العدد 5035 - الأحد 19 يونيو 2016م الموافق 14 رمضان 1437هـ

العراق على أعتاب مرحلة جديدة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم نكن ندرك أنه في الوقت الذي كنا نستقل الطائرة العائدة من النجف إلى البحرين، ظهيرة ذلك اليوم، الثامن من يونيو 2014، أن هناك عملاً انقلابياً ضخماً على وشك أن يفجّر العراق.

كانت الحياة تجري كالمعتاد، والمدن التي زرناها لحضور مهرجان ثقافي سنوي تشارك فيه وفودٌ من خمسين دولة عربية وأجنبية، كانت تخضع لإجراءات أمنية مشددة، حيث تنتشر نقاط تفتيش على هيئة أطواق دائرية، وكلما اقتربت من مركز المدينة زاد التفتيش للأفراد وللسيارات دقةً. فكان الوضع داخلها يبعث على درجةٍ عاليةٍ من الطمأنينة والأمان.

من هنا كانت صدمةً كبيرةً أن نسمع في اليوم التالي لوصولنا البحرين، أن هناك تنظيماً احتل مساحات واسعة من العراق، وبات خلال يومين يهدّد باجتياح بغداد. وسرعان ما انتشرت في الأيام التالية، مقاطع فيديو يهدّد فيها المسلّحون باجتياح كربلاء والنجف، ذات الصبغة الدينية، متوعّدين أهلها بتصفية الحسابات، مهدّدين بأن تكون هناك «المعركة الحقيقية»!

كان انقلاباً عاصفاً زلزل أركان العراق، تكشّف عن اهتراء قوة الجيش العراقي، حيث سلّم محافظات بأكملها دون قتال. وسرعان ما سيطر «داعش» بشكل سريع ومباغت على كامل محافظة نينوى ومركزها مدينة الموصل، وتمدّد جنوباً ليسيطر على تكريت، مركز محافظة صلاح الدين، وبلغ منطقة الضلوعية شمال بغداد.

من المؤكد أن الأمور لم تحدث صدفةً، وإنّما كشفت الأحداث وجود تواطؤ مسبق، وخياناتٍ على مستوى القيادات العسكرية والمدنية في عددٍ من المحافظات. في ذلك اليوم، شاهد العالم صور الجنود العراقيين وهم يتركون معسكراتهم ويستبدلون ملابسهم العسكرية بأخرى مدنية، ليدخلها مسلحو «داعش» دون قتال. كان نكسةً للعسكرية العراقية، ولسمعة الجندي العراقي، ولشرف العراق. كانت العاصمة مهدّدةً بالسقوط بأيدي «داعش»، وكانت المسرح الدولي معداً للإحتفال بإعلان قيام «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، إلى درجة أنّه حتى التسمية المختصرة باللغة الانجليزية (ISIS) قد جرى نحتها لتكون جاهزةً للتداول في أجهزة الإعلام.

هناك مفاجأتان -على الأقل- وقعتا ولم تكونا في الحسبان، أفسدتا الخطة وهدّتا البنيان. الأولى دعوة المرجعية الدينية للإستنفار الشعبي لإنقاذ العراق، والثانية خطأ التنظيم القاتل، حين أرسل ببعض قواته إلى الحدود الجنوبية والغربية، ليهدّد الأردن والسعودية، واتبعها بنشر خريطته للتمدد واجتياح دول الخليج.

التنظيم الذي بزغ من الظلام، مكوّن من ضباط في الجيش العراقي والمخابرات أيام صدام، قدّرتهم صحيفة «الشرق الأوسط» سابقاً بين 100 و160 ضابطاً بعثياً، يقاتلون بنفسية من يراهن باسترجاع ما خسره أو الدمار.

بدأ هذا التنظيم العسكري سيرةً غير مسبوقة من العنف والإرهاب، تجاوزت ما كان يعمله النازيون والفاشست، في الحرب العالمية الثانية، وتعمّد نشر صور جرائمه في القتل والحرق والإغراق والسبي وقطع الرؤوس، عبر الفيديو، مستغلاً شبكة الانترنت لبث الرعب في قلوب الآخرين، لشل الضحايا عن الحركة. كان يستلهم ذلك من الاستراتيجية التي ابتدعها الأميركيون في «الصدمة والترويع» في غزو العراق، فتفوّق فيها المريد على الأستاذ.

وقع كل ذلك في الأسبوع الأول من شهر شعبان 1435 هـ، واختار العراقيون الفترة نفسها لانطلاق عملية تحرير بلادهم من «داعش»، بدءًا من عاصمته الفلوجة، تمهيداً للوثبة المقبلة باتجاه الموصل في الشمال.

