العدد 5038 - الأربعاء 22 يونيو 2016م الموافق 17 رمضان 1437هـ

الاعتراف بوجود الآخر قبل الحوار

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من السهل الحديث عن فضائل التعدّدية وإظهار احترام الأديان والانفتاح على الكون، ولكن من الصعب أن نحوّله إلى ممارسة يومية، وخطاب وطني جامع، ومبادئ سياسية نؤمن بها طوال العام، وليس في بعض المواسم والمناسبات.

من السهل عقد المؤتمرات في فنادق الخمس نجوم، حيث يحضرها ضيوفٌ من دول أخرى، وإظهار أقصى درجات التهجّد واحترام الأديان المنتشرة في الكرة الأرضية، ولكن من الصعب جداً أن نلتزم بأدنى درجات الاحترام لمذاهب بعضنا بعضاً، ومكوّناتنا الاجتماعية.

من السهل جداً أن نوقّع على اتفاقيات دولية تنصّ على احترام حقوق الإنسان، وتبني الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل أو المرأة أو ذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن من الصعب أن نحوّلها إلى عملةٍ حقيقيةٍ يمكن تداولها وصرفها في السوق.

لسنا بحاجةٍ إلى تبني نظريات، أو الخروج بتصريحات وتنظيرات، وإنّما نحن بحاجةٍ ماسةٍ لأن نتفق على أهم الأسس التي يقوم عليها بناء المجتمع العصري الحديث: المواطنة المتساوية، دون زيادة أو نقصان.

حين نتكلّم عن تجارب الدول المتقدمة في الغرب، يقال: إنهم «غير»؛ وحين نتكلّم عن تجارب الدول الناجحة في الشرق، ممن مروا بنفس ظروفنا التاريخية ولكنهم تقدّموا وتأخرنا، يُقال: إنهم «غير»! مع أنهم بشرٌ أمثالنا، ولديهم عوامل فشل أكبر مما لدينا، لكنهم حوّلوها إلى عناصر تقدم ونجاح.

العلة فينا، والمرض مستوطن في طرق تفكيرنا، وتفاصيل حياتنا، حتى اعتبرنا البعض دولاً وشعوباً عصيةً على الإصلاح.

لنبدأ أولاً بالاعتراف بوجود «الآخر» في حياتنا. لم يخلقنا الله نسخاً متطابقة في التفكير والشعور والمواقف السياسية وحجم العقول. لقد خلقنا مختلفين، في المشارب والاتجاهات والأفكار والطموحات، فلماذا يفترض البعض أن يكون الآخرون نسخاً مكرّرة منه؟ لماذا نطالب الآخرين بالخضوع والانصياع لرغباتنا والتسليم بمسلماتنا وأفكارنا؟

قبل أيامٍ، أعلنت إحدى الجماعات عن عزمها إجراء «حوار» مع «عقلاء» جماعة أخرى، من أجل «هدايتها إلى الحق»! فكيف يمكن أن يبدأ «حوار» انطلاقاً من فكرة مسبقة بأن الآخرين ضالون يجب هدايتهم، وليسوا أكفاء أو أنداداً تتم محاورتهم كبشر كاملي الأهلية.

مثل هذا الطرح طرح عليل معطوب، يدلّ على نواقص نفسية وعدم نضج فكري، فإذا كنت تؤمن مسبقاً بأن الآخر «ضال» من الأساس، فمن حقّه أن يعاملك بالمثل، فيحكم بضلالك أيضاً. بينما الحوار يقتضي أن تنظر إلى الآخر كنظيرٍ لك في الخلق، كامل الصلاحية، مكتمل العقل، هذا إن لم تعتبره أخاً لك في الدين.

قل إن الهدى هدى الله، وليس ما تدّعيه لنفسك ولجماعتك، وفي الأدب القرآني: «وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلالٍ مبين». وأمام هذه العنجهية الفكرية والتكبر والاستعلاء والاستطالة على البشر، هناك حاجةٌ إلى التواضع، بل والكثير من التواضع، ليكون المدخل الطبيعي لعلاج أزماتنا المستعصية، تمهيداً للإقرار بأبسط ضروريات الحياة: «المساواة»؛ وللتسليم بأهم المبادئ السياسية التي تحكم الدول المحتضرة: «المواطنة المتكافئة». فليس هناك مواطنٌ أو شعبٌ، دمّه أزرق، وآخر دمه أسود أو أصفر، كما كان يعتقد النازيون في الثلاثينيات.

إن تكافؤ الفرص، والعدل والمساواة أمام القانون، هي الأصل، وهي المبادئ التي تفتح أبواب التطور والنمو والنهوض أمام الشعوب والأمم. أما الحكم على الآخر مسبقاً بالضلال، فهو الخطوة الأولى لانتهاك حقوقه، والحط من كرامته، والتمهيد لارتكاب مختلف الجرائم ضده، انتهاءً بإزهاق الأرواح.

قليلاً من التواضع، فليس هناك من يملك الحقيقة المطلقة بيننا، وبعيداً عن العجرفة والادعاءات، تعلّموا التواضع والحكمة من أبي العلاء:

أما اليقينُ فلا يقينَ وإنّما

أقصى اجتهادي أن أظنّ وأحدسا.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5038 - الأربعاء 22 يونيو 2016م الموافق 17 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 39 | 9:11 م

      يعني تطبيق ( ثقافة الاختلاف )
      مقال روعة ،،،
      بوركت سيدنا ،،،

    • زائر 34 | 9:12 ص

      مقال رائع يستحق القراءه ، بل ويمكن الاستفاده منه في تطبيقه في مجتمعنا المحلي.

    • زائر 30 | 6:21 ص

      الى الاسف الوفاق من ضيع الحوار

    • زائر 37 زائر 30 | 11:30 ص

      هههههههههههههههههههههههههههههه
      شكراً على الطرفة

    • زائر 29 | 6:02 ص

      اذا اردتون انقاذ البلاد من هادى الازمة تنفيد وصايا ولي العهد الذي اعلنها ايام الدوار الجلوس على طاولة الحوار بين المعارضه وولي العهد ان يجلس ولى العهد مع المعارضة ويتفاهمون فى امور البلد على الخير والمصلحة للبلد وراح اتكون البلد بخير وتنحل النزاعات الحاصلة فى البلد اهمشى تنفيد وصايا الله فى حق الشعوب وشكرا سيدنه

    • زائر 38 زائر 29 | 12:22 م

      كانت فرصة وطارت الى الاسف لم تستغل بصورة صحيحة

    • زائر 26 | 3:57 ص

      ملينا ملينا من الكلام ملينا وعلي النبي صلينا لبيت مكة يودينا .نبي فلوس حق ارمضان والعيد والمدارس وتسجيل السيارات وتامينها ونبي طلعات لليهال في العطلة الصيفيه ونبي نسافر نبي نسوي مجبوس هامور نبي لوز عدل مشحم الله يستر .

    • زائر 24 | 3:11 ص

      حلوة الحوار مع "عقلاء" الطائفة الفلانية. ..

    • زائر 22 | 2:39 ص

      لا نحتاج الى هداية الآخرين والإتفاق معهم...نحتاج الى التعايش مع الآخرين بدون محاولة تغييرهم....

    • زائر 21 | 2:21 ص

      محاولات التقريب بين المذاهب شيء فاشل الحل هو سن قوانين تجرم الطائفية و سب الرموز الدينية أولاً اما ثانياً فيجب فصل الدين و المذهب عن السياسة .. أفضل حل لنا جميعاً

    • زائر 10 | 1:13 ص

      الكل يرى الصراع الطائفي والفتنة في المنطقة على أوجها فلنتعض مما يحدث من دمار بسبب هذه الفتنة ونبعد وطننا عنها أين حكماء السلطة والطاءفتين الكريمتين

    • زائر 8 | 12:55 ص

      بعيداً عن الطائفيه. من اتبع باب مدينه العلم لن يخسر

    • زائر 5 | 12:02 ص

      للاسف يااستاذ قاسم وانت تعلم مااعني ، ان التشدد والعناد والاقصاء يتم من الطرفين،ـ فلاتلقي اللوم على طرف دون الآخر، فنماذج كثيرة من الجانبين للاسف هي من عمقت جذور الاختلاف بين الطرفين ، انتهاءا لما نمر فيه ..

    • زائر 19 زائر 5 | 1:52 ص

      كلامك صحيح وواقعي.

    • زائر 23 زائر 5 | 3:08 ص

      هناك طرف يكفر طرف آخر، والطرف الآخر يعلن ليل نهار وعلى رؤوس الأشهاد اننا اخوان سنة وشيعة. هذه هي الحقيقة الناصعة وما تقوله محاولة تمويه وتضليل.

    • زائر 25 زائر 5 | 3:53 ص

      وين المتشددين الي عندنا شفت سب على منابر الصلاة والا شفت سب لمذهب الطائفة الاخرى عطني اسماء من واقع مجتمعنا وخلنا نشوف لا تقعد تألف حجي من عندك امور كثيرة حدثت وضحت الاحداث الجارية اي تشدد اي بطيخ الي تتكلم عنه اولا المتشددين قلة قليلة ولو وجدوا لا ينعدون على الاصابع وافكارهم يحاولون ان ينشرونها اذا ما حصلت صدى ما كفروا ولا ابغضوا فلان وعلان ....لو عندنا من الطرفين تشدد جان بتشوف شلون بتصير الديرة والكل يعرف هالحقيقة ..

    • زائر 4 | 11:56 م

      احلموا

      قلنا ليكو لا تعبو رووووسكم واجد ما بتحصلون شيء
      والايام اثبتت ذلك

    • زائر 6 زائر 4 | 12:27 ص

      و احنا نقول لك و لمن يمفكر ان دوام الحال من المحال و التجارب و الايام اثبتت ذلك و ما هو اليوم صعب في نظرك سيكون متاح في مقبل الايام و ما ضاع حق وراءة مطالب

    • زائر 3 | 11:53 م

      لا أدعي الفهم العميق في فهم الأديان.. ولكن أعتقد لو أن المسلمين اتفقوا على تطبيق قول الباري جل اسمه:بسم الله الرحمن الرحيم. . يا أيها الذين آمنوا لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ؛ لعاشوأ في وئام وكل إنسان كادح إلى ربه كدحا فملاقيه.

    • زائر 2 | 11:33 م

      أحسنت أستاذي العزيز قاسم حسين! (إياكي أعني وإسمعي يا جاره) هناك كثيرين يعتبرون كل الجمهور منحرفين ولا يعترفون بهم أصلا ويعاملونهم بالتحبيط كي يشعرونهم بالدونية وأنهم لا يعرفون شيئ حتى يسيطروا عليهم!
      كن حذرا منهم!فطمأنينتك هي الهدف!
      هناك من الناس من يجرحون مشاعركم ويعاملونكم بأسلوب فض ويبالغون في تضخيم أخطائكم البسيطة وتحبيطكم لأنهم يملكون أهدافا شخصية. من مصلحة هؤلاء الذين يؤذونكم أن يجعلونكم تفقدون صوابكم كي يستطيعوا السيطرة عليكم.لذلك نرجوا منكم أن تجدوا علاجا يساعد قلوبكم لتطمئن وتتعالج

    • زائر 1 | 11:25 م

      ويجب علينا ان نسهل الامور للحوار ولا نصعبها ونضع العراقيل قبل بدء الحوار

اقرأ ايضاً