العدد 5057 - الإثنين 11 يوليو 2016م الموافق 06 شوال 1437هـ

تقرير «شيلكوت» لن يعيد الضحايا للحياة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يأتِ تقرير «شيلكوت» الخاص بالتدخل العسكري البريطاني في العراق، بجديدٍ لا يعرفه الرأي العام البريطاني أو العربي، فوقائع الغزو الأميركي ومبرراته الواهية مازالت حاضرة في أذهاننا.

التقرير الذي نشرت نتائجه الأربعاء الماضي، اعترف بأن رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير «بالغ في الحجج التي ساقها للتّحرّك العسكري»؛ وأن بريطانيا «لم تستنفد كافّة الحلول السلمية قبل الانخراط في غزو العراق». وكشف شيلكوت أنّ «بلير كتب إلى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش واعداً إيّاه بالوقوف معه مهما حصل»، وحتى في هذه لم يأتِ شيلكوت بجديد، فقد كان ذلك موقف بلير المعروف جيداً، لمن كان يتابع الأخبار.

كان غزو العراق جزءاً من مشروع امبراطوري كبير، كان يحلم به «المحافظون الجدد» في الولايات المتحدة، ليكون القرن الحادي والعشرون قرناً أميركياً بامتياز. وكان خلاصة دراساتٍ وأبحاثٍ لسنوات طويلة، شارك فيها كبار المفكرين الأميركيين. وكانت هجمات 11 سبتمبر/ أيلول حافزاً لانطلاق المشروع، الذي لم يكن يبحث عن حججٍ ومبرراتٍ، ولذلك حين واجه الأميركيون معارضةً من قبل أقرب حلفائهم، ألمانيا وفرنسا، وتعذّر عليهم استصدار قرار من مجلس الأمن بسبب معارضة روسيا والصين، اتخذ بوش قراره منفرداً، ولم يقف معه إلا صديقه المخلص بلير، ورئيس الوزراء الإسباني اليميني خوسيه أثنار.

لم نكن بحاجةٍ إلى مرور 13 عاماً، لتأتي لجنةٌ بريطانيةٌ، لتعكف على دراسة الوقائع، ولتخرج لنا بهذه الاستنتاجات الخجولة، والمعروفة سلفاً لدى المتابعين. فالوقائع مازالت واضحةً في الذاكرة، ففي الشهر الأول من صدور «الوسط»، (العدد 20)، كتبت أول مقالٍ سياسي لي في هذه الصفحة، تناول هذه العلاقة المشبوهة بين الرجلين، بوش وبلير، بعنوان «دون كيشوت وصل إلى البيت الأبيض»، في إشارة إلى الرواية الشهيرة للإسباني سيرفانتس، والتي تبدأ بخروج «دون كيشوت» في رحلة مغامراته بصحبة خادمه وحامل سلاحه «سانشا بانشا». وأنقل الفقرة الثانية من المقال، لأنها تعكس أجواء تلك الفترة وقناعاتنا بدقة: «هذه الصورة الساخرة التي تنضح بها الرواية الخالدة كثيراً ما ترد على خيال المرء الذي يراقب ويتأمل ما يجري في عالم اليوم، من اندفاعة السياسة الأميركية الهوجاء التي تريد اكتساح ما يعترض طريقها، حسب منطق يفتقر إلى العقلانية والرشد: (إما معي وإما ضدي). وكثيراً ما تذكّرني صور الرئيس الأميركي على شاشة التلفاز بدون كيشوت، ويذكّرني طوني بلير بتابعه سانشا».

إذاً، كانت الصورة واضحةً لدينا في هذه البقعة من العالم، فالأميركيون والبريطانيون لم يأتوا بمشروعٍ لتطبيق الديمقراطية في الشرق الأوسط، والمحافظون الجدد كانوا يتكلّمون بوضوح عن السيطرة على العراق لوضع أيديهم على نفطه، وإقامة خمسين قاعدة عسكرية على أراضيه، ليبقى مكبلاً لمدة نصف قرن على الأقل. كان طريقهم واضحاً، ولم يستشيروا أحداً أو يأخذوا إذناً من أحد، لا من حلفائهم ولا من الدول العربية ولا من المعارضة العراقية... فكل هؤلاء كانوا في موقع من «أَخَذَ علماً» فقط.

هذا المشروع الكارثي، بدأ بغزو أفغانستان ولكن كانت عيونهم على العراق، واستمر يتفاعل ويرمي بشرره على دول الجوار، فشهدنا حرب تموز في لبنان 2006، وحروب غزة الثلاث، وما تلاها من تدخلاتٍ واستغلالٍ لثورات الربيع العربي، لتدمير دول معروفة للجميع.

اليوم، يتفضل شيلكوت بتقديم هذه المعلومات الزائدة عن الحاجة، التي لن تعيد شخصاً واحداً من ملايين الضحايا الذين تساقطوا في هذه الحروب القذرة. والمفارقة أن بلير يصر بصلافةٍ على التمسك بموقفه في شنّ الحرب، ولو وُجد نظام عدالة عالمي، لقُدّم مثل هذا الشخص وسيّده بوش إلى المحاكمة كمجرم حرب.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5057 - الإثنين 11 يوليو 2016م الموافق 06 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 2:28 م

      المؤمن لا يغلط و لا يعتذر و ا لمنا فق كل يوم يغلط ويعتذر

    • زائر 16 | 11:02 ص

      من الأسماء ميسون ومنها الماسونية
      فليس بسر أن العالم الغربي المغري للبعض والخادع للآ خرين موكونات كساناته الحقيقية لا تعدو عن مجموعة ملاك للبنوك وشبكات بعضها للبضائع وأخرى لتقديم الخدمات. فإشعال حرب لا تحتاج إلّا لوقود مثل النفط والغاز. فهل الثروتان الطبيعيتان اليوم اصبحتا منهكتين إحتراقا وإشتعالا؟

    • زائر 14 | 9:00 ص

      نعم التقرير لن يعيد القتلى للحياة ولكنه يفضح المجرمين و يعطي دروسا للسياسيين الجدد بعدم تكرار الاخطاء و يشير بكل جرأة للمتهمين و يقول لهم انتم متهمين ، و الدور الان على اهل القتلى سواء من العراقيين او الجنود البريطانيين لاستخدام التقرير لادانه بلير او الحكومة

    • زائر 12 | 4:29 ص

      بلير يصر بصلافةٍ على التمسك بموقفه في شنّ الحرب، ولو وُجد نظام عدالة عالمي، لقُدّم مثل هذا الشخص وسيّده بوش إلى المحاكمة كمجرم حرب.

    • زائر 9 | 2:32 ص

      بوش و بلير غزو العراق و دمروا جيشه و مؤسساته و سلموه لعملاء ايران من اجل تدمير حضارته و ثقافته و تحويله الى بلد متخلف

    • زائر 8 | 2:28 ص

      الساسه الغربيون مجرمون نشروا ولا زالوا ينشرون الدمار والبؤس في دولنا العربيه والاسلامية.وكل هذا من أجل اطماعهم الدنيوية.جهنم الحمراء قليله في حقهم.

    • زائر 7 | 1:57 ص

      وماذا ينفع من هذه الاعتذارات؟
      هل سيتوقفون عن اضطهاد الشعوب والتنكيل بها يعني خلاص ستصبح بريطانيا دولة مسالمة لن نسمع
      عنها شيء من ذلك

    • زائر 6 | 1:46 ص

      هذه بريطانيا العظمى, قبل فترة اعتذروا عن ما اقترفوه في الهند من جرائم وسبق ذلك اعتذارات واعتذارات لكنهم لم يتوقفوا ولم يتورّعوا ولا زالوا يمارسون نفس الاعمال

    • زائر 4 | 1:43 ص

      هكذا هم قادة الدول الكبرى يقودون جرائم كبرى بحقّ شعوب مستضعفة وبعد سفك دم مئات الآلاف بل ملايين البشر يأتون ليعتذرون بعد خراب البصرة.
      هل سيرجع الاعتذار ارواح الضحايا؟
      هل سينصف الاعتذار من عذّبوا واهينوا واحرقت بيوتهم واهليهم وعانوا من الويلات؟

    • زائر 3 | 12:54 ص

      انت كذلك يا استاذ قاسم تعترف ان نظام (صدام حسين) على مساوئه الكثيرة احسن بكثير جدا من النظام الحالي . في النظام الحالي الطائفية حدث ولاحرج القتل على الهوية صار الديدن العام في العراق الاموال في ايدي جدا قليلة وباقي الشعب تحت الفقر واهم من كل هذا لايوجد امن ولا امان كل ماذكرت من مساوئ لم يكن موجود في فترة حكم (صدام) السيئ والان لا ينفع البكاء على اللبن المسكوب ولك شكري

    • زائر 15 زائر 3 | 9:13 ص

      من قال لك ان السيد قاسم حسين يعتبر صدام حسين أحسن؟ من وين هالكلام جايبه؟ كم مرة كتب عن صدام وجرائمه خصوصا المقابر الجماعية، ولا تنسى حروبه العبثية ضد الكويت وايران وضربه للسعودية بصواريخ سكود.

    • زائر 2 | 12:03 ص

      مقال موفق سيدنا.
      المشكلة ليست في من طغى وتجبر. المشكلة تكمن فينا نحن العرب استضعفنا أنفسنا لكل ذي عوج فكانت النتيجة استعمارنا جغرافيا وماديا وأدبيا.
      الشعوب العربية تملك الإرادة وعزة النفس؛ لكن للأسف، تتسلط على رقابها حكومات شكلية وظيفتها حماية المستعمرات.

    • زائر 1 | 10:25 م

      وفي الاخير طلعو لنا بالربيع العربي لتقسيم الدول العربية والاسلامية ونشر الطائفية

اقرأ ايضاً