اليوم، العراق على عتبة جديدة، يؤمل أن تكون مرحلة يتجاوز من خلالها أخطاء السياسات الفاشلة، وانتكاسات الماضي، ليفتح صفحةً جديدةً تجمع العراقيين في وطنٍ واحدٍ موحّد دون عقدٍ أو استعلاء.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5035 - الأحد 19 يونيو 2016م الموافق 14 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 9:08 ص

      كل الكلام اللي ذكرته مقنع. ماعدا الفتره الأخيرة يعني كيف يكون العراق أفضل وهو يخوض حرب طائفية مريرة ؟
      والمدن تتدمر والناس تموت والفساد السياسي والأخلاقي منتشر بطريقة مروعة ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم.
      اعتقد ان العراق وسوريا ليس لها حل منظور إلا التقسيم.
      ولايظن أحد أن التقسيم وحده يكفي بل يجب أن يكون كل قسم أو دويلة تحت إشراف دولي. والا انقسمت على نفسها.

    • زائر 12 | 4:14 ص

      نتمنى للعراق الشقيق ان ينهض ويتخلص من هذه الجماعات الارهابية التي تمارس القتل والسبي والبلطجة. سواء من بقايا البعثيين او التكفيريين. الله يحفظ شعب العراق وبقية الشعوب العربية.

    • زائر 11 | 3:56 ص

      أصبح ولاء السياسيين العراقيين للقومية والمذهب وغاب الولاء الوطني الذي يجمع الجميع

    • زائر 8 | 2:27 ص

      هذا الكلام يكرر منذ 13 عام و العراق الي الأسوأ مادام سلطة ...... هي المتحكم في كل سياسات العراق ... و ما شماعة داعش إلا للهروب من الوضع المزري الذي يعيشه أهل العراق بسبب ............ وضع العراق لن ينصلح إلا .........الذي جاء ليقضي علي مكون كبير و كبير و إجراء انتخابات حقيقية.....

    • زائر 7 | 2:15 ص

      ما دام العراق يحكم من قبل الأحزاب الطائفية اذا سوف تستمر المشاكل الحل إلغاء الأحزاب الطائفية و منع رجال الدين السنه و الشيعه من التدخل في السياسة

    • زائر 5 | 1:53 ص

      نفسي أتخيّل

      يا تري مذا كان سيكون عليه شكل العراق اليوم لو داعش كان دخل بغداد واحتلها ؟ ؟

    • زائر 4 | 1:05 ص

      أنا عندي أمل أن ترجع سوريا أقوى مما كانت بعد كل هذه المجازر و الحروب و الفتن، بس كلش ما عندي أمل في العراقيين. الشخصية العراقية شخصية متمردة.

    • زائر 6 زائر 4 | 1:57 ص

      العراقييين سيهزمون داعش ويسحقونها كما هزموا القاعدة. مسالة وقت وقالوها ....:الفلوجة حررناها. ووعدوا بالنصر القادم في الموصل. وسنرى بطولات ابناء لرافدبن.

    • زائر 3 | 1:01 ص

      يعني تعتقد أن العراقيين اللي ما عجبهم الإمام علي و قتلوا الإمام الحسين، راح ينفع معهم غير واحد مثل أبو العباس السفاح أو الحجاج بن يوسف الثقفي أو صدام حسين؟

    • زائر 2 | 12:35 ص

      خذها منى ولا عمرها العراق راح ترجع كما كانت

    • زائر 1 | 12:32 ص

      ......يريد أن يتجاهل دور المخابرات السورية و الإيرانية في دعم الجهاديين منذ أيام الإحتلال الأمريكي للعراق، و هو أمر لا يخفى على أي متابع يقظ للأحداث. عندما احتلت أمريكا العراق، كانت المخابرات السورية تسهل للجهاديين العبور من أراضيها لقتال قوات الإحتلال الأمريكي و كان لهم ما كانوا يريدون، غرقت أمريكا في مستنقع العراق و آثرت الخروج و لكنها قبل أن تخرج أرادت أن تسقي بشار الأسد و إيران ما كانا يسقونها إياه ... و ها أنت ترى، أمريكا تقول لماذا نحارب القاعدة؟ فلتحاربها سوريا و إيران و حزب الله!!!

    • زائر 9 زائر 1 | 2:38 ص

      هؤلاء الذين تسميهم (((جهاديين)))) مثل الحيات. انقلبوا على جميع من دعمهم وآخرهم تركيا. بل ان رعاتهم الامريكييين يقصفونهم الآن، على الأقل هذا هو المعلن ويتعانون على قطع اجنحتهم. هؤلاء وباء على البشرية كلها وليسوا (((مجاهدين))).

اقرأ ايضاً