والقتل العشوائي للناس يؤدّي حتماً إلى تفكّك المجتمع، وإلى صراعاتٍ أهليّة دمويّة، وإلى مبرّراتٍ لتدخّلٍ إقليمي ودولي واسع.

ينطبق الآن على حال الأوطان العربية والإسلامية وصف مرض «ازدواجية الشخصية». ففي معظم هذه البلدان تزداد على المستوى الفردي ظاهرة «التديّن» واهتمام الناس بالعبادات الدينية، لكن مع ابتعادٍ كبير لهذه المجتمعات عن مبادئ الدين وقيَمه وفروضه الاجتماعية.

إنّ المسلمين عموماً، والعرب خصوصاً، بحكم دور ثقافتهم ولغتهم واحتضان أرضهم للمقدّسات الإسلامية، مدعوون إلى مراجعة هذا الانفصام الحاصل في شخصية مجتمعاتهم، وإلى التساؤل عن مدى تطبيق الغايات النبيلة فيما هو منصوصٌ عليه من قيم وواجبات دينية.

فأين الالتزام بقول الله تعالى «ولقد كرَّمنا بني آدم» (الإسراء: 70) بغضِّ النّظر عن أصولهم وأعراقهم وألوانهم وطوائفهم؟ أين العدالة والمساواة والشورى وكرامة الإنسان في كثير من المجتمعات العربية والإسلامية؟ وأين الوحدة في هذه المجتمعات، وأينَها بين بعضها بعضاً؟ أين التكافل الاجتماعي ومكافحة العوز والفقر؟ وأين دور الاجتهاد والعلم والعلماء في مواجهة الجهل وعلامات الجاهلية المتجدّدة؟ أين رفض التعصّب والتمييز العرقي والإثني والطائفي؟ أين المسلمون من جوهر إسلامهم، وأين العرب من كونهم «خيرَ أمّةٍ أُخرِجت للناس» بعدما حملت رسالةً تدعو إلى الإيمان بالله الواحد وبكتبه ورسله، لا تفرّق بينهم، وتؤكّد على وحدة الإنسانية وعلى قيم العدل والمساواة بين البشر؟!.

إنّ الله عزّ وجلّ يقاضي الناس ويحاسبهم على أعمالهم بشكل فردي، فلا تُظلَم، بلا ذنب، جماعةٌ بأسرها، عائلةً كانت أم قبيلة أم طائفة أم أمّة، لأنّ أفراداً منها أساؤوا. وهذه الحكمة الإلهية جليّة الوضوح في قوله تعالى: «ولا تزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أخرى» (الأنعام: 164)، إذ لا يجوز أن ينظر الناس إلى بعضهم بعضاً من مواقع عائلية أو قبلية أو طائفية، فيتمّ إمّا تكريم أشخاص أو ظلمهم تبعاً لانتماءاتهم، لا بسبب كفاءتهم أو أعمالهم.

بل أين المسلمون، في سلوكهم الفردي مع أنفسهم ومع محيطهم العائلي والوطني، ممّا يقولونه في صلاتهم ويقرأونه في كتاب الله العزيز والسيرة النبوية الشريفة من مفاهيم وقيم وضوابط السلوك في التعامل مع النفس والآخر؟

تُرى لِمَ لا تحدث الآن وقفة مع النفس العربية عموماً، والإسلامية منها خصوصاً، للتساؤل عمَّ حدث ويحدث من تراجع مهين في أوضاعهم وأوطانهم، ومن أساليب قتلٍ وعنفٍ مسلّح واقتتالٍ داخلي تحت مظلّة دينية وشعارات إسلامية؟

ولِمَ هذا الانفصام أيضاً في الشخصية العربية والإسلامية بين الإجماع على المصلحة الإسرائيلية في إثارة موضوع «الخطر الإسلامي» القادم من الشرق كعدوٍّ جديد للغرب بعد اندثار الحقبة الشيوعية، وفي إضفاء صفة الإرهاب على العرب والمسلمين، وبين الواقع السائد في مجتمعات الدول العربية والإسلامية من ممارسة العنف المسلّح الذي تقوم به جماعات تحمل أسماء إسلامية؟ فأيُّ شريعةٍ دينية تحلّل قتل الأبرياء والمدنيين في الغرب، أو القيام بممارسات عنفية تهدم وحدة الأمّة والمجتمع في الشرق؟!.

إنّ «داعش» الآن، ومعها وقبلها «القاعدة»، استطاعتا استقطاب قطاعاتٍ واسعة من أجيال شابّة عربية وإسلامية بسبب طغيان الفكر الظلامي القائم بسبب غياب فعالية الفكر الديني السليم، الذي يُحرّم أصلاً ما تقوم به هذه الجماعات من أساليب قتل بشعة وجرائم إنسانية بحقّ كل من يختلف معها، حتّى من داخل الوطن أو الدين نفسه. فلو لم يكن هناك فراغ فكري للمفهوم الصحيح للدين وللمواطنة لما أمكن استقطاب هذا الحجم من أتباع هذه الجماعات.

إنّ تنظيم «داعش» ينتعش ويستفيد ويقوى الآن كلّ يوم، حتّى من قِبَل بعض من يتحدّثون ضدّه شكلاً ويدعمون ضمناً – ولو عن غير قصد - مبرّرات وجوده حينما يتّجهون بحديثهم إلى «عدوّهم» الآخر، وهو هنا قد يكون من طائفة أخرى أو مذهب آخر أو من دولة أخرى. فكثيرون يبدأون أحاديثهم ضدّ «داعش»، لكنّهم فوراً ينتقلون إلى الحديث عن «الخصم الطائفي أو المذهبي»، وعن وجود «الخطر الآخر» في داخل الوطن أو من دولة مجاورة، ممّا يساهم في إعطاء الأعذار لوجود «داعش» ولممارساتها باسم الإسلام، الذي هو كدين براءٌ من فكر هذه الجماعات وأساليبها.

وطبعاً، فإنّ هذا النوع من الأحاديث يزيد الشروخ الدينية والوطنية الآن ولا يبني سدوداً منيعة أمام جماعات التطرّف، بل على العكس، يرفدها بمزيدٍ من المؤيّدين. فالمواجهة مع جماعات «التطرّف العنفي» تحتاج الآن إلى وقف كل الصراعات والخلافات داخل المجتمعات العربية والإسلامية، وإلى تحقيق أقصى درجات التوافق الوطني والديني حتّى يمكن محاصرة هذه الجماعات وتجفيف كل منابع الدعم المادي والبشري لها. وعلى من يريدون فعلاً إنهاء ظاهرة «داعش» ومثيلاتها، واستئصالها من العالمين الإسلامي والعربي، أن يحاربوا فكرها أولاً!.

إنّ المخاطر القائمة حاليّاً هي ليست على أتباع هذا الدين أو ذاك المذهب فقط، بل هي أخطارٌ محدِقة بحقّ الأوطان كلّها بما فيها الشعوب والحكومات والمكوّنات الاجتماعية فيها. فضحايا التطرّف العنفي الآن هم من أوطان ومناطق وأديان ومذاهب مختلفة، وهم العرب والمسلمون في الشرق والغرب معاً.

إقرأ أيضا لـ "صبحي غندور"

العدد 5034 - السبت 18 يونيو 2016م الموافق 13 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً