العدد 5044 - الثلثاء 28 يونيو 2016م الموافق 23 رمضان 1437هـ

انفصال بريطانيا عن «الاتحاد» وارتداداته

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

الحدث الأبرز ومادة الإعلام الطاغية في المشهد السياسي الأوروبي والعالمي التي لاتزال تتفاعل؛ هي نتيجة الـ «52 في المئة» من أصوات استفتاء «72 في المئة» من البريطانيين لخروج المملكة المتحدة من الكتلة الأوروبية. وُصف الحدث بالسابقة التاريخية والصدمة والزلزال وبأنه انقلاب الناخبين الكبار ضد الشباب، وذلك بسبب تداعياته الخطيرة على بريطانيا وعلى منظومة الاتحاد الأوروبي نفسه وما سيواجهانه من وضْعٍ غير مسبوق يدفع بهما لإعادة بناء علاقات جديدة تسودها البلبلة ويكتنفها الغموض، وربما يعرّض أكبر تكتل اقتصادي سياسي للانهيار.

كثيرةٌ هي أسباب طلاق بريطانيا عن الاتحاد والتي تناولها الإعلام باستفاضة؛ ليس أقلها قضية المهاجرين واللاجيئن والتخلص من أعبائهم لتحسين وضع الخدمات الصحية والتعليمية حيث يتوقع توفير 350 مليون جنية إسترليني أسبوعياً لصالح الخزينة وهو ما يعادل نصف ميزانية التعليم في إنجلترا بحسب مؤيدي الانفصال، إضافة إلى التخويف من الإرهاب بسبب الحدود المفتوحة، واعتقادهم بحرية التصرف في تعديل القوانين والتشريعات الوطنية وعلوّها ومنح صلاحيات وسلطات أكبر للبرلمان، واسترجاع المكانة الدولية التي تمكنهم من عقد اتفاقيات تجارية مع دول كأميركا والهند والصين وإقامة منطقة تجارة حُرّة.

بقاء أمْ انفصال

بالطبع بعض الأسباب يميل للموضوعية والواقعية وبعضها الآخر ذهب بعيداً في تفسير الحدث، واستشراف مخاطره سواء على الاتحاد الأوروبي أو بريطانيا نفسها لاسيما لجهة وحدتها التي يتوقع المحللون أن تحدث انقساماً، وخصوصاً بعد أن أبدت اسكتلندا سعيها للدفاع عن مصالحها الخاصة، والتي وردت في تصريح رئيسة وزرائها للبدء بمحادثات فورية مع بروكسل مقر المفوضية الأوروبية، وذلك حماية لمكانتها في الاتحاد، وبحثاً عن إطار تشريعي يسمح بتنظيم استفتاء آخر يتعلق باستقلال اسكتلندا التي تحظى بحكم ذاتي عن بريطانيا، بعد استفتاء سابق قضى بالبقاء في بريطانيا، لمَ لا ونسبة الاسكتلنديين المصوّتين للبقاء في الاتحاد تبين أنها تمثل غالبية بنسبة «62 %»، إضافة لموقف إيرلندا الشمالية ولندن وأطراف المدن والأرياف التي عبّرت عنها الصحافة البريطانية وعكست اختلافات في الرأي وانقسامات عميقة في مواقفهم، فمن شجع الانفصال ودفع باتجاهه وجد أن الحدث «نهضة للشعب أمام الطبقة السياسية المتغطرسة والبعيدة عن الواقع وأمام النخبة المتعالية في بروكسل»، فيما تساءل المؤيدين للبقاء «عما سيحصل الآن؟» معبرين عن صدمتهم وحزنهم وقلقهم.

اليمين المتطرف صعوداً

إنّ أسوأ انعكاسات الحدث يكمن حسب توقع المحللين بأن تشهد تيارات اليمين المتطرف في أوروبا والحركات الشعبوية الدعوة إلى حركات مماثلة، إذ كان واضحاً وعلى مستوى الداخل استثمار اليمين المتطرف المباشر للحدث، لمَ لا وهم من تصدر المواقف والسياسات الصارمة تجاه «قضية اللاجئين» وأبرز مَن تصدّرهم زعيم «حزب يوكيب» الذي اعتبر النتيجة «يوماً للاستقلال»، بل «عيداً وطنياً» يستحق الاحتفال به، أمّا مناصروه فهم على أمل بتوفر مزيد من فرص العمل ووضع حدٍّ للهجرة، أمّا على المستوى الأوروبي فقد دعت زعيمة اليمين الفرنسي مارين لوبن إلى استفتاء مماثل في بلادها، ومثلها فعل النائب الهولندي فيما أعلن «حزب الشعب» السلوفاكي اليميني المتطرف في البرلمان إلى إطلاق حملة «عريضة» لإجراء استفتاء بشأن عضوية سلوفاكيا في الاتحاد الأوروبي وخروجها منه.

بالنسبة للفريق المنزعج من الانفصال فقد أكد من جهة فرنسا الرسمية على ضرورة تعيين رئيس جديد للحكومة البريطاينة وبشكل مُلحّ على مستوى الخارج، وكذلك طالب وزير الخارجية الألماني على ضرورة «أن تبدأ عملية الانفصال بأسرع وقت حتى لا نجد أنفسنا غارقين في مأزق»، وعليه يجوز السؤال عن التداعيات السلبية المحتملة للانفصال وانعكاساته على بريطانيا؟

آلية الانسحاب وعقدتها

من الناحية القانونية تشير التقارير إلى أن المعاهدات تتضمّن أصلاً آلية للانسحاب الطوعي من طرف واحد وكحق لا يتطلب أي تبرير حسب المادة «50» المُقرّة في معاهدة لشبونة 2009، ومع ذلك فإنّ على لندن التفاوض بشأن «اتفاق انسحاب» يُقرُّه مجلس الاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة، كما سيتوقف عندها تطبيق أيٍّ من المعاهدات الأوروبية على بريطانيا اعتباراً من تاريخ دخول «اتفاق الانسحاب» حيز التنفيذ، أو بعد سنتين من الإبلاغ عنه - أي الانسحاب - في حال لم يتم التوصل لأيّ اتفاق، ويمكن للطرفين تمديد مهلة الانسحاب بالتوافق، الأمر الذي يثير تساؤلات المحللين بشأن الاجراءات المترتبة على الانسحاب ولاسيما في إطار علاقات متداخلة ومتشعّبة تربطهما مع بعض منذ أربعة عقود وما سيترتب عليه من إعادة بناء علاقة جديدة، وهذا يتطلب بالطبع تعديلاً لتشريعات بريطانيا الوطنية على مستوى السياسة والاقتصاد، ففي دراسة أعدها البرلمان البريطاني خلصت إلى أن ذلك يستغرق وقتاً طويلاً بشأن تفاوض الانسحاب أو الترتيبات المستقبلية والاتفاقات التجارية مع الدول خارج الاتحاد الأوروبي، وهذا الوقت تبعاً للدراسة يكتنفه التعقيد والغموض الذي سينعكس بهذا الشكل أو ذاك على الأسواق المالية وقيمة الجنيه الاسترليني، إضافة إلى مواجهة حواجز أعلى من اقتصادها وسوقها الرئيسية بعد فك الارتباط وذلك على رغم الخيارات المتعددة والسيناريوهات البديلة المطروحة أمامها للنفاذ إلى الأسواق كنموذج النرويج وسويسرا أو ايسلندا، بيد أن ذلك يستوحب منها الالتزام بقواعد سوق لم تشارك في صياغتها ناهيك عن الكلفة المالية الكبيرة المطلوب تسديدها.

من ناحية متصلة، يعتقد المحللون بأنه يتحتم على لندن التفاوض بشأن أوضاع مليوني بريطاني مقيمين ويعملون في الاتحاد الأوروبي خصوصاً لجهة حقوقهم التقاعدية وحصولهم على المنافع والخدمات الصحية والتعليمية التي تضمنتها الاتفاقيات المبرمة منذ انضمامها للاتحاد الأوروبي، وفي هذا الصدد أشارت دراسة بريطانية إلى «إنه لن يكون بوسع هؤلاء ومن بينهم المتقاعدون في إسبانيا ضمان هذه الحقوق، إلا في حالة التفاوض على قاعدة المعاملة بالمثل لرعايا دول الاتحاد في بريطانيا»، هذا ما حدا بمراكز أبحاث وساسة ومسئولين برلمانيين أوروبيين للدعوة إلى الاقتراب من المواطنين وتلبية تطلعاتهم بمكافحة الأزمات الاقتصادية والبطالة، ووضع خطوات ملموسة لمواجهة تدفق المهاجرين واللاجيئن، وحلّ القضايا الأمنية لقطع الطريق أمام اليمين المتطرف والعنصري حفاظاً على الوحدة الأوروبية.

في المحصلة النهائية، هناك الكثير مما يُقال لكن الذي لا جدال فيه، تأثر الاقتصاد البريطاني سلباً بإلغاء أيٍّ من الاتفاقيات التجارية والمالية والاستثمارية مع دول الكتلة الأوروبية الموحدة التي يزيد عدد سكانها عن 400 مليون نسمة، وبريطانيا ستكون صغيرة وضعيفة لن تستعيد دورها القيادي عالمياً، ولاسيما مع تصدُّر ألمانيا علاقة الاتحاد مع دول أوروبا الشرقية وروسيا الاتحادية، فيما تقود فرنسا متعاونة مع إسبانيا وإيطاليا العلاقات بدول المتوسط التي ستتأثر سلباً بهذا الانفصال خاصة اليونان وإسبانيا بما تواجهه من أزمات اقتصادية خصوصاً، ولندن تدعم سياسة النمو لتلك الدول خلاف ألمانيا الداعية لفرض سياسات تقشفية عليها، بريطانيا حتماً ستفقد بعضاً من دورها التنسيقي بين الشمال الأميركي والاتحاد الأوروبي، والأسوأ تقوية وضع الأحزاب الأوروبية اليمينية المتطرفة قومياً وعنصرياً، وأكثر ضحايا تطرفها الجاليات العربية والإسلامية، هل فقدت بريطانيا عظمتها وما كانت عليه؟ بالتأكيد.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 5044 - الثلثاء 28 يونيو 2016م الموافق 23 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً